أنقرة تهتزّ والعلاقة بين تركيا وروسيا ثابتة
كيف وقع الحادث؟
لحظات بعد قيام الطنطاش باغتيال كارلوف
على إثر ذلك وبعد ساعات قليلة، أعلنت الخارجية الروسية وفاة الدبلوماسي الذي شغل مهمّة من الأكثر حساسية في الوقت الراهن.
В результате нападения террориста в Анкаре скончался Посол России в Турции А.Г.Карлов pic.twitter.com/TGAu8nzpnT
يبلغ القاتل من العمر 22 عاماً
الأسباب
أردوغان: السبب الأساسي الذي يقف خلف اغتيال كارلوف هو التحريض
وقد ذكّر أحد الناشطين على موقع فيسبوك بسلسلة تصريحات كان قد أطلقها الرئيس التركي في الفترة الماضية قد تُفهم في سياق التحريض ضد روسيا، وذلك حين كانت العلاقة بين البلدين قد بلغت درجة خطيرة من التأزّم.
حينها قال إردوغان إنّ "الذين يقدّمون الدعم للأسد يشتركون معه في جرائمه"، وأضاف أنّ "روسيا ليست سوى دولة محتلّة لسوريا". وتابع الرئيس التركي قائلاً إنه " يجب محاسبة روسيا على المذابح التي ترتكبها بحق الشعب السوري"، لينهي هجومه بقوله إنّ "روسيا شريكة في قتل 400 ألف ضحية في روسيا".
وفي حديث للميادين نت قالت المتخصصة بالشأن التركي الدكتورة هدى رزق إنّ أنصار إردوغان ينقسمون إلى ثلاثة أقسم: القسم الأول هم رجال الأعمال الذين تضرّروا من تراجع العلاقات مع روسيا إثر إسقاط طائرة حربية روسية بالقرب من الحدود التركية في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي. هؤلاء بقوا يحاولون دفع الرئيس التركي لإصلاح الوضع مع موسكو في أقرب وقت.
القسم الثاني، وبحسب رزق "هم الإخوانيون الذين يعتبرون أنّ ما يحصل في سوريا ليس إلا استهدافاً للطائفة السنّية. في هذا الإطار، تشير رزق إلى أنّ 63% من مناصري إردوغان يعتبرون تنظيم داعش حركة سنّية تدافع عن الطائفة السنّية".
وفي السياق نفسه، تلفت رزق إلى أنّ جريدة "ينّي شفق" المقرّبة من الحكومة التركية كانت لا تزال تحرّض بشدّة ضد روسيا في الأيام القليلة الأخيرة، بالرغم من تحسن العلاقات بين موسكو وأنقرة وتعاون الطرفين لإنهاء الأزمة في مدينة حلب.
أما القسم الثالث، فهم العلمانيّون القريبون من الغرب، والذين يشجعون أيضاً المسؤولين الأتراك على الابتعاد عن روسيا.
وترجّح رزق أنّ يكون منفذ الهجوم الذي أودى بحياة السفير الروسي مرتبطاً بإحدى الجماعات المتطرفة التابعة لأجهزة مخابرات عربيّة، ذلك أنّ ما حصل في حلب مؤخّراً يصعب على السعودية وقطر تقبّله بسرعة بحسب رأيها.
ورأت رزق أنّ الاغتيال يمكن أن يحمل رسالة غربية قاسية إلى موسكو على خلفيّة التطوّرات السورية مؤخّراً.
وتستبعد رزق أن تكون الاستخبارات التركية خلف العمليّة، أولاً بسبب سيطرة إردوغان عليها بشكل كامل، ثانياً لخطورة الخوض في مثل هذه المغامرات مع دولة عظمى كروسيا، وما يمكن أن ينتج عن هذا الأمر فيما لو تكشّفت حقيقة تورّط السلطة في أنقرة في مثل هكذا اعتداء.
وترى المتخصصة في الشأن التركي أنّ ما حصل سيسمح لإردوغان بالقول لكلّ من الرّوس والإيرانيين أنّ التوجّه المتطرّف في بلاده يزداد قوّةً، وهو لا يستطيع أن ينهي المفاوضات القادمة في العاصمة الكازاخستانية دون تحقيق مكاسب حقيقية في الملف السوري أو في الملف الكردي على الأقلّ.
