التوطين في لبنان.. مخاوف مشروعة ؟

منذ نكبة فلسطين وشبح التوطين يلاحق اللاجئين الفلسطينيين، اليوم بات يلاحق أيضاً النازحين السوريين. ولكن بعيداً عن هذه المشاريع تبقى للقضية بعدها الإنساني فلا الفلسطيني ولا السوري غادر طوعاً. فهل على راما وأمثالها أن يدفعوا ثمن ذلك؟ خلال عودتنا من مخيم الزهراني كانت راما تلعب مع أقرانها عند نهر جفت مياهه وحلت مكانها النفايات.
  • راما النازحة السورية في لبنان
  • راما النازحة السورية في لبنان
حين وصلت راما إلى لبنان مع قوافل النازحين هرباً من نار الحرب في سوريا لم تكن قد تجاوزت السنة من عمرها. ربما لم تحمل معها الكثير من الذكريات عن حديدة العاصي، قريتها التابعة  لمحافظة حمص، لكن أحلامها الصغيرة تأخذها دائماً إلى هناك.
"بلدي هو أغلى ما أملك.." كلمات صرخت بها راما بصوت مرتجف وعيون دامعة حاولت إخفاءها عن عدساتنا. لكن العدسات رصدت وجوهاً كثيرة في مخيم الزهراني للنازحين السوريين. كل وجه يحكي قصة لجوء ووجع ومعاناة.

الطريق التي تؤدي إلى المخيم الواقع على بعد ستين كيلومتراً من بيروت توزعت على جانبيها النفايات، هي الأزمة التي يعيشها لبنان منذ فترة. لا يختلف مشهد النفايات داخل المخيم عن خارجه، لكن يضاف إليه أزمة نزوح.

داخل المخيم كثيرون لا يعرفون معنى كلمة "توطين". نشرح لهم فتنهال الإجابات بين رافض ومؤيد بل ومتحمس. عائشة والدة لخمسة أطفال. مر عامان على نزوحها مع عائلتها إلى لبنان. تقول لنا "إنها لا تملك شيئاً في سوريا للعودة وإنها تأقلمت في لبنان". لا تتردد في إعلانها أنها "داعمة لقرار التوطين في حال وجوده".

ربما في إجابة عائشة ما يبرر مخاوف المسؤولين اللبنانيين. ربما في ما وراء إجابتها من مشاريع توطين يجري الحديث عنها وإن كانت غير واضحة المعالم بعد، ما يبرر أكثر توجسهم من تحول لبنان إلى موطن لهؤلاء نازحين خصوصاً أن الرئيس الفرنسي الذي زار لبنان مؤخراً تحدث عن إعادة توزيع النازحين خلال ثلاث سنوات دون الإشارة إلى عودتهم إلى بلادهم.

"لبنان قد اكتفى ولم يعد قادراً على استقبال المزيد من النازحين فالأزمة وصلت ذروتها". هذا ما يقوله  وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس في حديث مع الميادين نت، موضحاً أن آخر لاجئ سوري تم تسجيله في الأول من كانون الثاني/يناير عام 2015 في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

تداعيات الأزمة بحسب درباس "كثيرة منها الاقتصادية والإجتماعية فقبيل استقبال لبنان للسوريين كان مؤشر النمو الاقتصادي يتراوح بين 8 و9% بينما في الوقت الحالي بات دون الواحد بالمئة" مضيفاً "أن تداعيات الأزمة لا تنتهي هنا فباتت المنافسة غير المشروعة تنتشر في البلاد عدا عن عشوائية الانتشار والإستغلال الفظيع والمجرم الذي يعاني منه النازحون ومنها شبكة الاتجار بالبشر والدعارة التي كشفت خلال الأسابيع الماضية".

ويضيف إنه "بالرغم من جميع المشاكل التي عانى لبنان وسوريا منها على حد سواء إلا أن الوجود السوري لم يزعزع الأمن اللبناني بارتكابات ضخمة لكن هذا لا يمكن التعويل عليه".

في ظل تواجد عدد كبير من النازحين السوريين في لبنان وعدم تجاوب المجتمع الدولي مع الإقتراحات التي قدمها وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، وإستخدام مصطلح "النازحين" بدلاً من "اللاجئين"، عدا عن طرح المساعدات الدولية شرط بقاء النازحين، أعرب باسيل عن تخوفه من وجود قرار بتوطين السوريين في لبنان. تخوف رآه السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي مشروعاً وله ما يبرره. لكنه قال في حديث للميادين نت إنه "من غير المبرر ألا توضع النقاط على الحروف وألا تسلك المسالك الطبيعية في علاج هذه المشكلة وتشخيص مقوماتها ودوافعها". وبالحديث عن أصل المشكلة وضع السفير السوري أسئلة برسم الدولة اللبنانية وأبرزها: من عطل الإتفاقات الناظمة للعلاقة بين البلدين، ومن سمح للحدود غير الشرعية أن تفتح ليدخل هؤلاء، ومن غطى على الوفود الأجنبية واستقدم بواخر اللأسلحة من الخارج عدا عن التساهل في الأحكام القضائية على من اعترف بارتكابات مجرمة بحق المواطنين السوريين؟

الإجابة على هذه الأسئلة هي مسؤولية الجهات المعنية في لبنان وفي هذا مصلحة للبلدين، بحسب علي الذي رأى أن مخاوف التوطين لم تأت من فراغ .

وفي سياق متصل كشف مصدر قريب من وزارة الخارجية للميادين نت عن مشروع تم طرحه على الدول المضيفة خلال مؤتمر لندن للاجئين السوريين في الرابع من شباط/فبراير يقضي بـ"إعادة توطين النازحين السوريين". الاقتراح درس ولبنان رفضه.

وتابع المصدر نفسه أن "لبنان الذي لا يسعى للجوء وترحيل وطرد النازحين السوريين، يحاول بشتى الطرق تقليص عددهم لكن في كل مرة يرفض الاقتراح اللبناني من دون أي تجاوب دولي".

وفق المصدر فإن الحل هو في العودة الآمنة لهؤلاء. لكن المنظمات الأممية تتحدث عن "العودة الطوعية" ما يعني أن المجتمع الدولي لا يريد المساعدة لإنهاء قضية النزوح في المدى المنظور.

أما المعضلة الأخرى التي ترى دمشق أنها تزيد من معاناة لبنان فتكمن في رفض الحكومة اللبنانية الإلتزام بالاتفاقات مع سوريا، وفق السفير السوري الذي دعا إلى "التنسيق بين الجهات المعنية في الدولتين لما فيه مصلحة لسوريا وللبنان على حد سواء". وفي هذا السياق علم الميادين نت من مصادر محلية أن "وزير الخارجية جبران باسيل اقترح التواصل مع الحكومة السورية إلا أن جهات لبنانية رفضت الإقتراح".

منذ نكبة فلسطين وشبح التوطين يلاحق اللاجئين الفلسطينيين، اليوم بات يلاحق أيضاً النازحين السوريين. ولكن بعيداً عن هذه المشاريع تبقى للقضية بعدها الإنساني فلا الفلسطيني ولا السوري غادر طوعاً. فهل على راما وأمثالها أن يدفعوا ثمن ذلك؟ خلال عودتنا من مخيم الزهراني كانت راما تلعب مع أقرانها عند نهر جفت مياهه وحلت مكانها النفايات.

المصدر: ميادين نت