الحكومة الإسرائيلية الجديدة و"النووي" الإيراني: تعزيز التنسيق مع واشنطن هو الحل
بقي الملف النووي الإيراني متصدّراً جدول الاهتمام في "إسرائيل"، ولاسيما مع تزايد الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق يقضي بعودة الولايات المتحدة الأميركية إلى الاتفاق النووي الموقَّع بين إيران والدول العظمى في عام 2015. وظهر هذا الاهتمام في المواقف التي أطلقها وزير الأمن، بني غانتس، ورئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، الفريق أفيف كوخافي، خلال زيارته واشنطن، والتي تضمنّت تحذيرات من أن "إسرائيل" لن تقف مكتوفة اليدين إزاء الخطر الوجودي الذي يُحْدِق بها. وعلى الرغم من الحديث في "إسرائيل" عن قرب عودة الولايات المتحدة الأميركية إلى الاتفاق النووي مع إيران، قإن تقارير إسرائيلية أفادت بأنه توجد صعوبة في "إسرائيل" في تقدير ما إذا كانت إيران قريبة من التوقيع على اتفاق نووي جديد، أو أنها تسير نحو "مزيد من التطرّف" بعد انتخاب السيد إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً لها.
وفي استثمار للأزمة الإيرانية في الشأن الداخلي الإسرائيلي، اتَّهم رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة نفتالي بينِت، ووزير الخارجية يائير لابيد، بأنهما تعهّداً للأميركيين التزامَ سياسةِ "لا مفاجآت" في الموضوع الإيراني، لافتاً إلى أن "هذا التعهّد يُلحق ضرراً خطيراً بصُلب أمننا القومي".
كلام نتنياهو قوبل بانتقادات مضادة، واتُّهِم بأنه يتصرّف على نحو غير مسؤول، ويضحي بالمصالح القومية من أجل احتياجاته السياسية، وهو "على دراية تامة بالضرر الذي يتسبب به"، فهو يعلم بأن مبدأ "صفر مفاجآت" هو واحد من أقدم المبادئ الأساسية في العلاقات الإسرائيلية – الأميركية.
زيارة كوخافي
يُنهي رئيس هيئة الأركان العامّة في الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، اليوم، زيارة رسمية لواشنطن، بدأت منذ السبت الماضي؛ زيارة وصفتها محافل أمنية إسرائيلية بالناجحة.
جولة لقاءات كوخافي في واشنطن، اختُتمت بلقائه مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك ساليفان، الذي عرض أمامه العِبَر من معركة "حارس الأسوار"، ومسارات التسوية، والفشل في المحادثات بين "حماس" ومصر. ونقل معلّقون عن كوخافي قوله لـ "ساليفان"، إنه "يوجد احتمال معقول لمواجهة عسكرية أخرى في قطاع غزة قريباً". وشارك في اللقاء أيضاً سفير "إسرائيل" في الأمم المتحدة جلعاد إردان. وأفاد المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن اللقاء تناول سُبُل منع إيران من تطوير قدرات نووية عسكرية، والتمركز الإيراني في الشرق الأوسط، وإخفاقات الاتفاق النووي الحالي. والتقى كوخافي، بخصوص هذا الموضوع، أيضاً، رئيسَ وكالة الاستخبارات الأميركية (الـ CIA) بيل برنس ومديرة الاستخبارات القومية إفريل هاينس.
وبحسب تقارير إسرائيلية، أوضح كوخافي، أمام المسؤولين الأميركيين، أن "إسرائيل" تحضّر الخطط العسكرية للعمل في غزة، وأنّها لا تستبعد استخدامها حتى في حال العودة إلى الاتفاق.
وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الطلب الأساس لكوخافي، في المجال النووي، تمحور حول تمديد فترة الاتفاق إلى ما بعد العام 2030.
وسبق اجتماع كوخافي – ساليفان، اجتماع عمل مطوَّل بين كوخافي والسفير أردان، تناول النووي الإيرانيّ، ومنع التمركز الإيراني في سوريا، والصواريخ الدقيقة في لبنان.
وتحدّث أردان "عن الحاجة إلى تعزيز تفويض قوة اليونيفيل"، كجزء من مواجهة حزب الله في لبنان.
التنسيق الأميركي - الإسرائيلي
يشير عدد من التقارير الإسرائيلية إلى تزايد في مستوى التنسيق الأميركي – الإسرائيلي بشأن عدّة ملفات.
