بالونات غزة الحارقة تُحرق إنجازات "حارس الأسوار"
مرّت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة نفتالي بينت، أمس الثلاثاء، في اختبارها الأمني الأول، وذلك في ضوء مشهدين احتلا جدول الأعمال الإسرائيلي، وحدّدا وجهة النقاش العام. الأول ما يُسمّى "مسيرة الأعلام" في القدس المحتلة، عصر الثلاثاء، وما رافقها من إرباك. والثاني هو الحرائق التي خلّفتها بالونات غزة الحارقة، والتي أعادت إلى الواجهة الحديث عن معضلة قطاع غزة، وهذه المرّة من بوابة نتائج "حارس الأسوار"، وأيضاً كون أحداث أمس شكلت محطة للتحذير من خطورة تثبيت معادلة الربط بين القدس وغزة، والخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته "إسرائيل" في هذا المجال.
وقبل أن يستقرّ رئيس الحكومة الجديد على كرسيّه، كانت البالونات الحارقة تضعه أمام استحقاق مواقفه الحربجيّة السابقة. مواقف سرعان ما أعاد معارضوه نبشها من الأرشيف، ورميها في وجهه. وفي السياق، أُعيد طرح أسئلة وتقديرات بشأن سياسة بينت الجديدة، في ضوء عدّة محدّدات، بدءاً بمواقفه السابقة، مروراً بالسقوف العالية التي حدّدتها الحكومة المنصرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، وانتهاءً بالائتلاف الحكومي المّعقّد التركيب، والذي يترأّسه بينت.
بالونات غزة.. امتحان بينت الأول
شكَّلت الأحداث الأخيرة في القدس المحتلة، وعند الحدود مع قطاع غزة، في رأي طائفة من الخبراء والمعلقين، الاختبارَ العمليّ الأول لحكومة نفتالي بينت، ولاسيّما في ضوء مواقف الأخير الحربجية السابقة إزاء قطاع غزة وحركة "حماس". وفي هذا السياق، جرى استحضار مواقف بينت، التي طلب فيها سابقاً الضرب بيد من حديد في قطاع غزة، وتغيير السياسة الأمنية الرخوة المُتَّبَعة.
كما سُجِّلت مطالبات من جهات وأوساط متعددة، وُجِّهت إلى بينت من أجل الإيفاء بتعهداته السابقة. وجرى استحضار ما روج له الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية والأمنية بشأن تغيير المعادلة في قطاع غزة بعد "حارس الأسوار". وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن العيون الإسرائيلية، وخصوصاً سكان منطقة "الغلاف"، شاخصة نحو ردّ الحكومة على ما مرّ عليهم أمس من حرائق وقلق من تهديدات حركة "حماس"، بحيث يتمحور التحدّي المقبل للقيادة السياسية الأمنية الإسرائيلية - بحسب "يديعوت أحرونوت" - حول وقوف المؤسسة الأمنية خلف موقفها القاضي بأن"ما كان قبل العملية ليس كما بعدها".
خبراء: خسرنا حرب الوعي
هاجس حرب الوعي والنقاش بشأنها حضرا أيضاً في طيات النقاش، سياسياً وإعلامياً، في ضوء "مسيرة الأعلام" وبالونات غزة الحارقة.
ويرى تيار واسع من السياسيين والخبراء والمعلقين، أن "مسيرة الأعلام" وضعت "إسرائيل" أمام معضلة. فـ"من جهة، لا يُعقل أن تكون إسرائيل رهينة لحركة حماس"، ومن جهة ثانية، فإنّ آخر ما ينقص حكومة "بينت - لبيد" الوليدة، هو تصعيد خطِر مع قطاع غزة.
وفي النقاش بشأن مسألة الردع، الذي شكّل تحقيقه أحد أهم أهداف عدوان "حارس الأسوار"، رأى رئيس معهد الأمن القومي، اللواء احتياط عاموس يدلين، أن "إسرائيل" انتصرت في المعركة العسكرية، لكنها لم تنتصر في المعركة على الوعي. وأضاف أن أحداث الثلاثاء أثبتت فشل "إسرائيل" في تحقيق الردع، إذ باتت حركة "حماس" تُمْلي جدول الأعمال الإسرائيلي في القدس، واستطاعت تثبيت معادلة القدس - غزة. وتابع يدلين أن "حارس الأسوار" ردعت "حماس" جزئيّاً، وأن ما جرى هو "اختبار أوليّ للإنجازات عند كِلا الطرفيْن". ورأى يدلين أن "حماس" حقّقت إنجازات سياسية تمثّلت بقدرتها على التأثير فيما يجري في القدس المحتلة، وفي أوساط فلسطينيي الـ48.
وحيال معدلة القدس في مقابل غزة، أشار رئيس لجنة الخارجية والأمن، عضو الكنيست، رام بن باراك، إلى أن "إسرائيل" ارتكبت خطأً استراتيجياً كبيراً عندما قبِلت بالربط بين القدس وقطاع غزة.
المُعضلة المتجدّدة
الحرائق التي التهمت مساحات واسعة من حقول مستوطنات محيط قطاع غزة، بفعل البالونات الحارقة أو المتفجّرة من القطاع، أعادت طرح معضلة قطاع غزة والنقاش العام بشأنها، هذه المرّة، من بوابة عملية "حارس الأسوار"، والحكومة الجديدة برئاسة نفتالي بينت. وفي السياق، تجدّد طرح السؤال بشأن حقيقة نجاح "حارس الأسوار" في تحقيق أهدافها، وتعهّدات المؤسّستين السياسية والأمنية، بشأن أن "ما كان قبل العملية ليس كما بعدها".
النقطة المركزية التي أثارها معلّقون، في طيات النقاش المتجدّد بشأن معضلة غزة، تمحورت حول فشل تحويل الإنجازات العسكرية للعملية، وفق ما يُروَّج لها في المؤسستين السياسية والأمنية، إلى إنجاز سياسي جليّ. وهذا ما أثبتت أحداث أمس عكسه.
وفي هذا السياق، أشار محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "معاريف"، طال ليف رام، إلى أن انشغال "إسرائيل" بمسألة ما إذا كانت "حماس" ستنفّذ تهديداتها، ونشرَها الواسع لقبب حديدية، وإجراءَ تغييرات في حركة الطائرات للهبوط في مطار بن غوريون، كلها أمور تُشير إلى أن "العملية انتهت من دون أن تثمر إنجازاً سياسياً جلياً".
ولفت ليف رام إلى أن الفجوة بين الإنجازات العملانية التي ينسبها الجيش الإسرائيلي إلى العملية الأخيرة، وترجمة ذلك إلى انجاز سياسي، هي النقطة المركزية في تحقيقات الجيش الإسرائيلي التي تُجرى في هذه الأيام، استعداداً لجولة إضافية، يرتفع احتمال وقوعها قريباً.
من جهة ثانية، أشار معلّق الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن "العنف الذي انتهجته حماس يضع حكومة إسرائيل الجديدة أمام معضلة" تتلخص في السقوف العالية التي وضعتها الحكومة المنصرفة برئاسة بنيامين نتنياهو بعد "حارس الأسوار"، الأمر الذي سيحشر بينت في الزاوية.