طالبان تتقدم وأميركا تكمل انسحابها.. هل تعود أفغانستان إلى الحرب الأهلية؟
ما إن بدأت أميركا بسحب قواتها من أفغانستان، حتى شرعت حركة "طالبان" في التوسع والسيطرة على مناطق واسعة، وقاد عناصرها هجومات متعددة على قوات الجيش الأفغاني ومراكزه. وفي كثير من المناطق، ترك الجنود الأفغان مراكزهم وهربوا.
تقول الحركة، اليوم الجمعة، إنها باتت تسيطر على 85% من أراضي البلاد، وإنها تتمدد في كل الاتجاهات، وسيطرت على عدد من المعابر الحدودية الاستراتيجية، وباتت تسيطر على ثلثي الشريط الحدودي مع طاجيكستان (شمال شرق)، كما سيطرت على أهم معبرين حدوديين مع إيران (غرب)، هما معبر "إسلام قلعة" و"أبو نصر فراهي"، كما سيطرت، بحسب وسائل إعلام تركمانستانية، على مدينة تورغندي على الحدود مع تركمانستان.
ونشرت "طالبان"، اليوم، مشاهد تظهر سيطرتها على أكبر قاعدة عسكرية في إقليم زابول.
وتزامناً مع كل المعارك على الأرض، ومع استكمال القوات الأميركية انسحابها من البلاد، تنشط حركة سياسية إقليمية غير مسبوقة، في محاولة لإعادة الاستقرار إلى أفغانستان، وعدم تطور الأمور إلى حرب أهلية في البلاد.
أهم هذه التحركات تقوم بها إيران، التي استضافت أمس الخميس وفدين يمثلان الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان". وبعد انتهاء اللقاء، أصدر الطرفان بياناً مشتركاً شكرا فيه الجهود الإيرانية، وأكّدا أن الحرب "ليست الحل للمشكلة الأفغانية، ويجب بذل كل الجهود للتوصّل إلى حل سياسي".
روسيا أيضاً تستضيف وفداً من حركة "طالبان" في مسعى لاستئناف المفاوضات بين الأطراف الأفغانية ودفع الاتفاق إلى سلام مستدام في البلاد، ولكن الوضع أثار الكثير من المخاوف الإقليمية والدولية حول مستقبل البلد الآسيوي الذي عانى الحروب والاحتلال على مدى العقدين الماضيين. وقد يؤدي تفجر الوضع فيه إلى حرب أهلية منهكة تطال آثارها دول الإقليم.
الوضع الميداني يتعقد.. والكفة تميل لمصلحة "طالبان"
يوضح الباحث الأفغاني عبد الجبار بهير أن حركة "طالبان" باتت تتواجد اليوم في 85% من الولايات الأفغانية، وتتحكم حتى الاَن في 132 مديرية في كل أفغانستان، نتيجة الاستسلام والاتفاقيات، وليس عبر الحرب.
وعن تطورات الساعات الأخيرة، كشف بهير، في حديث إلى "الميادين نت"، أن "طالبان" أسقطت 6 مديريات الخميس في غرب البلاد وشمالها وجنوبها، وأهمها في ولاية هيرات، كبرى المدن الإفغانية، بعد كابول المحاذية للحدود الإيرانية، وفي مديرية قادس ومدينة قلعة ناو ومركز ولاية بادغيس التي تقع في شمال غربي أفغانستان، وهي مجاورة لإيران، كما أنها اَخر مديرية سقطت في يد "طالبان".
وتابع: "لا تزال هناك اشتباكات بين الحكومة وطالبان، وهناك مزيد من الجنود في الجيش الأفغاني يستسلمون. واليوم، استسلم اثنان من مجلس الشورى في ولاية بادغيس". وأشار إلى أنَّ "طالبان" باتت تسيطر بشكل كامل على ولايتين في شمال البلاد، هما ولاية تخار وولاية واخان على الحدود مع طاجيكستان، التي يبلغ طولها أكثر من 1000 كيلومتر.
