الأزمة اللبنانية.. قراءة في الأسباب والحلول
لبنان بلد الأزمات المستمرة. فمنذ نشوئه، لم يمرّ عليه عقد من الزمن من دون خضّة أو أزمة أو توتر، حتى كاد طعم السلام والحياة الطبيعية يكون معدوماً لدى كثيرين، وخصوصاً الجيل الذي وُلد في أثناء الحرب الأهلية عام 1975.
منذ عام 2019، دخل لبنان مرحلة غير مسبوقة من الانهيار المتفاقم في مختلف الصعد. وعلى الرغم من المآسي الناجمة عن ذلك، فإنه لا تبدو هناك أيّ حلول في الأفق، في الوقت الذي دخل تكليف رئيس الحكومة سعد الحريري (22 تشرين الأول/أكتوبر 2020) شهره الـ9 من دون ولادة حكومة تعالج بعض تداعيات الانهيار، في الحد الأدنى.
وتتباين الرؤى بشأن سبب الاستعصاء، في ظل غياب أيّ حلول. ويرى الخبير الاستراتيجي العميد إلياس فرحات أن الخلل يكمن في مكان آخر بالكامل، قائلاً إنّ ما يجري "ليس خلافاً سياسياً، كما حدث بين فريقي 8 آذار و14 آذار".
وأشار فرحات، في حديثٍ إلى الميادين نت، إلى أن "الأزمة ليست طائفية بين مكوّنات الشعب اللبناني".
ورأى أن "ضرب الاقتصاد، كما يجري، هو عملية تهدف إلى تَأَكُّل الوضع في لبنان، وانهيار منظومة الدولة وخدماتها، تمهيداً لانهيار المجتمع، وخلق سبب أخلاقي لتدخّل دولي بدافع سياسي".
الباحث في الشؤون الاستراتيجية، والمنسق العام لـ"اللقاء الإعلامي الوطني" سمير الحسن، يعتقد أن "الاستعصاء هو تتويج لحالة الانقسام الحادّ، وبلوغ الأزمة ذروتها". وواحدٌ من العوامل هو "فقدان الثقة بين القوى السياسية، وعدم القدرة على إنتاج حلول. والانهيار، اقتصادياً ومالياً، هو نتيجة حدة الأزمة السياسية".
عوامل خارجية وداخلية
تُطرح سجالات كثيرة عن العوامل المفجّرة للأزمة اللبنانية، منها ما يرى أنها خارجية محضة، ومنها ما يراها داخلية، وثمة من يعتقد أنها نتيجة تداخُل بين العاملَين الخارجي والداخلي.
في نظر العميد فرحات، فإن "انهيار لبنان، مالياً واقتصادياً، يهيّئ الظروف لطرح مسألة سلاح المقاومة، وحزب الله الذي يؤرّق الدوائر الأميركية والإسرائيلية والغربية، ويقف حاجزاً قوياً في وجه مخططاتها السياسية والأمنية في المنطقة".
وأوضح فرحات أن "هناك عاملاً خارجياً يتدخّل، عبر أسلوب الحرب الناعمة، انطلاقاً من فقدان لبنان سيادته على القطاع المصرفي منذ زمن طويل. وجاء التدخل، عبر صيغة ضرب العملة الوطنية، ومنع وصول اللبنانيين إلى ودائعهم. وهو إجراء ظاهره داخلي، وحقيقته خارجية، وأدى إلى انهيار الخدمات وانقطاع المواد، من محروقات وأدوية وأغذية، وتوقّف كل مظاهر الحياة".
ولفت فرحات إلى أن "بعض الآراء السياسية الغربية بدأ يُلوّح بتدخّل دولي في لبنان، متّخذاً من الشأن الإنساني الناجم عن الفقر مبرِّراً للتدخل. أمّا الآلية فهي توسيع عمل القوة الدولية في الجنوب إلى العاصمة بيروت، بحجّة المحافظة على المرفأ، وامتداده إلى البقاع والشمال بحجّة ضبط الحدود ومنع التهريب".
أما بالنسبة إلى الحسن، فـ"جوهر الأزمة خارجي، وخصوصاً أن هناك قوى خارجية تريد مزيداً من الضغوط على لبنان، وعلى المقاومة، عبر فرض مزيد من الحصار، اقتصادياً وسياسياً، بينما أغلبية القوى والشخصيات المعنية بالحلول تتهيّب الخارج، والعقوبات الأميركية، الأمر الذي يجعل العنصرَين الخارجي والداخلي متكاملَين".
آفاق حلول
"لا حلول في الأفق"، يقول فرحات، ويؤكد "أننا على مقربة من مرحلة إعلان المقايضة، وشروطها. فإنقاذ اللبنانيين من أزمتهم المعيشية يتطلّب تنازلات سياسية سيادية، جوهرها وجود المقاومة، فكرة ونهجاً وجمهوراً وسلاحاً. سيقولون هذه في مقابل تلك".
و"بما أن الوضع الأمني مستقرّ على الرغم من الظروف الصعبة"، كما قال فرحات، فإنه "يجب على القوى السياسية أن تجد حلاً للمشكلات الاجتماعية من خارج روتين الدولة، مثل استيراد المحروقات والأدوية والمعدات الطبية وغيرها، بغية الصمود أطول فترة ممكنة، ومنع الوصول إلى مرحلة مقايضة السيادة بالغذاء".
وفي ظل غياب أيّ حلول، رأى الحسن أن "هناك اعتقاداً في الغرب مفاده أن الضغوط المسبّبة للأزمة سوف تُحدث شرخاً في الداخل اللبناني، وستُغيّر مزاج الناس تجاه الطبقة السياسية. لذلك، سنظل في حالة المراوحة حتى الانتخابات".