"ولاية سيناء" بعد عامين..بداية النهاية؟
مراحل "ولاية سيناء"
أهم العمليات التي تم تنفيذها في هذه الفترة كانت إسقاط مروحية عسكرية مصرية في سيناء ومحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري واستهداف بالسيارات المفخخة لمديريتي أمن القاهرة والدقهلية، إلى جانب عدة هجمات متنوعة سميت إعلامياً بـ"مذابح رفح"، سقط فيها عدد كبير من الشهداء ودفعت حينها القيادة العسكرية إلى بدء ثاني وثالث عملياتها الموسعة بسيناء في آب/أغسطس 2012 وأيار/ مايو 2013 بعد العملية العسكرية "نسر" التي تم إطلاقها عام 2011، كان الهجوم الأعنف خلال عام 2014 هو الهجوم على كمين "كرم القواديس" وكمائن أخرى في نطاق الشيخ زويد في شهر تشرين الأول/أكتوبر. هذه الهجمات أدت إلى عشرات الشهداء والجرحى وكانت دافعاً قوياً للقيادة العسكرية المصرية لبدء تعديل جذري وشامل في استراتيجيتها في شمال سيناء.
المرحلة الثانية لتنظيم "بيت المقدس" بدأت عقب مبايعته لتنظيم داعش أواخر 2014، خلال العام التالي تركزت عمليات التنظيم بشكل أساسي على استهداف مواقع الشرطة والجيش في خط العريش – رفح – الشيخ زويد مع هجمات متواصلة بالعبوات الناسفة على عربات وآليات الجيش المتنقلة على الطرق الرابطة بين هذه المناطق.
من أهم الهجمات التي شنها التنظيم خلال هذا العام الهجوم الذي تم أواخر كانون الثاني/يناير على مقر الكتيبة 101 وفندق ونادٍ تابعين للجيش واستراحة تابعة للشرطة في العريش.
نقطة التحول في هذه المرحلة كانت الهجوم الكبير الذي تم في تموز/يوليو من العام نفسه على عدة مواقع عسكرية بشكل متزامن في رفح والشيخ زويد. أجهضت قوات الجيش هذا الهجوم وأوقعت معظم المهاجمين بين قتلى وجرحى ومثّل هذا نهاية فعلية لمرحلة "الهجمات الكبيرة متعددة الأهداف" التي استمرت منذ عام 2013.
عملية حق الشهيد
بدأت قوات الجيش المصري في أيلول/ سبتمبر 2015 العملية متعددة المراحل "حقّ الشهيد" والتي كان هدفها الرئيسي هو نقل الاستراتيجية العسكرية المصرية في سيناء من المرحلة الدفاعية إلى المرحلة الهجومية، واستهداف مواقع تجمع العناصر الإرهابية وتكثيف عمليات الاستطلاع والضربات الجوية وعزل المنطقة الحدودية مع فلسطين المحتلة بشكل كامل.مجريات هذه العملية سواء في مرحلتها الأولى أو في مرحلتها الثانية التي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 وعرضنا لها بشكل مفصل في مقاله سابقة، أدت إلى انحسار كبير وواضح في النشاط العملياتي لعناصر ولاية سيناء كماً ونوعاً، وتركزه خلال النصف الثاني من 2015 وعام 2016 على عمليات الاغتيال والتصفية للمدنيين المتعاونين مع القوات الأمنية والعسكرية، ومحاولة استهداف آليات الشرطة والجيش أثناء تحركها على الطرق الرابطة بين العريش والشيخ زويد.
أطلق الجيش المصري في أيار/مايو 2016 المرحلة الثالثة من مراحل عملية "حق الشهيد" تلاها عدة مراحل مصغرة خلال شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر. كان الهدف الرئيسي لهذه العمليات هو إنهاء أي وجود لمجموعات "ولاية سيناء" داخل رفح والشيخ زويد والقرى المحيطة بهما، بالإضافة إلى تأمين الطرق الرئيسية في هذا النطاق والتي تربط بين رفح والجورة والشيخ زويد، مستفيدة من دروس الهجوم الكبير على كمين "الصفا" جنوبي العريش في آذار/ مارس.