كما أكد الصحافي الباكستاني عبد الله نادر، في تصريح إلى الميادين نت من إسلام أباد، أن الاشتباكات لم تتوقف بين "طالبان" والجيش الأفغاني، وهي تتصاعد في مدينة بدخشان قندوز، كبرى مدن شمال شرقي أفغانستان المحاذية لطاجيكستان، وكشف أن الحركة سيطرت على معبر "شير خان" على الحدود مع طاجيكستان، الذي يربط أفغانستان ببقية آسيا الوسطى وكل المعابر الحدودية الأخرى.
الحرب الأهلية وأفق تصاعد الاشتباكات
وحول عودة الحرب الأهلية، يقول عبد الجبار بهير إنَّ هناك مخاوف جدية من عودة حكم "طالبان". وقد بدأ منذ أيام أعضاء من مجالس شورى الولايات يدعون إلى تسليح الشعب وتأسيس حشد شعبي وطني، وطالبت الحكومة الشعب بأن يساندها في مواجهة الحركة.
يؤكّد الصحافي الباكستاني عبد الله نادر وجود هذه المخاوف لدى أطياف كثيرة من الشعب الأفغاني، وينقل أن الكثير من الأفغانيين، رجالاً ونساء، وخصوصاً في المناطق الشمالية والغربية، يسعون للتسلح، وخصوصاً بعد دعوة الحكومة الشعب إلى دعمها.
ويكشف الصحافي الباكستاني أن هذا التسليح يساهم في تشكيله أحمد شاه مسعود (القائد من أصول طاجيكية، والذي أسس تحالف الشمال 1996) في مقاطعة بنشير، مسقط رأسه، والتي يملك فيها نفوذاً مسلحاً، كما يساهم في ذلك عبد الرشيد دستم (الزعيم الطاجيكي) في مزار شريف وبادغيس وجوجان.
أما عن مآلات الصراع وتطوره، فيعتبر الباحث عبد الجبار بهير أن "طالبان لن تدخل كابول، لأن اتفاق الدوحة يضم بنوداً سرية تم الاتفاق عليها بين طالبان وأميركا بقيادة زلماي خليل زاده، تتضمن أن لا تدخل الحركة العاصمة كابول، علماً أنه لا يوجد بند علني بهذا الأمر ضمن الاتفاق. واليوم، تطالب طالبان بالعودة إلى اتفاق الدوحة بشكل جدي".
ويعتقد بهير أن انسحاب القوات الأميركية بهذه السرعة من دون تنسيق مع الحكومة الأفغانية هو نتيجة توافق "طالبان" مع أميركا؛ فهناك اتفاقيات سرية بينهما لحفظ الاستقرار لم تعلن بعد.
خطر عودة التطرف
من جهتها، تؤكد "طالبان" أنها لن تشكل خطراً على جيرانها في الإقليم وتحاول طمأنتهم. وقد أكد وفد الحركة الذي زار موسكو أنها "ملتزمة بعدم انتهاك فصائلها المسلحة حدود دول آسيا الوسطى.. فضلاً عن تقديم ضمانات بتأمين البعثات الدبلوماسية والقنصلية للدول الأجنبية وسلامتها في أراضي أفغانستان".
الباحث عبد الجبار بهير يستبعد وجود تهديد أمني من قبل "طالبان" على دول الجوار، وخصوصاً الصين وإيران وباكستان، ويقول: "أصدرت طالبان سابقاً بياناً ذكرت فيه أنها لن تسمح بوجود عناصر أجنبية ضمن صفوفها"، ويكشف أن تنظيم "داعش أصبح ألد أعداء الحركة، وهناك اشتباكات وقعت بينهم".
ويضيف: "طالبان تصف أعضاء داعش بأنهم خوارج، وتعتبر أن التنظيم ليس له وجود بشكل علني".