أميركا تنسحب من أفغانستان.. فرصة لتقدّم الصين في وسط آسيا؟
إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن بأن حرب بلاده في أفغانستان "حققت أهدافها" في مكافحة التهديد الإرهابي وتجنب المزيد من الاعتداءات عليها، يواجه شكوكاً مع التحذيرات الصادرة من الحكومة الأفغانية وجاراتها من تمدد حركة "طالبان" في البلاد وسيطرتها على نحو 85% منها.
الانسحاب الأميركي كان متوقعاً، فالحروب "المستمرة إلى الأبد" لا بدّ وأن تنتهي كما ترى إدارة بايدن، لكن سرعة الانسحاب وشكله هو ما ترك صدمةً عند الحكومة الأفغانية. التي عبّر رئيسها أشرف غني عن ذلك بقوله: "إننا لم نكن مستعدين لانسحاب القوات الأميركية"، وأيّده رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبد الله عبد الله باعترافه أن السلطات الأفغانية لم تكن لديها "خطة استراتيجية" لمرحلة ما بعد رحيل الحلفاء.
بحسب وثيقة "الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي" الصادرة عن البيت الأبيض هذا العام فإن "إنهاء حالة الحروب المستمرة للأبد" تبدو أولوية للإدارة الجديدة، فهذه الحروب "كلّفت آلاف الأرواح وتريليونات الدولارات"، ولذلك سيجري العمل على "إنهاء أطول حرب تخوضها أميركا في أفغانستان" المستمرة لنحو 20 عاماً، كما "سنضمن عدم عودة أفغانستان مرة ثانية لتصبح ملاذاً آمناً للإرهابيين وقاعدة لشن هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة".
ترك الانسحاب الأميركي فراغاً أمنياً سمح لـ"طالبان" بالتحرك سريعاً وأدى إلى تقهقر آلاف العناصر من الجيش الأفغاني؛ الذين تراهن عليهم أميركا للحفاظ على السيطرة الحكومية، "فقوة طالبان التي يبلغ قوامها حوالي 75 ألف مقاتل، لا تضاهي 300 ألف من قوات الأمن الأفغانية"، وفق تعبير بايدن.
الحرب الأميركية الأطول لا تختلف كثيراً عن حرب فيتنام، بحسب الصحافي الأميركي مايكل هيرش، الذي كتب في "فورين بوليسي" مقالاً طرح فيه بعض وجهات النظر الرسمية في بلاده والتي ترى في الانسحاب المفاجئ والتخلي عن الحكومة الأفغانية تشابهاً مع ما فعلته إدارة الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون بتهميشها الحكومة الفيتنامية الجنوبية في اتفاقيات باريس للسلام.
يبدو أن بايدن غلّب مصالح إدارته بالانسحاب سريعاً، فـ"مجرد عام إضافي من القتال في أفغانستان ليس حلاً، ولكنه سيؤدي إلى إطالة أمد القتال هناك إلى أجل غير مسمى"، وفق تصريحاته، وهو ما وصفه النائب الديمقراطي من ولاية فرجينيا جيري كونولي بأنه اعتراف رسمي بأن المشكلة في أفغانستان "لا تعنينا" بل المهم "تقليص الخسائر".
وتتوقع يعض تقديرات الاستخبارات الأميركية بأن الحكومة الأفغانية قد تسقط في يد "طالبان" بعد 6 أشهر من انسحاب القوات الأميركية، بالتزامن مع تحذير قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال أوستن سكوت ميلر من خطر وقوع حرب أهلية مع تدهور الوضع الأمني في البلاد، خاصةً مع تحقيق "طالبان" نتائج "مقلقة للغاية حتى وإن لم تكن غير متوقعة".
الانسحاب الأميركي يمرُّ في "الحزام والطريق"
يرى الكاتبان في مجلة "ذا أتلانتيك" ريتشارد فونتين وفانس سيرشوك أن الولايات المتحدة تريد بانسحابها من حروبها في الشرق الأوسط ووسط آسيا التفرّغ لمواجهة الصين في بحر الصين الجنوبي وشرق آسيا -وهي الحجة نفسها التي ساقتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما للانسحاب من العراق- حيث يعتقد أصحاب هذا الرأي أن الانسحاب "يمكن أن يحرر القدرات العسكرية المقيدة حالياً في أفغانستان، مما يسمح بإعادة نشرها في مسرح المحيطين الهندي والهادئ"، كما سيسمح الانسحاب بإتاحة المساحة أمام الدبلوماسيين والبيروقراطيين الأميركيين لتكريس المزيد من الاهتمام والوقت للصين، فضلاً عن "توفير أموال الحكومة.. لتمويل المبادرات التي تعزز مكانة أميركا في منافستها مع الصين".
"الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي" كان قد صرّح بأن "المنافس الوحيد الذي يحتمل أن يكون قادراً على الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتشكيل تحدٍ مستدام أمام نظام دولي مستقر ومفتوح" هو الصين، وهذا ما تعهدت واشنطن بمواجهته من خلال التعاون مع الشركاء والاستثمار في القطاع الصناعي وتقوية البنية التحتية لئلا "تأكل الصين غذاء الأميركيين"، حسب عبارات الرئيس الأميركي.
المفارقة هي أن انسحاب أميركا من أفغانستان قد يفتح الباب على مصراعيه لدخول الصين التي تطمح للاستثمار في إعادة بناء البنية التحتية في أفغانستان والتعاون مع كابول في مشروعها "الحزام والطريق"، فبكين تخطط لتمديد الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهو مشروع اقتصادي ضخم يضم عدداً من مشاريع البنى التحتية بقيمة 62 مليار دولار، ويعد جزءاً من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
وفي العام 2011، ربحت شركة البترول الوطنية الصينية عرضاً بقيمة 400 مليون دولار لاستخراج النفط من 3 حقول تحتوي نحو 87 مليون برميل نفط، لمدة 25 عاماً. كما نجحت الشركات الصينية بالتنقيب عن النحاس في مناجم قريبة من كابول، فضلاً عن بناء مطار على مقربة من إقليم شينجيانغ الصيني.
"طالبان" أعلنت، في الأيام الماضية، ترحيبها بالتعاون مع الصين في عملية إعادة إعمار البلاد "في أقرب وقتٍ ممكن"، وأشار المتحدث باسم الحركة سهيل شاهين إلى أنّ جماعته تعتبر الصين "صديقة لأفغانستان"، مؤكداً أن "طَالبان لن تسمح بعد الآن للمقاتلين الصينيين الإيغور الانفصاليين الذين لجأ بعضهم سابقاً إلى أفغانستان بدخول البلاد"، وهو ما يعدُّ رسالة تطمينية للصين التي تخشى من تعزيز سيطرة "طالبان" على أفغانستان لشوكة الإيغور.
تمتلك أفغانستان أكبر احتياطيات غير مستغلة في العالم من النحاس والفحم والحديد والغاز والكوبالت والزئبق والذهب والليثيوم والثوريوم، وتقدر قيمتها بأكثر من تريليون دولار أميركي، وهذا ما يجعل أفغانستان مركزاً مهماً لاستقطاب للاستثمارات الصينية وغيرها.
عرفت أفغانستان لزمن طويل باسم "مقبرة الامبراطوريات"، فعلى أرضها سالت دماء الغزاة المغول واليونانيين والبريطانيين والسوفيات، ومؤخراً دماء الأميركيين الذين سقط لهم أكثر من 2300 جندي وأصيب أكثر من 20 ألف. لكن هل تدخلها الصين هذه المرة بـ"طريق من حرير"؟