لا يكاد سكان مُخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوب لبنان ينفضون غبار المواجهات بين حركة فتح ومسلحين مُتشدّدين حتى تعود مُعاناتهم إلى نقطة الصفر، ما يشي بأن المُخيّم الأكبر في لبنان والذي يسكنه عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين بات مسرحاً لكباش مستتر بين حركة "فتح" وحلفائها من جهة والجماعات المُتشدّدة والموغِلة في امتداداتها داخل الأزمة السورية وخارجها من جهة ثانية.
المواجهات
الأخيرة في عين الحلوة تطرق باب الأمن اللبناني مُجدّداً وسط مخاوف من خروج الأمور
عن السيطرة بعد تراكم عوامل التفجير داخل المُخيّم وفي محيطه، واللافت أنها ترافقت
مع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان الأسبوع
الماضي وتعمّد تسريب أخبار غير صحيحة عن تعرّض موكبه لإطلاق نار على مسافة
غير بعيدة من مُخيّم برج البراجنة قرب مطار رفيق
الحريري الدولي في بيروت.يبدو
وبحسب مصادر أمنية فلسطينية أن المطلوب كان توجيه رسالة إلى أبو مازن ومعه لبنان
فحواها أن مُخيّم عين الحلوة بات خارج سيطرة حركة فتح، وبالتالي لا تعنيه
أية اتفاقات أو تعهّدات قدّمها الرئيس الفلسطيني لبيروت، علماً أن الأوضاع في
المُخيّمات ولاسيما في عين الحلوة كانت في صلب المحادثات التي أجراها عباس مع
المسؤولين اللبنانيين.
ولم
يعد خافياً أن بيروت سلّمت رئيس السلطة الفلسطينية لوائح بعشرات أسماء الإرهابيين
المُتواريين داخل المُخيّم وطالبته المساعدة على تسليمهم للعدالة اللبنانية.
لكن
أبو مازن وبحسب المُعطيات الميدانية، وإن كان
أبدى كل التعاون مع بيروت، غير قادر على تأمين تسليم المطلوبين نظراً لتواجدهم في
أحياء داخل المُخيّم لا تخضع لسيطرة فتح، وهو صارح المسؤولين اللبنانيين بذلك خلال زيارته الأخيرة، خصوصاً أنه بات متيقّناً
أنّ ساحة عين الحلوة لم تعد ورقة عسكرية أو سياسية في يد "فتح"، عدا عن أن تواجد المطلوبين بات في مناطق تدين
بالولاء لجماعات مُتشدّدة عدّة، منها جماعات مُرتبطة بتنظيم داعش وأخرى من فلول
كتائب عبد الله عزّام التي كانت تابعة للقاعدة، إضافة إلى مجموعات سبق وبايعت
الموقوف لدى القضاء اللبناني أحمد الأسير الذي توارى لأشهر طويلة داخل المُخيّم
قبل أن تُلقي الأجهزة الأمنية القبض عليه منتصف آب / أغسطس عام 2015 بعد معارك عبرا مع الجيش
اللبناني شرق صيدا.أما جولات
العنف في المُخيّم ليست إلا مرآة لفقدان فتح سيطرتها عليه
من جهة، وربما تكون انعكاساً للصراعات الخارجية من جهة ثانية، لاسيما أن
رسائل عدّة تُرسل من داخل أزقّة المُخيّم الضيّقة إلى الساحات المُلتهبة على حدود
لبنان.
وسط
هذه الأجواء تخشى مراجع أمنية لبنانية دنوَ لحظة الانفجار الكبير في المُخيّم خدمة
لأهداف كثيرة ومنها شطب حق العودة بشكل كامل، لأن نزوح اللاجئين من المُخيّم يدفعه
للانخراط في بيئة لا يعني لها حق العودة شيئاً، إضافة إلى أن هذا المُخيّم
بالتحديد استقبل لاجئين من مُخيّمات في دول عربية منها الأردن بعد أحداث أيلول /
سبتمبر عام 1970، ومن مُخيّم اليرموك في سوريا منذ أكثر من خمسة أعوام.في
المحصّلة بات مُخيّم عين الحلوة بتقاطعاته المُتشابكة محلياً وفلسطينياً وربما إقليمياً التربة الأكثر خصوبة لتكرار تجربة نهر
البارد في شمالي لبنان عام
2007، عندما تمدّدت داخله منظمة "فتح الإسلام" بزعامة "شاكر العبسي"، ما أجبر بيروت على
حسم المعركة عسكرياً.ولكن
في المقابل هناك من يعتقد أن الجيش اللبناني أخذ العبرة من معركة نهر البارد،
ويفضّل الركون إلى حل سياسي وسلمي في المُخيّم عبر الاستعانة بالتنظيمات التي تدور
في فلك منظمة التحرير الفلسطينية التي تربطها علاقات جيّدة مع القوى اللبنانية في
صيدا، ومحاولة إقناع بعض الجماعات المُتشدّدة بتسليم المطلوبين الذين يصفهم المدير
العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم بـ"جماعة
قليلة العدد تختطف طائرة مزدحمة بالركّاب والمطلوب القضاء على هذه الجماعة والحفاظ
على ركّاب الطائرة". وعليه، هل ينجح رهان
حركة فتح في حسم الأمور عسكرياً أم أنه مجرد
تهديد لن يجد طريقه إلى الترجمة العملية نظراً لاختلال موازين القوى دخل المخيم وبالتالي لا يبدو أن تهديدات قائد القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة المقدم منير المقدح ستترجم عملياً.