عبد الحميد بن باديس.. حياته وإنجازاته

العلّامة عبد الحميد بن باديس من أشهر مشايخ الجزائر وعلمائها ومناضليها ضدّ الاحتلال الفرنسي. وهو من رواد الحركة الإصلاحية والعلمية في الجزائر، ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
  • يصل نسب عاءلة الشيخ عبد الحميد باديس إلى الفاطميين

من هو عبد الحميد بن باديس؟

هو الشيخ والإمام عبد الحميد بن باديس، يتحدر من الأسرة الباديسية، وهي أسرة متدينة ولها مكانة مرموقة في مدينة قسنطينة في الجزائر، خرج منها الأمراء والعلماء. والده هو محمد المصطفى بن باديس، كان حافظاً للقرآن ومن أعيان المدينة. كما كان قاضياً وعضو المجلس الجزائري الأعلى. 

جده الأول هو مناد بن حميد بن باديس، الذي كان يسيطر ويقود قبيلة "ملكانية" المتفرعة من قبيلة "الصنهاجية" الأمازيغية المغاربية. 

يمتد نسب العلامة عبد الحميد بن باديس إلى الدولة الفاطمية، حيث تولى أحد أجداده الإمارة فيها، وهو أبو بن مناد المكني أبي الفتوح، الذي لقب بسيف العزيز بالله. 

من رجال أسرته المشهورين، المعز بن باديس، الذي أعلن انفصال الدولة الصنهاجية عن الدولة الفاطمية، وأعلن فيها مذهب أهل السنة والجماعة.

تعريف بالعلامة عبد الحميد بن باديس

  • الأمير عبد القادر الجزائري

كان العلّامة عبد الحميد بن باديس، زعيم حركة الإصلاح الإسلامي في الجزائر بين الحربين العالميتين. وفي الوقت الذي كان فيه سياسيون جزائريون بارزون يدافعون عن اندماج الجزائر مع فرنسا، دعا في العام 1936 إلى عقد مؤتمر إسلامي في الجزائر، لإفشال فكر الإندماج، كما شارك ضمن وفد المؤتمر الإسلامي المنعقد بباريس في تموز/يوليو من العام 1936.

في نيسان/أبريل من العام 1937، حاور لجنة البحث في البرلمان الفرنسي.  

في أب/أغسطس من العام 1937 دعا النواب لمقاطعة المجالس النيابية، كما دعا إلى مقاطعة الاحتفالات الفرنسية بمناسبة مرور قرن على استعمار الجزائر.

نُفي العديد من أجداده، بعد الإفراج عنهم من سجون الاحتلال الفرنسي، إلى بلاد الشام تحت رعاية الأمير عبد القادر الجزائري، توزعوا على عدة مناطق في لبنان وفلسطين وسوريا، والغالبية العظمى متواجدة في الأردن بمنطقة إربد في الأغوار الشمالية.

متى ولد الشيخ عبد الحميد بن باديس

ولد عبد الحميد بن باديس في الـ4 من كانون الأول/ديسمبر من العام 1889 ميلادي. الموافق في 11 ربيع الثاني من العام 1307 هجري، في مدينة قسنطينة شرق الجزائر.

هو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن المكي بن محمد كحول بن الحاج علي النوري بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات بن عبد الرحمن بن باديس الصنهاجي. 

إقرأ أيضاً: العربي بن مهيدي.. شهيد من الجزائر "كيّع" الاحتلال الفرنسي
 

عائلة العلّامة عبد الحميد بن باديس

كان أكبر أخوته، أمه زهيرة بنت محمد بن عبد الجليل بن جلول، تنتمي إلى أسرة عريقة في قسنطينة تتحدر أصول عائلتها من منطقة الأوراس. عندما تزوج بها والده حمد بن مصطفى بن باديس، كان مندوباً مالياً، وأحد أعضاء المجلس الأعلى وباش آغا.

كما عمل كمستشار بلدي في قسنطينة وحصل من فرنسا على وسام الشرف.

كانت لوالده مكانة مرموقة في منطقته، ويحفظ له أهل منطقة وادي الزناتي، دوره البارز في إنقاذهم من الإبادة الجماعية في الـ18 من أيار/مايو للعام 1945 م. كما كان تاجراً واشتغل كذلك في الفلاحة وأثرى في كل منهما. 

تأثر عبد الحميد بشخصية والده وأخلاقه، وقال في احتفال ختم تفسير القرآن الكريم في العام 1938، إن "الفضل يرجع أولاً إلى والدي الذي ربّاني تربية صالحة ووجهني وجهة صالحة، ورضي لي العلم طريقاً أتبعها ومشرباً أرده، وبراني كالسهم وحماني من المكاره صغيراً وكبيراً، وكفاني كلف الحياة... فلأشكرنك بلساني ولسانكم ما وسعني الشكر".