على مدار شهور العمليات تمكنت القوات بدعم جوي واستطلاعي من تطهير المناطق المطلوبة، فبدأت أولاً بالمناطق الواقعة جنوبي رفح وتحديداً مثلث "رفح – البرث – الجورة"، بالإضافة إلى تأمين المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة والتدمير المستمر لأية أنفاق يتم اكتشافها. نتج عن هذه المرحلة انحصار التجمعات التابعة لتنظيم ولاية سيناء في اتجاهين الأول شمالي رفح والثاني جنوب الشيخ زويد. انتقلت العمليات بعد ذلك إلى المنطقة الواقعة شمال الطريق الرابط بين رفح والشيخ زويد "مثلث ياميت – بلعة – الشيخ زويد"، وإلى المنطقة الواقعة جنوب الشيخ زويد "مثلث أبو طويلة – أبو العراج – التومة".
دارت مواجهات مهمة خلال شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر في هاتين المنطقتين اللتين مثّلتا مناطق تجمع وانطلاق رئيسية للمجموعات المسلحة، كما نفذت القوات عمليات خاطفة لتأمين قرى بلعة والتومة والبرث. تمكنت قوات الجيش في مطلع شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من التأمين التام للشيخ زويد ورفح بشكل سمح بعودة مئات العائلات التي نزحت خلال المعارك إلى منازلها، وبات وجود المجموعات المسلحة نادراً جداً جنوبي الشيخ زويد ومتركزاً فقط غربي العريش وفي المنطقة الواقعة جنوب شرق الشيخ زويد وهي المناطق التي توقع أن تكون أهداف المراحل القادمة من العمليات.
تكتيكات الجيش المصري
نفذت قوات الجيش خلال هذه المرحلة من العمليات عدة تكتيكات ناجحة من أهمها التطوير النوعي للكمائن التي أصبحت عبارة عن مواقع عسكرية متكاملة تشرف على الطرق الرئيسية أو مداخل القرى المهمة، ومزودة بوسائط للرؤية الليلية والإنذار المبكر بالإضافة إلى تسليح يتنوع ما بين المدفعية والرشاشات المتوسطة والدبابات. باتت قوافل الحافلات التي تحمل الجنود المتنقلين ما بين المواقع العسكرية أو حتى العائدين إلى منازلهم تواكب بحماية تتكون من عربات مدرعة وعربات للتشويش على العبوات الناسفة، كما دخل للميدان للمرة الأولى منظومات فتح الثغرات في حقول الألغام"فاتح3" والعربات المقاومة للألغام الأرضية RG33 أميركية الصنع وأدخلت القوات الجوية المصرية في الطائرات الهجومية دون طيار صينية الصنع wing long لتعمل جنباً إلى جنب مع الطائرات دون طيار CH-4 وASN-209.النقطة الأهم في هذه الصدد هو العمليات التي يجريها الجيش الثالث الميداني وسط سيناء لقطع الطريق على أي محاولات لتمدد "ولاية سيناء" إلى هذا النطاق، آخر هذه العمليات كان أمس -الثلاثاء- وفيها تمّ قتل خمسة تكفيريين وإلقاء القبض على عشرة آخرين. كما يشن سلاح الجو المصري غارات دورية في هذا النطاق كان آخرها على منطقة "وادي لسان".
تأثير العمليات المتلاحقة للجيش المصري بدء في الظهور بشدة على أداء عناصر "ولاية سيناء" منذ منتصف 2015، عدد كبير من محاولات الهجوم على مواقع الجيش تم إحباطها قبل أن تبدأ، كما تناقصت بشكل كبير عمليات استهداف قوافل الجيش المصري بالعبوات الناسفة بفضل عمليات الاستطلاع الجوي المستمرة وسيطرة الجيش على النقاط المهمة المطلة على الطرق الرئيسية في نطاق العمليات، باتت عمليات "ولاية سيناء" منحصرة بشكل شبه كامل في عمليات إعدام المدنيين المتعاونين بأي شكل مع القوات الأمنية والعسكرية (350 مدنياً تمّ إعدامهم خلال 2015)، إلى جانب عمليات قنص متفرقة للوحدات المتواجدة في الكمائن العسكرية.
