سلاحك الأخير.. جسدك!

السجن..المكان الأكثر سوداوية في سماء الحريات. كيف يمكنك التخلص من ظلم وقع عليك؟ وأنت بين الأيدي الأكثر وحشية وعداء؟ لماذا يُقدم الأسير داخل زنزانته على تحمل الجوع فوق المعاناة؟ لماذا ترفض الأمعاء استقبال الطعام مع أنها بأمسّ الحاجة إليه؟
  • الحرية امرأة جميلة، يسعى كل أحرار العالم إلى اكتسابها بكل الطرق
حينما تكون في السجن لأنك اقترفت ذنباً ما، أو لأنك "ظالما"ً، ستحمل تهمتك على كتفك، وثقلها سيكون كبيراً، ستختلط المشاعر الإنسانية في فؤادك، بين الندم على ما حدث، والحسرة على المستقبل الذي هُدم "بخطأ ما"، لكن أن تكون مظلوماً وأنت تحاكَم على الخير الذي قمت به، كأن تسجن مثلاً لأنك رأيت أن بلادك من حقك، ومن حقك أن تعيش حراً فيها، أن تشرب علقم الظلم، لأنك أردت أن تسترجع ما هو لك أساساً، فكيف سيكون ايقاع الأيام حينها؟ كيف احتمل الأسرى على مرّ التاريخ أن يعيشوا في الظلمة لأنهم أرادوا الحفاظ على النور؟ هذا ليس شعراً، أسرى الحروب عاشوا في قلب هذا الصراع، وسُجّل داخل السجون الكثير من أشكال المقاومة كان أبرزها الإضراب عن الطعام. غاندي، السياسي البارز والزعيم الروحي للهند شارك في العديد من أحداث الإضراب عن الطعام، احتجاجاً على الحكم البريطاني في بلاده. الجمهوريون الإيرلنديون استخدموا الإضرابات عن الطعام أيضاً خلال الحرب الإنجليزية-الإيرلندية في العام 1917.

مؤخراً، خاض بعض المعتقلين والأسرى في فلسطين المحتلة معركة "الأمعاء الخاوية" للضغط على الإسرائيلي لإطلاق سراحهم، أو لتعديل سنوات الاعتقال "لتقلَّص أياماً وتزداد ثقلاً". لمعركة الأمعاء الخاوية قصة تروى بنفس مختلف، لكلّ رأي وموقف، دلالات واستنتاجات. البعض يذهب لتقديس تلك الأمعاء واعتبار ما يصدر عن الأسير في الأيام الخاوية من الطعام نوعاً من أنواع "الجهاد". أسيرٌ يحارب العدو بأي وسيلة، ولو على حساب رزنامة حياته والحياة أغلى ما يُعطى! موقف ملؤه الـ "كلاّ" يسجَّل في حسابات العدو أن ها هنا شعب لا يستسلم، ولا يرضخ. خذ طعامك. حريتي أشهى. البعض الآخر يرى في المعركة موقفاً واهناً وضعيفاً، يستجدي العطف من عدوّ لا يفقه من فلسفة العاطفة شيئاً، والمجازر شواهد! ويذهب آخرون إلى اعتبار تلك المعركة معركة تخالِف أحكام الدين الإسلامي الذي لا يرضى بإيذاء النفس وتجويعها، ويحبّذ التضرع إلى الله بالدعاء لنيل الحرية وليس إلى سجّان تعرى من إنسانيته منذ زمن.

في كل مراحل الاعتقال التي مرّت على السجون، كان الاعتقال الإداري أغرب طريقة تعسفية للاعتقال وأكثرها ظلماً فضلاً عن كونها غير قانونية. بحسب القانون الدولي فإن الحبس الإداري لا يتمّ إلا اذا كان هناك خطر حقيقي يهدّد الأمن القومي للدولة، وهو بذلك لا يمكن أن يكون غير محدود ولمدة زمنية طويلة. وبين عامي 2000 و2012 أصدرت قوات الاحتلال 19647 أمر اعتقال إداري، ما دفع الأسرى إلى اللجوء للإضراب عن الطعام بدءاً من العام 2014 للضغط باتجاه إنهاء معاناتهم.

الشيخ خضر عدنان: معركة الأمعاء الخاوية تمثل انتصاراً

  • الشيخ خضر عدنان: كنت أرى الرعب في عيون السجان حينما أضرب عن الطعام
خاض العديد من الأسرى الفلسطينيين معركة الأمعاء الخاوية، كالشيخ خضر عدنان الذي يؤكد أن أوّل من حاول معارضة حركة الإضراب عن الطعام "هو العدو الصهيوني نفسه". يروي عدنان للميادين نت "كيف أحضرت سلطات الاحتلال رجل دين مسلم إلى السجن لإقناعه بضرورة فك الإضراب، في محاولة لإثارة التشكيك حول شرعية الإضراب عن الطعام". وعن تجربته في الأسر، أشار الشيخ عدنان إلى أنه كان يرى الرعب في عيون السجان حينما يضرب عن الطعام، رعب ممزوج بـ "الحقد والحنق"، مؤكداً أن "العدو بلا رحمة، وكله شوك لا ورد فيه".

