هل تطيح استقالة المحيسني بـ"هيئة تحرير الشام" ؟
تمرّ "هيئة تحرير الشام" بأسوأ حقبة منذ تأسيسها في 28 من كانون الثاني من العام الجاري.
في الآونة الأخيرة تحولت المشاكل والخلافات في الهيئة إلى مادة دسمة للسجال في أوساط المسلحين حتى بلغت الأزمة أوجّها بالكشف عن نفور بين الشرعيين والعسكر على خلفية الاختلاف حول قتال حركة أحرار الشام وإخضاع بقية الفصائل عمومًا بقوة السلاح.
في العمق، يخفي هذا السجال قلقًا متناميًا نتيجة استشعار "جبهة النصرة"؛ المكوّن الرئيسي للهيئة، أن هناك اتجاهًا للـ"استفراد" بها عسكريًا بعد عجزها عن نزع وصمة الإرهاب عنها.
ازداد هذا القلق مع استمرار حشد المسلحين في إدلب والتقارير المتواصلة عن عملية إقليمية (بغطاء تركي – إيراني – روسي) في الشمال السوري، ثم جاءت المعركة الأخيرة مع أحرار الشام لتعزز الإنقسام بين المنظّرين الجهاديين والشرعيين في ما بينهم من جهة ومع العسكريين من جهة أخرى حول سبل اقناع الفصائل المسلحة بالإنضواء تحت مسمًى فصيل واحد يؤمن "شرعية ثورية" لأبي محمد الجولاني ورفاقه.
إستقالة المحيسني كانت بمثابة الفقاعة التي فتحت بانفجارها الباب أمام الخلافات لتطفو على السطح. تبع ذلك إنشقاق كتلة ضخمة هي "جيش الأحرار" من الهيئة. وقد نال هذا الحدث نصيبه من السجال بين قائل بأن هذه المجموعة بقيادة القيادي "أبي صالح الطحان" كانت قد علقت أعمالها منذ شهرين؛ عقب إنشقاق حركة "نور الدين الزنكي"، وبين آخر ينسب سبب الإنشقاق إلى "الخوف من الإستهداف"، في حال بدء عملية عسكرية في إدلب.
وبغض النظر عن السبب الحقيقي لإنشقاق "جيش الأحرار" فمن المؤكد أن هذا الإنشقاق، مسبوقًا بإنشقاق "الزنكي"، قد قلص حجم "هيئة تحرير إلى الشام" لتضم عمليًا "النصرة"؛ الفصيل الأكبر، وبضعة مجموعات صغيرة كانت تنضوي تحت اسم "فتح الشام".
ومن المتوقع أن تكشف الأيام القليلة المقبلة السبب الحقيقي لخروج "جيش الأحرار" من الهيئة، ذلك أن مجلس شورى الجيش طلب من قيادة الهيئة إسترجاع السلاح الذي كان بحوزته حين انضم إليها، وقد تم نقل القضية إلى القضاء للبت بها خاصة وأنّ السلاح الذي كان بحوزة مجموعات "جيش الأحرار" بقي معظمه مع الهيئة.
تجدر الإشارة إلى أنّ العلاقة بين الطرفين شهدت توترات كبيرة في الأسابيع الأخيرة تطورت إلى اشتباكات عنيفة في أكثر من منطقة، حيث هاجم قطاع البادية في الهيئة مقرات الجيش في منطقة "إيكاردا" وحاولت مجموعة أخرى محاصرة عناصر من جيش الأحرار في "معرة النعسان" ومحيط "الفوعة" في ريف "إدلب" قبل أن يتدخل وسطاء لوقف القتال.
وقد سعى هاشم الشيخ؛ زعيم "هيئة تحرير الشام"، إلى احتواء الموقف وثني "جيش الأحرار" عن الإنشقاق وبلغ حدّ إعطاء الوعود بأنه سيعلن شخصيًا خروجه من الهيئة، لكنه تراجع عن قراره بحسب ما يظهر. وهذا ما يفسر الشائعات التي انتشرت بعد إستقالة المحيسني حول إستقالة مزعومة للشيخ؛ ما حدا بقادة ميدانيين إلى طمأنة العناصر عبر تسجيلات صوتية تنفي خبر الإستقالة.
يُضاف إلى كل هذا حملة شديدة يشنّها شرعيون وقيادات محسوبين على حركة "أحرار الشام" تستهدف الإيقاع بين هاشم الشيخ والجولاني بوصفها الأول تابعًا للثاني. هذه الحملة دفعت الشيخ إلى إنشاء قناة على "تلغرام" وإصدار بيان لتوضيح رأيه مما يحصل.
الجولاني كان له نصيبه أيضًا من الحملة، إذ أعلن قادة محسوبون على "أحرار الشام" أنّه قد هاجم السياسة التركية بشدّة في أحد الإجتماعات المشتركة واقترح فتح حوار مع إيران باعتبارها صاحبة النفوذ في سوريا. وقد ردّ أنصار الجولاني على هذا الكلام بالقول إنّ الإقتراح بفتح حوار مع إيران كان في سياق البحث عن حلول لموضوع الأسرى التابعين للهيئة.
وكانت حركة "نور الدين الزنكي" وجهت اتهامات مطلع الأسبوع الجاري للجولاني بإتخاذ قرارات منفردة من دون العودة لأعضاء مجلس الشورى.
وأخيرًا، كشف المنظّر الشرعي "أيمن هاروش"، المقرب من "أحرار الشام"، أن "النصرة تعقد لقاءات منذ يومين مع وفد روسي في بيت أحمد الدرويش بقرية أبو دالي" في ريف حماة الشمالي الشرقي. هذا الإعلان حدا بـ"هيئة تحرير الشام" إلى إصدار بيان نقلًا عن مصدر مسؤول فيها تنفي فيه الخبر.
هذه المعطيات جميعها وضعت "النصرة" في موقع الدفاع والأهم أنها تكاد تعيد "هيئة تحرير الشام" إلى نواتها الأولى، بعد أن فشلت فعليًا عن بلورة إطار يجمع الفصائل أو يتقبلها.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة إنشقاقات إضافية، خاصة و أنّ تعامل قيادة الهيئة مع إستقالة المحيسني لا يزال محل جدل واسع بين الأوساط الميدانية.