العلاقة بين اربيل وبغداد تزداد تأزماً وتتخذ هذه المرة الطابع الاقتصادي، حيث تهدد كردستان بالانفصال اذا لم ترفع بغداد من نسبة كردستان في الموازنة العامة.
الأوضاع الاقتصادية في العراق باتت تؤرق الحكومة
والمواطنين في آن، فالمستقبل يبدو غير مريح، وإبصار النور بات صعباً في هذه الأيام
التي يشهدها العراق.
وذلك في موازاة أوضاع أمنية غير مستقرة، يضاف إليها
تجدد الخلافات وحتى المواجهات والنزاعات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة
المركزية في بغداد.
العلاقة بين اربيل وبغداد تزداد تأزماً وإن اتخذت
هذه المرة الطابع الاقتصادي، حيث أن كردستان وبموجب اتفاق سابق تصدر 550 ألف برميل
نفط يومياً عبر ميناء "جيهان" التركي، وتشرف عليها شركة "سومو"
النفطية، وتحصل اربيل على ما يقارب الـ17 في المئة من الموازنة العامة.
وأكد خبراء اقتصاديون أن إقليم كردستان لن يحصل على أية
أموال إضافية غير النسبة المحددة آنفاً، حتى لو أعاد النظر في كمية النفط المصدّر،
ويرى هؤلاء إن العلاقة المتأزمة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي، ولكن هناك خلافات
سياسية أساسية بين الطرفين.
ولكن المشكلات التي يواجهها العراق لا تقتصر على
العلاقة مع الإقليم، بل إنها تتركز في الفترة الحالية على الواقع الاقتصادي الصعب
الذي تشهده البلاد، والذي يزيد من آثاره ورود الشائعات حول مدى سوء الحال. وفي هذا
السياق وضع المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي سعد الحديثي كل المعلومات المتداولة
بشأن عدم تأمين الرواتب للموظفين في خانة الشائعات، مؤكداً أن الرواتب مؤمنة.
في الوقت نفسه، أكد مصدر في الحزب الديموقراطي
الكردستاني أن الحكومة العراقية تتبع سياسة الترقيع ولا تجترح الحلول الجذرية مثل دمج
الوزارات الصغيرة كالبيئة والصحة وغيرها.
من جهته حمل رئيس الوزراء حيدر العبادي المسؤولية عن
الاوضاع الراهنة الى الحكومة السابقة. وكشفت معلومات خاصة للميادين أن اجتماعاً خاصاً جمع
العبادي ومقربين منه، درست خلاله إمكانية اعتماد سياسة التقشف في موازاة دفع
الرواتب. وتشير المعلومات إلى أن التقشف سيطال بعض الخدمات وتوقيف المخصصات غير
المنصوص عليها في القانون، حتى لا تضطر الحكومة الى الاستدانة من صندوق النقد
الدولي، وتختم المصادر بأن الحكومة تبحث عن آلية لتخصيص رواتب لعناصر الحشد الشعبي
الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أربعة أشهر.
ورأى الخبير الاقتصادي العراقي غسان مطر ان المشكلة الأساسية
التي وقع فيها كل من الإقليم والمركز على حدٍ سواء تكمن في تثبيت الموازنة لسعر
صرف برميل النفط بـ $45، وبالتالي فإن انخفاض أسعار النفط عالميا أدى الى فارقٍ
كبيرٍ وعجزٍ في الموازنة، ما دفع الإقليم الى اعتماد سياسة التقشف وخفض رواتب الموظفين
بنسبة 75%، باستثناء موظفي وزارة الداخلية
وعناصر "البيشمركة". وأشار الخبير
الاقتصادي العراقي إلى أن سياسة التقشف قد تصبح سياسة عامة في البلاد بسبب تراجع أسعار
النفط. وحول ما إذا كانت سياسة التقشف ستطال "البيشمركة"، يؤكد مطر أن
الأزمة ستطال "البيشمركة" ووزارة الداخلية. لكن مصدراً في الحزب
الديموقراطي الكردستاني ينفي ذلك، ويؤكد أن الأزمة وليدة حالة طارئة ستحل بمجرد
توازن أسعار النفط.
وأوضح مطر أن الزيارة الأخيرة لوفد رفيع المستوى من
حكومة الإقليم الى بغداد، جاءت لحل المشكلات العالقة، وأبرزها المشكلات الاقتصادية
بشكلٍ أولي، عدا عن الحديث عن ضرورة مشاركة "البيشمركة" مع القوات
العراقية بتحرير الموصل لأن ساعة الصفر قد دنت.
وشدد على أن المشكلات بين الحكومتين هي حتى الآن
اقتصادية بشكلٍ أولي، واللقاءات بينهما في الوقت الراهن هي خطوة مفيدة جداً لحلحلة
الخلافات. ويرى مطر أن الموصل لن تتحرر ولن ينتعش الاقتصاد من دون حل تلك المعضلة،
ولكنه يشدد في الوقت نفسه على أن المشكلات بين الإقليم والمركز لن تحل بشكلٍ كلي،
وخصوصاً أن رئيس الإقليم مسعود برزاني دعا الى الانفصال بشكلٍ كامل خلال الايام
الماضية. لكن دعوة البرزاني للاستفتاء لاقت موجة غضبٍ عارمة من جميع السياسين
العراقيين، حتى الكرد منهم.
وأشار الخبراء أن إنفصال الإقليم عن المركز غير وارد
حالياً على الإطلاق، وزيارة الوفد الكردي أتت مغايرة كلياً لمواقف رئيس الإقليم.
أما عن اعتماد الاقتصاد العراقي على مورد غير
النفط، فيلفت الخبراء إلى أن السياحة
الدينية في العراق تفوق كافة الدول المجاورة في الشرق الاوسط وتشكل مورداً هاماً
للبلاد، عدا عن وجود مصانع هائلة، يساهم مردودها في الاقتصاد العراقي.
وكشف مصدر في الحزب الديموقراطي الكردستاني عن أن
العراق بدأ يعتمد على صناعته المحلية لتخفيف الاستيراد وتخفيف الأعباء على
الموازنة العامة، عدا عن ضرورة ترشيق القطاع العام الذي يتسم بالتضخم منذ فترة
طويلة.
لكن وبحسب خبراء اقتصاديين آخرين، فإن العراق لن
يخرج من الأزمة الاقتصادية إذا بقي معتمداً فقط على النفط، وأنه يجب تفعيل السياحة
الدينية بشكل أكبر. أما في كردستان فإنه يجب تفعيل السياحة، والمصانع، مثل صناعات الأدوية
وغيرها. وينفي هؤلاء الكلام عن أن العراق لايمتلك بنية تحتية تمكنه من الاعتماد
على صناعاته المحلية، ويرون أنه على العكس من ذلك، فإنه لدى العراق كل المقومات
الصناعية والزراعية، ولكنها تحتاج الى اهتمام أكبر.
ويتوقع الخبراء أنه إذا بقيت الأزمة على حالها، فسيكون للشعب العراقي كلمة أخرى،
ويعيدون ذلك إلى أن نحو 30 في المئة من أفراد هذا الشعب باتوا يعيشون تحت خط الفقر،
وأن السياسات "الترقيعية" لن تجدي نفعاً.