ردود تنظيم "ولاية سيناء"
هذا الواقع جعل "ولاية سيناء" تحاول العودة مرة أخرى إلى الميدان بعدة تكتيكات جديدة، فبدأت تحاول الخروج من المناطق التي يضغط الجيش المصري فيها على عناصرها "رفح – الشيخ زويد" لتركز عملياتها على الكمائن الضعيفة تسليحيا في مدينة العريش وغربها "بئر العبد" إلى جانب عمليات تخريبية محدودة وخاطفة وسط سيناء "الحسنة - نخل – القسيمة" منها عمليات لتفجير خطوط الكهرباء وهجوم استهدف نقطة تفتيش لقوات الشرطة في نخل وعملية خلال الشهر الحالي تم فيها إعدام أربعة جنود كانوا يستقلون سيارة على طريق الحسنة – العريش، كما حاول التنظيم إيجاد تواجد له في الصحراء الغربية لمصر لكن تم إبادة العناصر المتواجدة هناك بشكل تام خلال أيام قليلة.شن التنظيم منذ منتصف العام الماضي وحتى الآن ثلاثة هجمات رئيسية الأول استهدف في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي نقطة تفتيش عسكرية في منطقة "زقدان" جنوب بئر العبد غربي العريش، والثاني تم في تشرين الثاني/ نوفمبر واستهدف نقطة تفتيش عسكرية في مدينة العريش بسيارة مفخخة، والثالث تم أوائل الشهر الحالي واستهدف كميني المطافئ والمساعيد للشرطة غربي مدينة العريش.
الهجوم الأخير كان مؤشراً مهماً على الاستراتيجية التي باتت تتبعها العناصر المسلحة والتي تشبه إلى حد كبير التكتيكات المستخدمة في سوريا، حاول المهاجمون في البداية إدخال شاحنة مفخخة تم سرقتها في وقت سابق إلى داخل كمين المطافئ لكن تصدى لها عناصر الكمين ولم يتمكن سائقها من الوصول إلى الهدف وتم قتله بمجرد مغادرته للسيارة التي انفجرت بعد ذلك، حاول المهاجمون الدخول إلى مبنى الكمين مستغلين الإصابات التي حدثت نتيجة لانفجار السيارة لكنهم لم يتمكنوا إلا من دخول الطابق الأول فقط، وتم قتل عدد منهم في المواجهات التالية وفي مداهمة كبيرة بحي الصفا بعد أيام من الهجوم تمت تصفية عشرة أشخاص من بينهم القيادي "حمدان سليمان" أحد أهم المطلوبين من قيادات "ولاية سيناء". هذا الهجوم على الرغم من نجاحه جزئياً إلا أنه أوضح بصورة لا تقبل الشك أهمية إكمال الإجراءات الناجحة التي تم تنفيذها سابقاً في رفح والشيخ زويد خصوصاً في ما يتعلق بشكل وبنيان الكمائن الثابتة.
أيضا من التكتيكات المهمة التي بدء التنظيم في أتباعها هو محاولة تشتيت مجهود القوات الأمنية بتعدد الجهات المسلحة "المرتبطة بشكل أو بآخر بالإخوان المسلمين" والتي تعمل ضد الدولة وأجهزتها الأمنية، ومنها فصائل توقف نشاطها منذ سنوات مثل "حركة المقاومة الشعبية" التي تم الإعلان عنها في آب/ أغسطس 2014 وعادت للظهور مرة أخرى عبر عملية تمت في أيار/ مايو الماضي في منطقة حلوان بالقاهرة ضد الشرطة، وقد سبق وأعلنت عن مسؤوليتها عن حادث اغتيال النائب العام السابق المستشار هشام بركات في حزيران/ يونيو 2015 إلا أنها تراجعت عن الإعلان وتم نسب العملية لتنظيم "ولاية سيناء". وحركة "سواعد مصر" (حسم) التي تم الإعلان عنها أوائل 2014 وشهد العام الماضي عدة عمليات "نوعية" لها في الداخل المصري منها محاولة اغتيال مفتي الجمهورية في شهر آب/ أغسطس، ومحاولة اغتيال النائب العام المساعد في شهر أيلول/ سبتمبر، ومحاولة في الشهر نفسه تم إحباطها لاستهداف نادي الشرطة بمدينة دمياط.