كان له 6 أخوة وهم الزبير، والعربي، وعبد المالك، ومحمود، وعبد الحق، ونفيسة، والبتول. 

التحصيل العلمي للشيخ عبد الحميد باديس

  • الشيخ عبد الحميد بن باديس (وسط) تابع تحصيله العلمي بجامع الزيتونة في تونس

تلقى بن باديس تعليمه الأول في علوم الدين واللغة في العام 1903 بمسقط رأسه في جامع "سيدي محمد النجار" على يد الشيخ حمدان الونيسي أحد علماء الجزائر آنذاك. 

حفظ القرآن الكريم وهو مازال في الـ13 من عمره، على يد الشيخ محمد بن المداسي أشهر مقرئ في قسنطينة.

في العام 1910، التحق بجامع الزيتونة في تونس، حيث أكمل تعليمه على يد خيرة العلماء، أمثال محمد النخلي القيرواني، ومحمد الخضر بن حسين، ومحمد الطاهر بن عاشور، وغيرهم.

في العام 1911، نال شهادة "التطويع العالمية" وكان ترتيبه الأول. 

تابع دراسته في تونس لمدة عام ليعود بعد ذلك للجزائر، وفي مسقط رأسه قسنطينة، باشر في الجامع الكبير بإلقاء سلسلة من الدروس حول كتاب "الشفا" للقاضي عياض، ثم ما لبثت أن منعته الإدارة الفرنسية من مواصلة إعطاء الدروس.

إقرأ أيضاً: لخضر بورقعة "رسول الثورة الجزائرية" على الميادين 

معلومات عن عبد الحميد بن باديس

  • الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ البشير الابراهيمي

في العام 1913 أدى فريضة الحج. خلال إقامته في المدينة المنورة، تعرف إلى أحد أبرز علماء الجزائر آنذاك الشيخ البشير الإبراهيمي، وأسسا "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين". 

كما التقى في المدينة المنورة أيضاً، بشيخه حمدان الونيسي وبمجموعة من كبار العلماء، وفي حضرتهم ألقى درساً بالحرم النبوي.

خلال إقامته بالمدينة، التي دامت 3 أشهر، عرض عليه الونيسي الإقامة الدائمة بالمدنية، لكنه أخذ بنصيحة الشيخ حسين أحمد الهندي، بضرورة العودة إلى الجزائر خدمة للدين وللغة العربية. 

في طريق عودته إلى الجزائر عرّج على مصر، حيث التقى مفتي الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعي، الذي كتب له بخط يده إجازة في دفتر إجازاته.

  • جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

إنجازات ونضال الشيخ عبد الحميد باديس

بعد وصوله إلى الجزائر، إتجه إلى العمل التربوي فأعطى دروساً للصغار ثم للكبار في المسجد.

في العام 1924، جمع بن باديس في قسنطينة مجموعة من الإصلاحيين لمناقشة الاستراتيجيات الإصلاحية. فأصدروا جريدة "المنتقد"، التي كان شعارها "الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء". 

كان للجريدة هدفين، هما تشجيع التجديد الداخلي للإسلام الجزائري وحمايته من أشكال الهجوم العديدة للاستعمار الفرنسي.

في العام 1925، بعد أن صادرت سلطات الاحتلال الفرنسي "المنتقد"، أصدر بن باديس جريدة "الشهاب" الأسبوعية. وظلت المطبوعة الرئيسة للإصلاحيين، حتى إغلاقها بداية الحرب العالمية الثانية. 

  • أسس العلّامة عبد الحميد بن باديس جريدة المنتقد وشعارها: الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء

في العام 1933، منعت السلطات الفرنسية بن باديس والإصلاحيين، من إلقاء الخطب في المساجد الرسمية.

في العام 1936، بلغت الحرب الدينية ذروتها مع اغتيال مفتي الجزائر.

مع استمرار تلك الحرب، بدأ بن باديس يميل أكثر فأكثر، إلى المناقشات السياسية في ذلك الوقت. 

ففي العام 1936، كتب أحد أشهر الليبراليين في الجزائر آنذاك، فرحات عباس يقول إن "فرنسا كانت وطني الأم، ولم يجد أي أثر في التاريخ أو في الوقت الحاضر لوطن جزائري". 

فردّ عليه بن باديس قائلاً "نحن أيضاً بحثنا في التاريخ والحاضر، وقررنا أن أمة جزائرية تشكلت ووُجدت على غرار جميع الأمم الأخرى. ولها وحدتها الدينية واللغوية، وثقافتها، وتقاليدها، وصفاتها الجيدة والسيئة مثل كل الأمم الأخرى على وجه الأرض (...) هذه الأمة الجزائرية المسلمة ليست فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تكون فرنسا". 

