تأليف الحكومة اللبنانية يرواح مكانه..فما مصير التسوية الرئاسية بعد التلويح بالشارع؟
تستمر التباينات بين القوى السياسية اللبنانية بشأن تأليف الحكومة الثانية في عهد الرئيس العماد ميشال عون ما يطرح تساؤلات عن حقيقة الأزمة المستجدّة في البلاد وما إذا كانت العقد التي تحول دون تأليف الحكومة داخلية فقط أم مرتبطة بالتطوّرات الخارجية في أكثر من منطقة.
فالعقد الداخلية التي تحول دون ولادة الحكومة على حالها وأبرزها كيفية توزيع الحصص الوزارية على الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب السابق وليد جنبلاط وعلى حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع وكذلك حصة التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية والنواب المعارضين لتيار المستقبل، علماً أن أطرافاً عدة في لبنان تطالب بإعتماد معيار واحد لتمثيل الكتل البرلمانية في الحكومة وهذا الأمر لم يظهر في التشكلية الحكومية التي سبق وقام بها الحريري للرئيس ما دفع تلك الأطراف إلى الإصرار على وضوح المعايير التي سيتبعها الرئيس المكلف بما يضمن إحترام نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
لكن السؤال اليوم في لبنان عن مصير التسوية الرئاسية والتي أفضت إلى توافق غالبية الكتل البرلمانية على انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول/ أوكتوبر عام 2016، وشكل التوافق بين التيار الوطني الحر الذي أسّسه عون وتيار المستقبل برئاسة الحريري أحد أضلع تلك التسوية.
فالرئيس المكلّف وعلى الرغم من إعلانه من قصر بعبدا بعد لقائه الرئيس عون في 23 حزيران/ يونيو الفائت أن إخراج الحكومة العتيدة إلى النور، يمكن أن يكون خلال الساعات الـ 48 المقبلة"، إلا أن الفترة المحدّدة مرت ولم يطرأ جديد على مسار التأليف، ليعود الحريري ويؤكّد الثلاثاء "أن على الجميع أن يلتفتوا إلى الوضع الاقتصادي. أما إذا كان المطلوب من رئيس الحكومة أن يقدّم هو كل التنازلات فنحن ضحّينا كثيراً"، ما يعني أنه قدّم ما عنده وينتظر المبادرة من الآخرين. إلى ذلك لفت كلام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالتزامن مع كلام الحريري أنه "لا يجوز ابتزاز العهد بوجوب تشكيل حكومة لتولد الحكومة معطّلة، ونحن تنازلنا سلفاً عن أمور كثيرة، وإذا تطلّب الأمر عملية سياسية دبلوماسية شعبية لفك أسر لبنان من الاعتقال السياسي الذي نحن فيه، لن نتأخر"، مشيراً إلى "أننا لن نقبل بأية حكومة، فمطلبنا حكومة منتجة وقائمة على عدالة التمثيل وعدم وجود استنسابية أو مزاجية عند أية جهة سياسية".
إذاً قدّمت الأطراف الأساسية كل ما عندها لتأليف الحكومة فما الذي يمنع الإعلان عن التشكيلة الحكومية.
وفي السياق أكّدت مصادر وزارية للميادين نت أن "على الرئيس المكلّف ألا يبقى في حال إنتظار لأنه مهمته تأليف الحكومة ويجب أن يحسم أمره للتوصّل إلى حل عدا أن التخاطب عبر المنابر ووسائل الإعلام لا يغني عن اللقاءات المباشرة، وكذلك عليه أن يجترح الحلول عندما يتعثّر طرح ما قدّمه وذلك للوصول إلى حل، ومن غير المقبول إبقاء الوضع على حاله لا سيما أنه صاحب المبادرة الأساسية"، وتلفت تلك المصادر إلى ضرورة تقديم الحريري تشكيلة حكومية أخرى تكون قابلة للحياة "لا أن يبقى متفرّجاً عدا عن أن الحكومة لن تولد وهو في موقع المنتظر".