لمحة عن كارلوف
كارلوف هو من ألمع الرجال الدبلوماسيين في السلك الدبلوماسي الروسي
تقلّبات في العلاقات التركية – الروسية
عَرفت العلاقات بين تركيا وروسيا تقلّبات حقيقية في السنوات القليلة الماضية. قبل انطلاق الأزمة السورية، كان الحُكم في تركيا يطبّق سياسة صفر مشاكل مع كل الدول بما فيها جارتها الشمالية، وتمّتعت كلّ من أنقرة وموسكو بعلاقات اقتصادية وسياسية جيّدة جدّاً. وقّع الجانبان العديد من الاتفاقات التجارية، وبلغ عدد السوّاح الروس الذين يزورون المدن التركية بشكل منتظم 8 ملايين سائح. مع بدء الأزمة في سوريا، بدأ التباعد السياسي بين الطرفين يظهر إلى العلن. دعمت أنقرة المعارضة السياسية والعسكرية لدمشق، فيما آثرت موسكو الوقوف إلى جانب حليفها السوري التاريخي، حتى بلغ الأمر إلى تدخل سلاح الجو الروسي مباشرة بقصف مقارّ الجماعات المسلّحة في مختلف المحافظات السورية. بقي الخلاف بين تركيا وروسيا في المرحلة الأولى من الأزمة السورية على صعيد التصريحات الإعلامية فقط، حتى اقترب البيت الأبيض من قرار ضرب الجيش السوري ردّاً على ما اتّهمه به من استخدام السلاح الكيميائي ضد المعارضة المسلّحة في الغوطة الشرقية لدمشق. أدّى المقترح الروسي، بقيام السلطات السورية بتسليم ما لديها من سلاح كيميائي للأمم المتحدة مقابل تخلّي الرئيس باراك أوباما عن فكرة التدخل العسكري في سوريا، إلى إبطال مشروع هزيمة الجيش السوري عسكرياً، وهو ما كانت تراهن عليه بوضوح أنقرة والعديد من العواصم العربية. عام 2014 وقعت أزمة شبه جزيرة القرم، التي قامت روسيا بضمّها إلى أراضيها بعد استفتاء سكّانها على ذلك، حينها لم تجارِ تركيا الدول الغربية في الموقف الحاسم سلبيّاً ممّا فعلته روسيا، لكنّ العلاقة كانت قد بدأت تسوء بين البلدين. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، أسقط سلاح الجو التركي مقاتلة روسية من طراز سوخوي اقتربت من الحدود التركية، وقيل إنّها دخلتها لمدة 17 ثانية، فبادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان يحضر أحد المؤتمرات الدولية إلى التصريح بأنّ إسقاط الطائرة الروسية هو غدر وطعنة في ظهر روسيا، مشدّداً على أنّ الحادثة ستترك خلفها تداعيات قاسية على العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا. هذا ما حدث بالفعل، فقد اتّخذ بوتين سلسلة قرارات كان لها تأثير سلبي كبير على الاقتصادي التركي، كالتوقف عن استيراد بلاده منتوجات زراعية تركية وتوقف السوّاح الروس عن زيارة تركيا.لم يطل الأمر حتى بدأت الضغوط على الرئيس التركي من أجل إصلاح العلاقات مع روسيا، وهذا ما بدأ إردوغان يمهّد له بعد أشهر من تراجع العلاقات. أتت محاولة الانقلاب في 15 تمّوز/ يوليو من العام الحالي لتدفع إردوغان إلى تسريع حلّ الأزمة بينه وبين الرئيس الروسي، خاصة بعد أن تحدثت أنباء عن رغبة غربية برحيل إردوغان عن السلطة في تركيا وتأخر المسؤولين الغربيين عن زيارة أنقرة. كما قيل أنّ دوراً روسياً ما ساعد أردوغان على التعامل مع الانقلاب بعد تحديد تحرّكات مشبوهة أجرتها قوّات بحرية تركية شريكة في محاولة الانقلاب. وبعد اعتذار إردوغان عن إسقاط طائرة السوخي الروسية، بدأت المياه تعود إلى مجاريها بين البلدين الجارين، وسط تصريحات قادة أتراك بأنّ ما حصل مجرّد غيمة صيف وانقضت. كما بدأ الحديث عن تنسيق سياسي بين موسكو وأنقرة خاصة على مستوى وزراء الخارجية، لتتكلّل جهود الطرفين في تسوية حلب التي قضت بإخراج المسلّحين المحاصرين مع عوائلهم داخل الجزء الشرقي من المدينة، مقابل إخراج مدنيين ومصابين من بلدتَيْ الفوعة وكفريا المحاصرتِيْن من قبل الجماعات المسلّحة في ريف إدلب.