زيارة الرئيس السوري إلى موسكو، لم تكن حدثاً عادياً بالشكل وبالمضمون. زيارة حملت الكثير من الرسائل التي قد يكون لها انعكاسات على الميدان السوري بشقّيه العسكري والسياسي.
ليست زيارة الرئيس السوري
بشار الأسد يوم الثلاثاء إلى موسكو حدثاً عادياً أو زيارة كغيرها من الزيارات
البروتوكولية بين زعماء العالم، فهي تأتي في لحظة تاريخية مفصلية في عمر الأزمة
السورية، عنوانها العريض التحوّل في الميدان، والانكفاء الأميركي لصالح
"التسونامي" الروسي الساعي إلى حل جدّي للأزمة السورية.
فالرئيس السوري الذي اختار
البقاء في دمشق منذ اندلاع الأزمة قبل 5 سنوات تقريباً، واقتصر خروجه من مكان
إقامته على زيارة بعض المناطق المرتبطة بتفاصيل المعارك على الأرض السورية، اختار
اليوم أن ينتقل إلى موسكو تلبية لدعوة نظيره الروسي فلاديمير بوتين، قاطعاً مسافة
تزيد عن 7000 كلم ذهاباً وإياباً إلى دمشق، بكل ما لذلك من اعتبارات أمنية.
زيارة مفاجئة في توقيتها
في التوقيت، الزيارة مفاجئة خصوصاً مع احتدام المعارك ضد المجموعات المسلحة على غير جبهة سورية واستعادة زمام المبادرة للجيش العربي السوري بغطاء جوي روسي. يقول خالد العبود، عضو مجلس الشعب السوري للميادين نت: "بالتأكيد التوقيت له تأثير واضح، فنحن اليوم في مرحلة جديدة من المواجهة لها أدواتها وأشكالها، والتي تتميز بحضور الروسي بذراعه الجوية، وهذا الحضور الروسي يؤكد وجود انزياح في المشهد الكامل للمواجهة، بمعنى أن التحالف الجديد السوري الإيراني الروسي إلى جانب المقاومة والعراق، يؤكد أنه يتقدم على تحالف ماضوي تقوده الولايات المتحدة". ويضيف العبود "نحن هنا نتحدث عن مشهد مواجهة دولية، ربما لم يستخدم كل طرف أدواته كاملة، لكن هناك دلالات على تقدم تحالف على آخر.. وفي هذا التوقيت أتت الزيارة لتعزز تقدم هذا التحالف وتؤسس لمرحلة جديدة. الزيارة أتت في لحظة تراجع الدور الأميركي لصالح الدور الروسي، وهذا التراجع يثبت الهزيمة الأميركية، كما أن الروسي من خلال هذا الحضور الفاعل يبرهن على أن الصمت الأميركي على الاندفاع الروسي يعبّر عن توافقات أميركية روسية على عناوين محددة".كلام العبود يؤيده كلام المعارضة السورية ورئيسة حزب "سوريا الوطن" مجد نيازي التي أشارت إلى أن روسيا تريد أن تبرز بشكل جلي تحجيم الدور الأميركي في سوريا، وتقول إنها هي الدولة الفاعلة، وأن التفاوض يمرّ عبرها، وبالطبع بمشاركة الدولة السورية".ورغم عدم انقطاع الاتصال بين الكرملين وقصر الشعب طيلة فترة الأزمة إلا أن القرار كان في هذه اللحظة أن يكون اللقاء مباشراً، ويعزو العبود السبب إلى "اختلاف المرحلة التي نمر فيها، فطبيعة الملفات التي تُطرح ويتم التداول فيها، لا تستدعي فقط أن يتم النقاش عبر الهاتف، وإنما أصبحت تستدعي الحضور الشخصي".وهنا تعتبر مجد نيازي في حديثها للميادين نت أن زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو هي "رسالة ذات بعدين، سوري وروسي، أوصلا من خلالها مجموعة من الإشارات، أهمها أن الدولة السورية ما زالت مسيطرة وقادرة على توفير الأمن لمثل هذه الزيارة، وأن تدخّل روسيا العسكري في سوريا يترافق مع حل سياسي تريده وتصرّ عليه، وهذا ما ظهر بشكل واضح في البيان الرسمي الذي شدد على توافق الرئيسين على الحل السياسي".
البعد الأمني للزيارة، وأميركا وحلفاؤها الغائب الأكبر
مما لا شك فيه أيضا" أن الزيارة تحمل أبعاداً أمنية مرتبطة بسرّيتها وضمان سلامتها، خصوصاً لشخصية كالرئيس الأسد الذي يتم رصد تحركاته منذ سنوات من قبل عدد كبير من أجهزة الاستخبارات في العالم، وفي هذا الإطار يقول العبود: "الرئيس الأسد قطع آلاف الكيلومترات في الجو، وتم استقباله في الكرملين ومن ثم عاد إلى دمشق، وهذا يؤكد ضعف الحضور الأميركي وأعوانه الإقليميين، وأن هناك شبه عمى استخباراتي أميركي على مستوى الإقليم". وبرأي العبود فإن الزيارة تمتلك من الذكاء والقدرة والطاقة الكثير، "فالاستخبارات الخاصة بالرئيس أمنّت له الغطاء للزيارة، ما يعني أن الدولة السورية واستخباراتها ما زالت قائمة موجودة وفاعلة".
الرسائل التي حملتها الزيارة
من الرسائل القوية أيضاً التي أطلقتها هذه الزيارة هي التزام روسيا بدعم سوريا عسكرياً وسياسياً وصولاً إلى حل للأزمة. ومما لا شك فيه أن القمة الروسية السورية في موسكو ستكون سبباً في إعادة نظر الكثير من المتورطين في ما يجري في سوريا بتوجهاتهم وأوراقهم. فعلى ما يبدو، الدعم العسكري الروسي، ناهيك عن الدعم السياسي، لن يستمر أشهرا معدودات بل إلى حين انتهاء الأزمة، وعلى ما يبدو أيضا أن روسيا مصرّة على إنهائها وتجفيف مصادر الإرهاب التي تسعّرها. "إن ما تمت مناقشته هو توسيع التحالف الذي يضم روسيا وسوريا وإيران والعراق ليشمل السعودية وتركيا وقطر، والعنوان الأساسي لهذا التحالف سيكون مواجهة الإرهاب في المنطقة"، يقول العبود. ومن جهتها ترى مجد نيازي أن القمة الروسية السورية في موسكو هي بداية وضع الأمور على السكة الصحيحة للذهاب باتجاه الحل السياسي للأزمة السورية وإنهائها، وتقول: "نعتقد أن بداية الحل قريبة ونتمنى أن يكون الحل لصالح السوريين أولاً". تكهنات كثيرة تبرز اليوم حول الوجهة الجديدة التي سيقصدها الرئيس الأسد بعد روسيا، وثمة من يرى أن للرئيس السوري زيارة أخرى إلى موسكو، هذه المرة ليلتقي به بعض الزعماء الأوروبيين الذين شاركوا في الحرب ضده بشكل مباشر أو غير مباشر.