بدوره، يؤكّد مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي رامي الريس للميادين نت أن "مسؤولية عرقلة تأليف الحكومة يتحمّلها الطرف الذي استولد العقد في عدد من المواقع في محاولة للالتفاف على نتائج الإنتخابات البرلمانية التي جرت في 6 أيار/ مايو الفائت ويحاول محاصرة بعض القوى التي حقّقت نتائج متقدّمة في تلك الإنتخابات"، ويشير الريس إلى أن السبب الرئيسي في تأخير ولادة الحكومة يكمن في "إصرار البعض على اقتطاع مواقع تعود لكتل معينة لا سيما بعد نتائج الانتخاب مع التذكير أن هناك من حاول تطويق الحزب التقدمي الإشتراكي عبر قانون الانتخاب وعندما أخفق في محاولته تلك يجدّد المحاولة من خلال تشكيل الحكومة"، ويجزم المسؤول الإشتراكي أن "لا تراجع عن الحصة الوزارية المخصّصة للحزب لأن ذلك سيشكل خذلاناً للناس التي منحتنا ثقتها".
من جهته يلفت القيادي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش إلى أن هناك من " يسعى لإفشال مهمة الرئيس الحريري "، ويضيف في حديث للميادين نت أن "الوصول إلى ذلك الهدف يظهر من خلال تغيير المعطيات الموجودة أو فرض معطيات أخرى عبر ما نشهده في مشاورات التأليف، ويجب على المسؤولين السياسيين وضع النقاط على الحروف لا اللجوء إلى لغة الترميز"، في إشارة إلى ما أعلنه الوزير باسيل عن تحرّك شعبي لتحرير لبنان من الاعتقال السياسي موضحاً أن" إذا كان التحرّك لمصلحة لبنان سنكون أول المشاركين فيه"، وعن مصير التسوية الرئاسية يشير إلى أنه " لا تفاهمات حقيقية في لبنان وكل ما نعيشه تفاهمات هشة تسقط عند أول منعطف والدليل ما شهدناه في تفاهم معراب (الاتفاق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية)، وبالتالي نعيش في بلد أشبه بغزوات القبائل التي تلجأ لغزو القبائل الأخرى ولا يوجد ما يمكن أن نركن إليه وحتى الدستور يصار إلى تجاوزه أحياناً".
وسط هذه التجاذبات الداخلية تقيم بعض القوى على قناعة مفادها أن تعثّر تأليف الحكومة مردّه لعقد وعقبات خارجية وأن أطرافاً خارجية لا تستعجل تأليف الحكومة في لبنان لأسباب عدة وأبرزها بحسب بعض الأوساط السياسية " عدم السماح لقوى فازت في الانتخابات من تسييل تلك النتائج في التشكيلة الحكومية المنتظرة"، إضافة إلى تباينات كبيرة في وجهات النظر من ضرورة إعادة العلاقات إلى طبيعتها مع سوريا والتنسيق مع دمشق في ملفات كثيرة وفي طليعتها ملف عودة النازحين السوريين وكذلك التنسيق في المسائل الاقتصادية وغيرها.
وفي سياق متصل، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل أن ما "صدر في الاعلام من تصريحات ومقالات وتحليلات تنسب إلى رئيس التيار خططاً حول معركة رئاسة الجمهورية لا أساس لها من الصحة ومنها ما نشر اليوم في إطار حملة مكشوفة المصدر والأهداف بهدف ضرب عهد العماد عون".
وأضاف البيان "تتركّز هذه الأجواء الواهمة حول عرقلة تشكيل الحكومة، وحول قيام حملة رئاسية، وحول حصول انتخابات رئاسية مبكّرة واتهام رئيس الجمهورية ورئيس التيار بها".
وأشار إلى أن "هذه الحملات تهدف من خلال تسويقها وبالتالي من نتائجها إلى ضرب العهد وأذيّته وبالتالي لا يمكن اتهام رئيس الجمهورية أو التيار ورئيسه بها إلاّ إذا وصلت الهلوسة السياسية بالبعض إلى درجة اتهام الإنسان بإطلاق النار على نفسه، فيما يعلم الجميع أننا نحن لسنا في مرحلة انتحار سياسي بل في مرحلة انجاز سياسي".
واعتبر أن الذين يقفون وراء الحملات المعادية للعهد من سياسيين وإعلاميين "معروفة هويتهم السياسية وإفلاسهم الفكري، أما نحن سنكمل مسيرتنا الداعمة للعهد ليس من أجل الرئيس عون فقط بل من اجل لبنان وجميع اللبنانيين إيماناً منا بأن عهد الرئيس عون يشكل فرصة إستثنائية للبنان لن تتكرر ولن نسمح بتفويتها".