المقاومة الشعبية الفلسطينية تستعيد زخمها... بداية انتفاضة ثالثة؟
أمام الممارسات العنصرية الإسرائيلية في القدس والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى كان لا بدّ للمقدسيين أن يتحركوا ولو بأساليب بدائية وفق الظروف المتاحة لهم للتصدي للاحتلال. عمليات دهس وطعن في القدس وتل أبيب والضفة الغربية في إطار المقاومة الشعبية، شهدتها الأيام الماضية في مشهد يرى المراقبون أن رقعته ستتسع ممهداً لانتفاضة جديدة على الرغم من التحديات الكثيرة.
غادر إبراهيم المنزل مسرعاً.. لحظات وتوالت الأخبار العاجلة في أسفل الشاشة: فلسطيني من القدس يدهس عدداً من المستوطنين.. مقتل جندي وإصابة 13 آخرين.. استشهاد الفلسطيني الذي دهس المستوطنين برصاص الاحتلال.. بطل عملية الدهس في القدس يدعى الشهيد إبراهيم العكاري.. ما هي إلا ساعات قليلة حتى نفذت عملية دهس أخرى لجنود إسرائيليين، هذه المرة في الخليل، ما هي إلا أيام قليلة حتى نفذت عمليتا طعن قتلت خلالهما مستوطنة وجندي وجرح آخرون في تل أبيب وغوش عتسيون. استنفرت إسرائيل. سارعت إلى الإعلان جهاراً عن أنها لا تنوي إجراء تغيير على الوضع القائم في القدس. تداعى أعضاء الكابينيت للاجتماع، القرار اتخذ بتدمير منازل "المخربين". الجيش الإسرائيلي عزز قواته في الضفة الغربية وكثف من حواجزه وقرر تعميق الجهد الاستخباري... يبدأ المشهد بالتغيّر. ينتقل سريعاً إلى الأراضي المحتلة عام 48 من خلال تظاهرات ومواجهات في أكثر من قرية وبلدة. تتسع دائرة المنخرطين في هذه المقاومة الشعبية بشكل مطّرد. وفق إحصائيات أخيرة فإن 83% من سكان القدس المحتلة يقاطعون المنتوجات الإسرائيلية والمؤسسات والمراكز التجارية الإسرائيلية. لم يعد الحديث عن مبادرات فردية فقط بل عن قطاعات جماهيرية وطلابية تحاول تنظيم ذاتها. تسترجع الذاكرة الجماعية الفلسطينية مرحلة الانتفاضة الأولى عام 1987 يوم كان السلاح حجراً رمى بالإسرائيلي على طاولة مفاوضات لم يكن يريدها سوى لإجهاض هذه الانتفاضة. لم يعد الحديث عن انتفاضة ثالثة مبالغاً به، أحد أعضاء الكنيست قالها بوضوح "علينا تسمية الصبي باسمه.. ما نعيشه اليوم هو انتفاضة ثالثة". انتفاضة بطلتها "المقاومة الشعبية". أساليبها سيارة وسكين ومنجنيق وتظاهرات عند حواجز الاحتلال ومقاطعة البضائع الإسرائيلية. يستعيد عضو المجلس الوطني الفلسطيني صلاح صلاح التأثير الذي أحدثته انتفاضة الحجارة ليؤكد على أهمية المقاومة الشعبية التي تشهدها القدس وبعض مناطق الضفة وأراضي 48، على اعتبار "أنه تجب مواجهة العدو الإسرائيلي بكافة أشكال النضال وفق الظروف التي يعيشها كل تجمع من تجمعات الشعب الفلسطيني". فالظروف القائمة في غزة التي تتيح للمواجهة أن تأخذ بعداً عسكرياً مسلحاً ليست نفسها في الأراضي المحتلة عام 48 أو القدس حيث الاحتلال جاثم على الفلسطيني، أو في الضفة الغربية حيث تبرز إشكالية أخرى عنوانها "التنسيق الأمني". يرى صلاح أنه "يكفي الشعور بعدم الأمان الذي يحدثه هذا النوع من المقاومة لدى الإسرائيلي الذي يعيش اليوم كابوس أن تدهسه سيارة أو أن يتلقى طعنة سكين في لحظة ما". يتحدث عن ردع من نوع آخر لا مكان فيه لمنظومات القبة الحديدية ومثيلاتها، حيث يقول الفلسطيني للإسرائيلي اليوم "إن حالة القلق والرعب انتقلت إلى ضفته من خلال أساليب بدائية". في معرض قراءته لآفاق هذه المقاومة الشعبية، يجزم صلاح صلاح أن ما يجري اليوم مختلف عن المرات السابقة حيث كان يقتصر الأمر على بعض ردود الفعل المحدودة والمؤقتة. يؤكد أن "ما يجري اليوم هو مؤشر على انتفاضة جديدة ستتسع رقعتها" بما يؤكد للإسرائيلي "أن محاولاته التي بدأها قبل 66 عاماً لأسرلة الشعب الفلسطيني وعزله عن قضيته لم تنجح" وبما "يوجه صفعة للقيادات الفلسطينية التي كانت تحاول أن تكرس أن الشعب الفلسطيني هو في مناطق الضفة وغزة متجاهلة القدس وأراضي 48 وقضية اللاجئين، من خلال التأكيد على أن الشعب الفلسطيني واحد في الضفة وغزة والقدس والشتات لا يمكن تجزئته أو فصله، وأن ارتباطه بقضيته الوطنية وأرضه أبدي وأزلي".
هل تجهض "الانتفاضة الثالثة" قبل ولادتها؟
مزاوجة العمل السياسي والمقاومة الشعبية
في منطقة شمال غرب القدس عند جدار الفصل العنصري ابتدع الشباب الفلسطينيون مؤخراً أسلوباً جديداً في المقاومة الشعبية.. يدأبون منذ أيام على فتح ثغرات في ذاك الجدار، يسدها الاحتلال، ثم يعودون لفتحها مجدداً.. من يدري ربما لكثرة تكرار هذا الفعل يتصدع الجدار ويسقط يوماً.. ففي قلوب هؤلاء من الإيمان والعزيمة ما يجعلهم متيقنين أن هذا الاحتلال يمكن مواجهته بشتى الوسائل، حتى لو بمعول.
المصدر: الميادين نت