سرطان الاستيطان في بلدة الخليل القديمة
المواطن عارف جابر (50 عاماً) يعيش في منزل ضيّق لم يعد يتسع لعائلته المكونة من 7 أفراد. قرر إجراء توسعة لمنزله بإقامة طابق آخر فوق بيته الذي يبعد عن الحرم الإبراهيمي 150 متراً، أدخل جميع مواد البناء على أكتافه، حين استكمل بناء الجدران حضر جيش الاحتلال ومستوطنوه وأوقفوا البناء، وهذا حال سكان البلدة القديمة في مدينة الخليل.
قامت سلطات الاحتلال باستغلال أحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني، والتي أجازت نصوصه للمحتل حق إدارة الأراضي والأملاك الحكومية والانتفاع بها، كذريعة لسياستها التي انتهجتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحتى تنوء بنفسها عن أية ضغوط دولية أو إدانة تجاه ما تقوم به من استيطان.
يواصل الاحتلال الإسرائيلي سياسته الاستيطانية في قلب الخليل، من خلال تضييق الخناق على المواطنين الفلسطينيين في البلدة القديمة ومحيطها، ووضع وتنفيذ مخططات هدفها إرغام السكان الأصليين على الرحيل لتسكين المستوطنين في بيوتهم، ويتم بدعم كبير من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أقرّ خطة استيطانية بكلفة 50 مليون شيكل لتعزيز الاستيطان في الخليل.
وأكد خبير الخرائط والاستيطان عبد الهادي حنتش لـ "الميادين نت" أن قوات الاحتلال تخطط لإقامة 4 وحدات استيطانية في البؤرة الاستيطانية المقامة على ممتلكات المواطنين الفلسطينيين في سوق الخضار المركزي القديم وسط مدينة الخليل والمسماة "أبراهام أبينو"، ونصب "كرفانات" مكونة من طابقين في "محطة الحافلات القديمة وساحة الكراجات".
وتابع حنتش إن سلطات الاحتلال تحاول تهويد المدينة من خلال التوسع الاستيطاني وهدم المباني التاريخية وحصار السكان لإرغامهم على الرحيل، كما تواصل سياستها الاستيطانية من خلال شقّ الطرق لربط البؤر الإستيطانية والمستوطنات المقامة وسط الخليل بما تسمى مستوطنة "كريات أربع" لخلق كتلة استيطانية واسعة مترابطة ومترامية الأطراف في الخليل القديمة".
معاناة أهالي الخليل مع الإحتلال
يبلغ عدد المحال التجارية المغلقة التابعة لمواطنين من الخليل في البلدة القديمة 1829 محلاً، إلى جانب وجود 1154 محلاً مغلقاً بطريقة غير مباشرة، وينتشر في البلدة القديمة التي لا تزيد مساحتها عن كيلو متر مربع فقط 1500 جندي صهيوني لحماية 400 مستوطن، ويوجد فيها 121 حاجزاً ونقطة تفتيش.
من جانبه قال منسق شباب ضد الاستيطان عيسى عمرو للميادين نت إن أبرز المشاكل التي يعاني منها أهالي البلدة القديمة تتمثل بالحواجز وإغلاق الطرقات والمحلات التجارية والتفتيشات الليلة لمنازل المواطنين، ومضايقات وتفتيشات ليلية، والاعتداء بالضرب ورمي الحجارة والقاذورات والمسبات اللفظية، وإشهار جيش الاحتلال ومستوطنيه أسلحتهم بوجه المواطنين بهدف تحويل البلدة لمنطقة أشباح".
وأكد عمرو أن مخططات الاحتلال واعتداءات المستوطنين، تزيد الفلسطينيين تشبثاً بممتلكاتهم وبلدتهم القديمة، ولن تثنيهم عن المدافعة عن تاريخهم وحضارتهم العريقة، مؤكداً أن حجج حكومة الاحتلال لتهويد الخليل أصبحت لا تنطلي على أحد، ويتم مواجهتها بالصبر والصمود.
من جانبه قال رئيس بلدية الخليل الدكتور داود الزعتري للميادين نت إن"الحكومة الإسرائيلية لن تستطيع تزوير التاريخ والحضارة الفلسطينية، وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك لوضع حد لهذه الغطرسة الإسرائيلية التي تمارسها حكومة الاحتلال ومستوطنيها في كل مكان، والتي تؤثر وتضرّ بكافة المناحي الحياتية للشعب الفلسطيني".
وتابع "إدانة العالم واستنكاره لهذه الأفعال لم تردع الاحتلال يوماً أو تفي بحاجة الشعب الفلسطينيين، لذلك يجب لجم الاحتلال ومستوطنيه بمواقف وضغوط دولية لتتحمل حكومة نتائج تصرفاتها العنصرية، وشجب صمت المؤسسات الحقوقية والجهات الدولية المعنية بالعدالة الإنسانية ووقوفها متفرجة على انتهاكات الاحتلال المتمثلة باستباحة الأرض الفلسطينية".
مدينة الخليل اليوم وخاصة البلدة القديمة، تعيش وضعاً مأساوياً لوجود أشرس المستوطنين الأكثر عنصرية وتطرفاً وتعصباً وحقداً وكرهاً للعرب، حيث هجرها أكثر من 68% من سكانها نتيجة سياسة الإغلاق والمضايقات والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال ومستوطنوه، وقد خسرت (51%) من أراضيها منذ بداية الاحتلال عام 1967.
ويبلغ عدد سكان محافظة الخليل نحو 750 ألف نسمة، أي ما يعادل 30% من سكان الضفة الغربية، أما جغرافياً فتبلغ مساحتها 1100 كيلومتر مربع، أي حوالي 20% من مساحة الضفة. وكذلك من الناحية الاقتصادية فهي تشكل نحو (40%) من الاقتصاد الوطني وتشتهر بصناعة الأحذية والجلود والحجارة والرخام.