"العملاء" في لبنان.. على الميادين
"هناك قاعدة في الشرق الأوسط تقول: إذا كان هناك مأدبة مسائية في مكان ما وأنت غير مدعو إليها، فستجد نفسك بأنك تحولت إلى الطبق الرئيسي عليها". هذه المقولة غير البريئة قالها "يائير رافير" وهو مسؤول وحدة المصادر البشرية الأسبق في جهاز 504 الإسرائيلي. هذا القول يوضح من مجمل الدلالات التي يوحي بها أن الإسرائيلي عدو لا يستلذّ بأي مائدة لا يكون ضيفاً عليها، وهو بالتالي كيان غير "واثق الخطى" لأنه لا يمشي "ملكاً".
وبناءً على ما تقدم، زرعُ الجواسيس والعملاء كان عملاً ملازماً لأيّ حرب استباقية خاضها العدو الإسرائيلي على لبنان. العمالة بكل أساليبها المباشرة أو "الناعمة" جريمة تَسبب مرتكبوها بفظائع ليس أقلها اغتيال قياداتٍ مقاومة وتقديم إحداثيات كَشفت ظَهرَ لبنان وعرّته من سيادته.
وثائقي الـ"عملاء " وثائقي من إنتاج الميادين يُعرض الأحد 3 كانون الأول/ ديسمبر 2017 الساعة التاسعة 21:00 بتوقيت القدس الشريف وبيروت.
وثائقي "العملاء" من إعداد الزميل عباس فنيش وإنتاج قناة الميادين جاء في وقت تطفو قضية العملاء فيه على سطح الساحة اللبنانية، حيث تَظهر العمالة بأشكال أخطر من التعامل المباشر مع العدو، كالتطبيع معه بحثاً عن "سلام" مزعوم!..وثائقيٌ يدرس عقلية المشغّل الإسرائيلي، ويفضح أساليب انتقاء العملاء ومن ثم "توريطهم" في وحل العمالة.
يسلّط وثائقي "العملاء" الضوء على الفترة الممتدة ما بين عامي 2009 و 2010 والتي شهدت فيها الساحة اللبنانية زلزالاً أمنياً تمثّل بتهاوي عشرات شبكات التجسس الإسرائيلية التي عملت لسنوات طويلة ضدّ لبنان.. خمسون دقيقة تلفزيونية تستهدف نماذج عميلة أساسية كانت رأس الحربة، في تلك الفترة.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قال في أكثر من خطاب: "أيدي العملاء في الداخل ستُقطع" وهي قُطعت بالفعل بعد حرب تموز 2006، لكنّ السيّد عزا مسألة انتشار العملاء حينها إلى "التساهل الأمني" الذي فتح الباب أمام تجدد ظاهرة العمالة، وهذا ما يلقي وثائقي "العملاء" الضوء عليه.
كيف اكتشف جهاز أمن الدولة اللبناني بالتعاون مع المقاومة وأحزاب داخلية شبكات التجسس، وكيف ينتقي العدو الإسرائيلي عملاءه.. الوثائقي يجيب عن الأسئلة هذه وينتقي العُملاء "النُخبة" الذين دُسّوا في الداخل اللبناني كرئيس بلدية سعدنايل السابق وضابطٍ في الأمن اللبناني وغيرهم.
فنيش: كل الفصائل في لبنان معنية بألا تنسى تاريخها
وثائقي "العملاء" أعاد فتح نافذة أمام حقبة مفصلية بتاريخ الصراع اللبناني-الإسرائيلي، وبحسب معّد الوثائقي فإن العمل يَعرض نماذج "العملاء" الذين اختارهم الإسرائيلي، وكمية "التراخي الأمني" التي حصلت حينها، مشيراً إلى أن الملاحقات الأمنية هي صمام الأمان في موضوع متابعة خطى العملاء وتحركاتهم.
فنيش دعا في حديث مع الميادين نت الفصائل اللبنانية إلى أن لا تنسى تاريخها، مؤكّداً أن برنامج العمل الإسرائيلي الجديد لا يتقدم فيه عنصر الملاحقة الأمنية وتجميع المعلومات فحسب، بل يتقدم فيه الأمن الاجتماعي وإدخال إسرائيل كعنصر صديق على المجتمع.
واعتبر فنيش أن وثائقي "العملاء" لم يهدف إلى المعالجة التفصيلية للعمالة في لبنان، بل إلى الإضاءة على تلك الحقبة التي مرّ فيها لبنان وترسيخها في الذاكرة، مضيفاً أنّ الوثائقي يُعالج معالجةً موضوعيةً نماذجَ عميلة، سواء ما سبق أو ما سيأتي منها، لأنّ ما يأتي من العملاء لن يختلفوا عن هذا النموذج، بحسب فنيش.
معد وثائقي "العملاء" قال إن هدف الوثائقي هو أن نقول لكل هذا المجتمع والمشاهد كذلك، إن الملاحقات القانونية لم تنته والناس التي تملك قابلية للعمالة لن تنتهي أيضاً، وما بين هذا وذاك جاء الوثائقي ليقدّم نموذج التكامل بين المقاومة والدولة والأحزاب المقاومة الأخرى، وأضاف فنيش أنه بهذه الطريقة يتمّ التصدي للتدخل الإسرائيلي في بلادنا سواء عبر العمالة أو غيرها.
القانون اللبناني: كل لبناني دسّ الدسائس لدى دولة أجنبيّة عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة
"الخيانة الوطنية" أو "الخيانة العظمى" جرم ترفضه كل شعوب العالم. أن يكشف "عميل ما"صدر بلاده لطعنات الأعداء فهذا فعل إجرامي مقيت لا مفاوضات ولا رحمة فيه. "الخيانة العظمى" لا تقف عند إخبار العدو بـ "مجمّع" هنا أو منزل مقاومٍ هناك، بل تتجلى في كل أشكال التعاطف والتسامح والتطبيع مع العدو الذي لم يسامح أو يستثني طفلاً في حرب أقامها ضدّ بلادنا.
من هنا يجوز التذكير بجرائم العمالة في قانون العقوبات اللبناني والتي تقول إن "كل لبناني دسّ الدسائس لدى دولة أجنبيّة أو اتصل بها ليدفعها إلى مباشرة العدوان على لبنان، أو ليوفّر لها الوسائل إلى ذلك، عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة. وإذا أفضى فعله إلى نتيجة عوقب بالإعدام".