ولشدّة ارتباط اسمه لدى الجزائريين بالعلم، أعلنت السلطات الجزائرية، يوم وفاة العلامة بن باديس في الـ16 من نيسان/أبريل، "يوم العلم" تحتفل فيه سنوياً تخليداً لذكراه.

ألقاب العلامة عبد الحميد بن باديس

وصف عبد الحميد بن باديس بأنه محب للعلم، أُطلق عليه ألقاب عديدة أبرزها: المصلح الثوري، والشاعر الصحافي، والعالم المُفسر، والمعلم المربي، والكاتب السياسي.

وصف عبد الحميد بن باديس

كان الإمام محباً للعلم، حافظاً للقرآن الكريم وعمره لا يتجاوز الـ13 عاماً، معتزاً بنسبه ومناضلاً من أجل العروبة والإسلام. 

كما كان فقيهاً ومُفسراً للقرآن الكريم. وكان محباً للشعر وله العديد من الدواوين. 

وصف عبد الخميد بن باديس بأنه حليم ومتسامح، وعلى قدر شديد من التواضع. كما كان زاهداً في الدنيا، ومجتهداً يُحسن الاستفادة من الوقت. 

متى توفي عبد الحميد بن باديس 

توفي الإمام عَبد الحَميد بن بَاديس في الـ16 من نيسان/أبريل للعام 1940، في مدينة قسنطينة مسقط رأسه، ودفن فيها في مدافن "آل باديس". وحمل طلبة الجامع الأخضر جثمانه عصر اليوم التالي، وشيعوه في جنازة شارك فيها عشرات الآلاف، من جميع أنحاء الجزائر. 

كان من بينهم الشخصيات التي شاركت في التشييع، الشيخ العربي التبسي، الذي ألقى خطاباً تأبينياً، قال فيه: "لقد كان الشّيخ عبد الحميد بن باديس في جهاده وأعماله، هو الجزائر كلها.. فلتجتهد الجزائر بعد وفاته، أن تكون هي الشّيخ عَبد الحميد بن بَاديس".

كانت حياة عبد الحميد بن باديس مكرسة للعمل الإصلاحي، الذي هدف إلى إحياء الثقافة الإسلامية ورفع راية الإسلام في جزائر العروبة. 

أعمال عبد الحميد بن باديس

  • العلّامة عبد الحميد بن باديس.. ألف الرجال ولم يؤلف الكتب

لم يترك أي أعمال أو مؤلفات منشورة. ويقال فيه إنه "ألف الرجال ولم يؤلف الكتب". وما تركه من أعمال منشورة، جمعها تلاميذه، أهمها: "تفسير ابن باديس" طبعه في العام 1948 أحمد بوشمال. ثم طبعته وزارة الشؤون الدينية في الجزائر في العام 1982 تحت عنوان "مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير"، وأعادت الوزارة طباعته مرة أخرى في العام 1983، تحت عنوان "مجالس التذكير من حديث البشير النذير".

كما طبع له تلميذه محمد الصالح رمضان في العام 1963، كتاب "العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية"، وهو الكتاب الذي أعاد طباعته الشيخ محمد الحسن فضلاء في العام 1984. 

في العام 1966 طبع كل من توفيق شاهين ومحمد الصالح رمضان للعلامة بن باديس، كتاب "رجال السلف ونساؤه". ثم كتاب مبادئ الأصول الذي حققه ونشره الدكتور عمار طالبي في العام 1988.

ومن أعمال عبد الحميد بن باديس التي جُمعت ونُشرت بعد وفاته، مقالات وخطب ومحاضرات وقصائد شعر في عدة صحف منها، المنتقد، والشهاب، والنجاح، والشريعة المطهرة، والسنة المحمدية، والبصائر.

أقوال عبد الحميد بن باديس

  • تمثال الشيخ العلّامة عبد الحميد بن باديس

من بين أشهر أقواله:

"إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله إذا كانت لهم قوّة، وإذا كانت لهم جماعة منظّمة تفكّر وتدبّر و تتشاور وتتآثر، وتنهض لجلب المصلحة و لدفع المضرّة، متساندة في العمل عن فكر وعزيمة". 

"..اقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية، مجردة بلا نظر، جافة بلا حكمة، وراء أسوار من الألفاظ المختصرة، تُفنى الأعمار قبل الوصول إليها". 

" شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب.. من قال إنه حاد عن أصله أو قال إنه مات، فقط كذب".

المصدر: الميادين نت