بين الحبيب بورقيبة وسعيّد.. شارع يختزل تاريخاً!

هو الشارع الذي "لا ينام"؛ هذا ما يقوله رواّد "الحبيب بورقيبة". لكن جائحة "كورونا" والظروف السياسية التي تمرّ فيها تونس بدت ملامحها واضحة على شارع بورقيبة، الذي لطالما شهد على المتغيرات السياسية.
  • تونسيون يستمعون إلى خطاب الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، عبر الراديو، عام 1984

قبل أيام، جال الرئيس التونسي قيس سعيّد في شارع الحبيب بورقيبة، في زيارة مفاجئة. تمشّى الرئيس على وَقْعِ هتافات مؤيّدة للقرارات الأخيرة التي اتَّخذها في 25 تموز/يوليو، والمستندة إلى المادة 80 من الدستور، والتي تتعلق بتعليق عمل البرلمان وإقالة مسؤولين من مناصبهم.

لكنْ، لماذا اختار سعيّد شارع الحبيب بورقيبة تحديدا للتجوّل فيه؟ في هذا الشارع، تكمن حكاية كل شيء عن تونس، منذ إعلان قيام الجمهورية التونسية عام 1956، وتحرّرها من الاستعمار الفرنسي، مروراً بحِقَب سياسية حافلة، وصولاً إلى اليوم. بالتالي، يختصر هذا الشارع تاريخ تونس.

إنه شارع الفقراء والأغنياء، في آن واحد، حيث يلتقي الجميع ويجلسون على مقاعد خشبية، تَحمِل ذكريات وأحاديث لعشّاق وأصدقاء. كذلك، هو شارع المثقفين والمبدعين والشعراء، والوِجهةُ الأولى للسيّاح للتعرّف إلى وجه المدينة. 

يشكّل شارع الحبيب بورقيبة قلب العاصمة التونسية، الذي سُمّي على اسم أول رئيس لتونس، والذي ناضل لإنهاء الاستعمار الفرنسي (1881- 1956)، معلناً قيام الجمهورية التونسية في 20 آذار/مارس 1956، ليتغيَر بذلك اسم المكان من شارع البحرية إلى الحبيب بورقيبة.

في عام 1957، أصبح بورقيبة رئيساً للبلاد لمدة 30 عاماً، إلى أن تمّت إزاحته عن السلطة من جانب وزيره الأول زين العابدين بن علي، في حينها.

يمتد الشارع على مسافة 1500 متر، ويتقاطع معه عدد من الشوارع الرئيسية، كروما والجزائر وباريس وقرطاج وجمال عبد الناصر. ويضمّ مَعْلَمَ المؤرّخ وعالِم الاجتماع ابن خلدون.

في هذا الشارع، تجدون الشبّان والشابات يُحْيُون أنشطتهم الثقافية، من مهرجانات ومسرح وسينما، حيث المسرح البلدي (كان اسمه سابقاً "كازينو تونس") وكاتدرائية تونس وجامع الزيتونة.

التاريخ الثقافي ليس وحده ما يميّز شارع الحبيب بورقيبة، بل تاريخ من الاحتجاجات المطالِبة بالتغيير ومكافحة الفساد أيضاً. وكان هذا الشارع شاهداً على مواجهات "الخميس الأسود" و"ثورة الخبز" في تسعينيات القرن الماضي.

في هذا الشارع أيضاً، اعتصم التونسيون في كانون الثاني/يناير 2011، وشهد إحدى أكبر المظاهرات التي أنهت حكم زين العابدين بن علي.

ثورة "الحرية والكرامة" لم تكن كفيلة بإنهاء سنوات من الفساد، لتعود بذلك سلسلة الاحتجاجات، ولاسيما في "الحبيب بورقيبة"، مطالبةً بالإصلاح.

وشهد هذا الشارع آخر هذه التجمّعات، بعد قرارات الرئيس سعيّد تعليقَ البرلمان وإقالة الحكومة وعدد من المسؤولين من مناصبهم، فخرج التونسيون بين مؤيّد ومعارض لخطواته.

من جهتها، أشارت مؤسسة "كارنيغي للسلام" إلى أنّ تونس شهدت، منذ عام 2011 ، مكاسب سياسية ملحوظة وتحسنًا في حرية الصحافة والمجتمع المدني. ومع ذلك، فإن الأهداف الأصلية للثورة لم تتحقق، الأمر الذي ترك كثيراً من التونسيين في حالة من اليأس، وفقاً للمؤسسة.

وذكرت "كارنيغي"، نقلاً عن مسح أجرته مؤسسة "أفرو باروميتر" عام 2018 ، أنّ 72 في المئة من التونسيين يعتقدون أن الوضع الاقتصادي الحالي "سيئ إلى حدّ ما"، أو "سيئ للغاية". ويعتقد 80 في المئة أن تونس تسير في الاتجاه الخاطئ.

وارتفعت نسبة البطالة في تونس إلى 17.8 في المئة خلال الربع الأول من عام 2021، بعد أن كانت في حدود 17.4 في المئة خلال الربع الرابع من عام 2020، وفق مؤشّرات التشغيل والبطالة للربع الأول من عام 2021، نشرها المعهد الوطني للإحصاء.

وأظهر الإحصاء أنّ عدد العاطلين من العمل بلغ نحو 742 ألف شخص من إجمالي السكان النشِطين، الذين يفوق عددهم 4.1 ملايين شخص، أي بزيادة قدرها 15.7 ألفا، مقارنة بالربع الرابع من عام 2020. 

وترتفع نسبة البطالة لدى الإناث إلى نحو 24 في المئة في مقابل 15 في المئة في صفوف الذكور، بحسب المعهد الوطني للإحصاء، الذي أضاف أنّ هذه النسبة ترتفع إلى 40.8 في المئة لدى الفئة العمرية المتراوحة بين 15 و24 عاماً. 

شارع "الحبيب بورقيبة" هو الشارع الذي "لا ينام"؛ هكذا يطلق عليه رواده، الذين يزورونه، من شبّان وشابات وكبار السن. لكن جائحة "كورونا" جعلته من أكثر الشوارع هدوءاً، بسبب إجراءات منع التجوّل ليلاً، تُضاف إليها مرحلة سياسية حساسة تخوضها تونس.

المصدر: الميادين نت