وكشفت تقارير أن واشنطن و"تل أبيب" أجرتا محادثات بشأن التعاون ضدّ المسيّرات الإيرانيّة.
وقال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون كبار إن مجموعة عمل مشتركة اجتمعت، قبل ثلاثة أسابيع - للمرّة الأولى -، للبحث في الموضوع.
وفي هذا الإطار، اقترح الوفد الإسرائيلي استغلال نقل "إسرائيل" إلى مسؤولية قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، لبدء تعاون بين واشنطن و"تل أبيب"، ودول عربية، تواجه تهديدات من إيران. ويتوقّع المسؤولون حدوث لقاءات أخرى في ضوء ارتفاع منسوب القلق الأميركي من الهجمات بواسطة مسيّرات وصواريخ مجنّحة ضدّ القوات الأميركية في العراق تحديداً، وضد حلفائها في الشرق الأوسط عموماً.
وفي هذا السياق، ذكر معلّقون أن سلسلة لقاءات بين مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى ونظرائهم الأميركيين، في الأيام المقبلة، تشير إلى تغيير الاتجاه عن فترة الحكومة السابقة (حكومة نتنياهو)، التي رفضت، على نحو جارف، العودة إلى الاتفاق.
ونقل المعلقون عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى قولهم إن "الحكومة الجديدة تعمل للتأثير في إدارة بايدن عبر محادثات هادئة".
أجهزة الاستخبارات: ثلاثة تقديرات
على الرغم من الحديث في "إسرائيل" عن قرب عودة الولايات المتحدة الأميركية إلى الاتفاق النووي مع إيران، أفادت تقارير إسرائيلية بأنه توجد صعوبة في "إسرائيل" في تقدير إذا كانت إيران والقوى العظمى قريبة من التوقيع على اتفاق نووي جديد، أو أن انتخاب السيد إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً لإيران يشير إلى "تطرف في المواقف الإيرانية"، على نحو يؤدي إلى انفجار المفاوضات.
وفي هذا الإطار، بلورت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، في الآونة الأخيرة، ثلاثة تقديرات متعددة (ومتباينة) إزاء مستقبل هذه المفاوضات، هي:
التقدير الأول: إيران معنية بالتوقيع على اتفاق، لكنها تنتظر تولي رئيسي منصبه، مطلع شهر آب/أغسطس المقبل، من أجل أن يتمكن من كسب رصيد عبر هذه الخطوة، ويحصل على "شرعية دولية".
التقدير الثاني: المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى قريبة من الانفجار، و"تعيين" رئيسي يدلّ على نية إيرانية في وضع "مطالب متطرفة" في المفاوضات، لا يرغب المجتمع الدولي في الاستجابة لها.
التقدير الثالث: إيران ستُبطئ، بصورة متعمّدة، وتيرة المفاوضات مع القوى الكبرى، على نحو يؤدي إلى المراوحة في المحادثات، عدة أشهر. وخلال هذه الفترة، تقوم بتسريع جهودها من أجل تحقيق أهداف جوهرية في المجال النووي، لتستخدمها رافعةَ ضغط في المفاوضات. ويحظى هذا السيناريو بتأييد شخصيات في المجتمع الدولي، تحذّر من "مناورة تضليل إيرانية".
وفي سياق ذي صلة، قدرّت جهات استخبارية في "إسرائيل" أن رئيسي سيتبنّى، بحرارة، الخط الذي سيُمليه مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي في كل ما يتعلق بالاتفاق النووي، والتمدد الإيراني في أنحاء الشرق الأوسط (غرب آسيا).
وأضافت تقارير إسرائيلية أن التقدير في "إسرائيل" هو أن الرئيس المنتخَب، السيد إبراهيم رئيسي، سيدعم خط "حرس الثورة"، و"سيساعد، بالوسائل القتالية وبالمال، أذرع إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن وقطاع غزة".
وقالت "مصادر رفيعة المستوى في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية" إنه، في ظل نيّة الإدارة الأميركية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، لا مناص لـ"إسرائيل" من "حثّ الإعدادات لعملية عسكرية هجومية على المنشآت النووية في إيران"، الأمر الذي يفرض على الحكومة الجديدة تخصيص ميزانية ملائمة وموارد للجيش الإسرائيلي.