وحول سؤال عن الأسباب التي تدفع بالأسير إلى الإضراب عن الطعام يقول عدنان "إن الإضراب عن الطعام "يحرّك قواعدنا ومناطقنا ومجاهدينا، كما أنه يعيد الهيبة لحركة الأسر الفلسطينية"، مشيراً إلى أن بعض الإضرابات "حقّقت ما لم تستطع المقاومة تحقيقه على الأرض".

وفي تأثير مثل هذه الإضرابات على الإسرائيلي يقول الشيخ عدنان إن الاحتلال "ينفّذ مطالب الأسرى أحياناً لكن ليس شفقة أو رحمة، بل يخاف من أن تتفجّر الأوضاع في السجون"، موضحاً أن مثل هذه الإضرابات حرّكت الرأي العام الدولي، ما اضطر الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون للقول "حاكموهم أو أطلقوا سراحهم"!

مفتي القدس: نرفض أي صوت يطعن في نضال الأسرى

  • الأصل والصحيح هو أن تعمل كلّ الأمة على تحرير الأسير
مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين يعتبر في حديث مع الميادين نت أن قضية الإضراب عن الطعام "نوع من أنواع النضال المشروع للأسرى للحصول على الحق في أن يعاملوا معاملة جيدة، والحق في أن يرفعوا عنهم الظلم الذي حلّ بهم، خاصة في ما يتعلق بالأسرى الذين يعتقلون اعتقالاً إدارياً".

وعما إذا كانت معركة الأمعاء الخاوية معركة مشروعة يقول مفتي القدس إنها "معركة نضال، ولا بأس أو حرمة لسلوك طريقها لأنها وسيلة يبتغي فيها الأسير الوصول إلى حريته وحقوقه لا كما يقول البعض إنه يريد الانتحار"، معتبراً أن "هذا الرأي مخالف تماماً لتطلعات الأسير إلى الحرية". يعيب حسين على من يوجّه أصابع الاتهام للأسير بدلاً من الوقوف بجانبه وقضيته، متهماً من يفتي بذلك بالوقوف "في صفّ الاحتلال بطريقة ما".

لكن في المقابل هل يعدّ إجبار العدو على فك أسر الأسير انتصاراً؟ "بالطبع" يقول المفتي محمد حسين مردفاً أن "الأصل والصحيح هو أن تعمل كلّ الأمة على تحرير الأسير، وليس الأسير بنفسه وذاته، خصوصاً أنه يقع تحت ظلم سجّان لم تعرف السجون وحشية كوحشيته.. نحن لا نقول انها الوسيلة التي يجب أن يلجأ اليها كل أسير، لكنها وسيلة تعبر عن رغبة إنسان بالتحرر".

يرفض مفتي القدس وفلسطين أيّ صوت من العالمين العربي أو الإسلامي يحاول الطعن في نضال هؤلاء الأسرى. بحسب قوله، كثيرون تخلّوا عن نصرة القضية الفلسطينية، ولم يكتفوا بهذا فقط، بل نذروا ألسنتهم ومواقفهم للطعن في قضية أسرى "لا يملكون داخل السجون حولاً ولا قوة".

شديد: الإضراب يفشِل نظرية الردع الإسرائيلي

  • الإنسان مفطور على الحرية..
المتخصص في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد كان من الأسرى الذين خاضوا إضرابات عدّة عن الطعام كان آخرها عام 1988. يقول للميادين نت إن الإضراب عن الطعام يفشِل نظرية الردع الإسرائيلية، موضحاً أن قوات الاحتلال تعتقد أن حركات الاعتقال تؤثر سلباً على الكثير من الشرائح الفلسطينية، وتريد منها أن توصل رسالة مبهمة للفلسطيني بألاّ يفكر مستقبلاً في معاداة إسرائيل.

يرى شديد أنه ليس من مصلحة إسرائيل أن يقوم الأسرى بإضرابات سلمية لأن هذه الأشكال من المقاومة تحظى بتأييد معظم دول العالم وتؤدي إلى المزيد من التعاطف مع القضية الفلسطينية، مشيراً إلى "أن ما ينجح هذه الإضرابات هو ما يرافقها من تحركات خارج السجون"، مردفاً لو "تُرك السجّان للسجين، لما بقي أسير فلسطيني على قيد الحياة".

الإنسان بطبيعته مفطور على الحرية.. الحرية امرأة جميلة، يسعى كل أحرار العالم إلى اكتسابها بكل الطرق. والسجن مقبرة الحياة. المكان الأكثر سوداوية في سماء الحريات، فكيف يمكنك أن تتخلص من ظلم وقع عليك؟ وأنت بين الأيدي الأكثر وحشية وعداء؟ لماذا يُقدم الأسير داخل زنزانته على تحمل الجوع فوق المعاناة؟ لماذا ترفض الأمعاء استقبال الطعام مع أنها بأمسّ الحاجة إليه؟

المصدر: الميادين نت