حرب الملفّات الإنسانية في حلب

هدوء تعيشه الأحياء الشرقية لحلب. إعلان الجيش السوري وقف قصف مواقع المُسلّحين في الأحياء الشرقية، يهدف إلى خلق فسحة تُجنّب المدنيين الحرب. تخفيف القصف الجوّي انعكس سلباً على الجماعات المُسلّحة، تبدو هذه الفصائل على مُختلف مشاربها أكثر إصراراً على منع المدنيين من الخروج إلى مناطق آمنة.
  • هي حرب خلق الملفات الإنسانية في حلب
تُدرك الجماعات المُسلّحة أن خروج المدنيين سيسلبها أسباب البقاء شرق حلب. مُبادرة الجيش السوري وإعلانه وقف الغارات الجويّة أثار رغبة شعبية عند أهالي الأحياء الشرقية للخروج منها. تظاهرات شعبية تطالب بخروج المُسلّحين من مناطقهم، كما رُفِع العَلَم السوري في أحياء أخرى تعبيراً عن رغبة المدنيين بالخروج من الحصار. حيّ السكّري و بستان الباشا شكّلا قلقاً للجماعات المُسلّحة.

الـتظاهرات في حي السكّري أجبرت الجبهة الشامية و أحرار الشام على إطلاق النار باتّجاه المتظاهرين. تزايُد الاستياء الشعبي تجلّى في حي هنانو شمال شرق حلب، المنطقة شكّلت طيلة أعوام الحرب مركزاً رئيسياً للجماعات المُسلّحة. صباح يوم السبت الأول من تشرين أول / أوكتوبر، سجّل الحي رفع الأعلام السورية على مبانٍ رئيسية فيه. تكرّرت الظاهرة في أكثر من منطقة. واقع ترجمه الجيش السوري بإعلان وقف الغارات الجويّة على الأحياء الشرقية في الرابع من تشرين أول / اوكتوبر، بيان الجيش جاء صريحاً.

الهدف من وقف الغارات الجويّة يكمُن بالسماح للمدنيين بالخروج إلى مناطق آمنة، كما طالب باستمرار ضغط الشارع على المُسلّحين للخروج من بين المباني السكنية. أمام المزاج الشعبي الضاغِط " شرق حلب" على الجماعات المُسلّحة، كان لابدّ من إجبار الجيش على إعادة تفعيل الطيران. السبيل لذلك، خَلق مزاج شعبي ضاغِط على المَقلب الآخر، يُطالب الجيش بقصف مناطق تخرج منها قذائف صاروخية، تستهدف المدنيين غرب حلب. قرابة الخمسين شهيداً من المدنيين في خمسة أيام حصيلة أوليّة لقصف المُسلّحين للأحياء الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري بصواريخ و قذائف الهاون. استخدام صواريخ كاتيوشا " من قِبَل المُسلّحين " في قصف الأحياء المُكتظّة بالسكّان يهدف لربما إلى زيادة أعداد الشهداء. حي الميدان و الجميلية إلى جانب السريان و الحمدانية فحلب الجديدة، شكّلت أهدافاً تقصفها الجماعات المُسلّحة يومياً. قصف هذه المناطق يتزايد يومياً و ترتفع معه حصيلة الشهداء من المدنيين. جامعة حلب لم تستثنَ من القصف، أكثر من خمسة صواريخ استهدفت الجامعة، القصف أغلق أبوابها و سُجّل استشهاد ثلاثة من طلابها.

لا تبدو الجماعات المُسلّحة بأنها ستتوقّف عن قصف الأحياء الغربية لحلب قريباً. يربط الشارع الحلبي بين وقف الجيش لغاراته الجويّة و قصف المُسلّحين للمدنيين " بالصواريخ و قذائف الهاون". تزايُد أعداد الشهداء و الجرحى في الأحياء الغربية لحلب، يرفع الأصوات الشعبية المُطالبة بغارات جويّة تستهدف الأحياء التي يتّخذها المُسلّحون مناطق لتمركُز مدافع الهاون و راجمات الصواريخ.

بستان القصر السكّري و الفردوس جنوباً، المدينة القديمة إضافة إلى حي بستان الباشا و الحميدية شمالاً،  شكّلت هذه الأحياء قاعدة مدافع الهاون للجماعات المُسلّحة. منها  تقصف نظيراتها من الأحياء الغربية. يأتي قصف الطيران السوري و الروسي ليستهدف مقار للجماعات المُسلّحة داخل هذه الأحياء، مؤخراً يعمل الجيش السوري على استهداف مصادر النار التي تستهدف المدنيين في مناطق سيطرته.

مقار و مراكز قيادة للجماعات المُسلّحة داخل الأحياء السكنية، تُضاف إليها مرابض الهاون و المدفعية، عوامل تسببّت بقصف الأحياء شرق حلب بغارات جويّة. هذا التداخُل يخلق ملفاً إنسانياً يوظّف إعلامياً على الغالب لوقف أي تقدّم للجيش السوري و حلفائه على جبهات مُعيّنة. اليوم يعود الملف الإنساني من جديد في الأحياء الشرقية للمدينة. يُقارب الجميع هذا الملف من منظور السياسة. الهدف الفعلي وقف تقدّم الجيش داخل الأحياء الشرقية، و الهدف المُعلَن خشية على المدنيين و السكّان.

ولعل المُضحِك المُبكي أن يتذكّر المبعوث الأممي ديمستورا المدينة القديمة في حلب هذه الأيام، لم ير المجتمع الدولي التدمير المُمَنهج للمدينة التاريخية، غاب مشهد تفجير فندق الكارلتون، لم يتذكّر المجتمع الدولي و مبعوث الأمم المتحدة مناظر الأنفاق التي فجّرتها الجماعات المُسلّحة في المدينة القديمة على مدار سنوات الحرب.

لم تكن المدينة التاريخية آن ذاك تعني المجتمع الدولي و الدول الداعِمة للجماعات المُسلّحة. اليوم يعود الاهتمام فجأة بالتُراث العالمي داخل حلب، تعود معه الملفات الإنسانية لتطفوا على السطح.

لا يختلف إثنان على ضرورة تجنيب المدنيين المعارك، لكن الخطورة أن تقلق الأمم المتحدة على جزء من سكّان حلب، و تُعطي الضوء الأخضر للمُسلّحين بقصف المدنيين غرب المدينة، الضوء الأخضر ليس بالضرورة أن يكون بتصريح مُباشر. يكفي هذه الجماعات أنها تسمع و تشاهد العالم يغفل تماماً عما تقوم به من قصف للمدنيين في الأحياء الغربية.

هي حرب خلق الملفات الإنسانية في حلب. الصورة تركّز هنا على الأطفال و النساء، المُبدع في خلق هذا الملف مَن يتمكّن من التقاط صورة لأب يحمل طفله الشهيد. هكذا تُعرّى الملفات الإنسانية من الأخلاق لتصبح أوراق ضغط تستخدم في الحرب. كل طرف يسعى إلى إظهار الصورة التي يراها، يُقارب الجميع الملف الإنساني بحذَر. لا يريد أي طرف أن يعترف بأن الإنسان بات أرخص سلعة في حرب عنوانها الأوحد " حرب المصالح ".

المصدر: الميادين نت