سجال بشأن سياسة "صفر مفاجآت"
في ظل تسارع وتيرة المفاوضات بين طهران وواشنطن، للعودة إلى الاتفاق النووي، وجَّه رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي السابق، ورئيس المعارضة الحالي، بنيامين نتنياهو، انتقادات شديدة إلى رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينِت، ووزير الخارجية يائير لابيد، على خلفية تصريحاتهما بخصوص الملف الإيراني. واتهم نتنياهو، خلال جلسة المعسكر اليميني المؤيّد له، في الكنيست، لابيد، بأنه أبلغ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بأن الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بينِت، تتعهَّد سياسة "بلا مفاجآت" في الموضوع الإيراني. ووصف نتنياهو هذا التعهد بأنه "يُلحق ضرراً خطيراً بصُلب أمننا القومي".
وأضاف نتنياهو أن "رئيس الحكومة الفعلي، يائير لابيد، تنازل عن مبدأ مقدَّس بأمننا واستقلالنا"، وتباهى بأنه طوال 15 عاماً، تولى فيها رئاسة الحكومة، طولب مراراً من جانب الأميركيين بمنح تعهّد كهذا، إلاّ أنه "رفض ذلك دائماً".
ورد لابيد على أقوال نتنياهو، بالقول إن "القسم الأول من الجملة ليس صحيحاً، والجزء الثاني لن يحدث. وأشكر رئيس المعارضة على نصيحته. ومن هنا نواصل".
وعقّب غانتس على أقوال نتنياهو، قائلاً إن "استخدام رئيس الحكومة السابق محادثات مغلقة مع حليفتنا الأقرب، من أجل أغراض سياسية – حزبية، محرج وخطير. وكوزير أمن، أؤكد أن إسرائيل ستواصل الاحتفاظ بحقها في الدفاع عن نفسها ضد أيّ تهديد، وفي أيّ مكان".
ورداً على اتهامات نتنياهو أيضاً، قال مسؤول إسرائيلي رفيع إن "نتنياهو يتصرف على نحو غير مسؤول، ويضحّي بالمصالح القومية من أجل احتياجاته السياسية". وأضاف أن "نتنياهو يدرك جيداً أهمية التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهو على دراية تامة بالضرر الذي يتسبب به".
ونقلت تقارير إعلامية، عن مسؤول إسرائيلي آخر، قوله إن البيت الأبيض يرى أن تصريحات نتنياهو "إساءة متعمّدة"، وهي "ببساطة، استخدام يدعو إلى السخرية من المعرفة السياسية التي يمتلكها".
وتابع معلّقون إسرائيليون السجال بين نتنياهو وأعضاء الائتلاف الحكومي، ورأوا أن نتنياهو ، في محاولته تقويضَ شرعية الحكومة الجديدة، لا يتردّد في نسف جهود الحكومة في إقامة علاقة عمل قوية بإدارة بايدن.
ورأى معلّقون أن مبدأ "صفر مفاجآت" هو واحد من أقدم المبادئ الأساسية في العلاقات الإسرائيلية - الأميركية.
وخلال إدارة باراك أوباما، كانت "إسرائيل" (في عهد نتنياهو) هي من طالب بالعودة إلى سياسة "عدم المفاجأة".
وذكّر معلقون نتنياهو بأنه هو، نفسه، دعا إلى توقيع معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الأمر الذي كان من شأنه أن يمنع أي عمل عسكري مستقل من جانب "إسرائيل".
وذكّروا نتنياهو أيضاً بأنه هو، نفسه، وافق على إعطاء روسيا (وليس الولايات المتحدة الأميركية) تحذيرات مسبَّقة بشأن أنشطة سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا.
وأضافوا أنه، في هذا الصدد، لم يطرأ أي تغيير من جانب "حكومة بينِت – لابيد"، ونتنياهو يدرك ذلك جيداً.
ولفت هؤلاء إلى أن "إسرائيل" تعمل، بصورة مشتركة، وبالتنسيق ما أمكن مع الأميركيين، و"لا يمكن أن تحلّق طائرة لسلاح الجو هنا، وتصل إلى نقطة في الشرق الأوسط، من دون علم الأميركيين".
وأضافوا أنه، على الرغم من أن إسرائيل تحتفظ لنفسها بالقدرة على تنفيذ أمور لا يُحبّها الأميركيون، فإن هذا الأمر لا يعني "أنهم ليسوا في دائرة العلم بها".
وخلص معلّقون إلى أنه لا يوجد شيء اسمه "مفاجأة الأميركيين"، فهذا المصطلح غير موجود، تقريباً.