أحدث هذه المجموعات كان "لواء الثورة" الذي تم الإعلان عنه في تشيرن الأول/ أكتوبر الماضي، ونفذ عملية كبيرة نتج عنها استشهاد العميد عادل رجائي قائد الفرقة التاسعة بالجيش أمام منزله في مدينة العبور. تلقى هذا التنظيم وتنظيم "حسم" ضربات قوية من الشرطة المصرية بعد اعتقال عدد من أفرادهما خلال شهري آب/ أغسطس وتشرين الثاني/ نوفمبر الماضيين ممن تورطوا في محاولة اغتيال مفتي الجمهورية.
اللافت أن تنظيم "حسم" نشر خلال هذا الشهر لأول إصداراتها المصورة تضمن
لقطات من عمليات سابقة نفذتها، إلى جانب لقطات يتم فيها تدريب عناصرها على استخدام
الأسلحة والقنابل. هذا إن أضفناه إلى الهجوم الذي تم أوائل الشهر الحالي على كمين للشرطة
في منطقة النقب بطريق الوادي الجديد - أسيوط جنوبي مصر، والذي شاركت فيه عدة
سيارات ويحمل بصمات "ولاية سيناء"، سنصل إلى طبيعة التهديد الذي يواجه
القوات الأمنية المصرية في المرحلة المقبلة وهو محاولة نقل المعارك من سيناء إلى
داخل المدن المصرية وهو إن حدث سيجعل المعركة أكثر صعوبة ولنا في سوريا المثل في
هذا الصدد.
التحدي الأهم والأكبر أمام القيادة العسكرية المصرية هو مواجهة محاولات بعض الأطراف "تَوتير" الأوساط القبلية في شمال سيناء، واستغلال محاولتها إبعاد شبهة الإرهاب عن بعض أبنائها وذلك عن طريق رفضها للإجراءات الأخيرة من جانب الجيش ومحاولة "العصيان المدني" ضد الدولة. هذا التيار ظهر للمرة الأولى في اجتماع "ديوان آل أيوب" الذي حاول استباق العمليات المتوقعة للجيش المصري في العريش وهدد بإعلان "عصيان مدني" إذا لم تتم الاستجابة لمطالبه ومنها "إلغاء اتفاقية كامب ديفيد"!. هذا التيار يعاكسه تيار قبلي آخر يرى أن الوضع في الشيخ زويد ورفح تحسّن كثيراً وأنه لا مبرر لهذه المطالب.
هذا الوضع وإن كان تحت السيطرة حالياً إلا أنه قد يشكل مقدمة تسمح بعودة مرة أخرى لما يشبه "الحاضنة الشعبية" للتواجد المسلح لولاية سيناء داخل القرى التي خرجوا منها بفعل العمليات العسكرية المتلاحقة. هذه النقطة ظهرت بشكل أوضح في الهجوم الأخير على كمين المطافئ، فالسيارة التي حملت عناصر الهجوم على الكمين مرت في شوارع العريش بشكل مكشوف وواضح دون أن يتم الإبلاغ عنها من أي طرف.
إذن النجاح الذي تحقق في سيناء كان كبيراً جداً ومتصاعداً منذ منتصف عام 2015 وحتى الآن، اختفت العمليات الكبيرة ومتعددة المحاور داخل سيناء وتناقص معدل العمليات خارجها من أكثر من 100 عملية عام 2015 إلى حوالى 35 عملية العام الماضي.
تقلّص الوجود المسلح في شمال سيناء إلى المناطق المتاخمة للعريش جنوباً وغرباً إلى جانب بعض الجيوب جنوب شرق الشيخ زويد. لكنّ التحديات لم تنته بعد أمام قوات الجيش التي لابد في القريب العاجل أن تبدأ استكمال عمليات التطهير في شمال سيناء بالتعاون مع قوات الشرطة التي نجحت هي وقوات حرس الحدود خلال العام الماضي في الحد بشكل كبير من عمليات تهريب السلاح من الحدود الشرقية والغربية. التحدي الأساسي هو منع نقل المعركة إلى داخل المدن المصرية وبالتالي إن ظلت المعركة في سيناء فقط فإننا سنشهد قريباً الإعلان عن الإنهاء التام لتواجد "ولاية سيناء" وعناصرها وقيادييها.