سيرورة الأحزاب السياسية في إيران.. قبل "الثورة" وبعدها

قبل الثورة الإسلامية في إيران وبعدها، أحزاب كثيرة برزت في الساحة السياسية، بعضها حُلّ في عهد الشاه، وأخرى بعد الثورة بسبب عدم مواءمة أهدافها معها. بينما استمدت أحزاب جديدة شرعيتها من روح الثورة.
  • سيرورة الأحزاب السياسية في إيران.. قبل "الثورة" وبعدها

الأحزاب الإيرانية قبل الثورة

تتّسم الأحزاب في إيران بخلفية تاريخية ليست بالهيّنة، ولو أن البدايات لم تكن حزبية بالمعنى والتشكيل الفعليَّين للأحزاب، إذ كانت أُولى بداياتها في زمن حكم القاجاريين، بحيث نشأ تكتُّلان كبيران يُدعيان "الاعتداليين" و"الاجتماعيين الديمقراطيين"، حاولا آنذاك قلب الحكم الملكي إلى حكم جمهوري، عبر نهضة ما يُسمى "الثورة الدستورية"، التي مضى عليها قرابة قرن من الزمن. 

لكن هذه النهضة لم تكن الوحيدة. فمنذ الاستعمار البريطاني، نشأ حزب "توده"، أي "حزب الجماهير"، وكان يساريَّ التوجُّه، ماركسيَّ الفكر، سعى أيضاً، في سياق مسار التكتلين المذكورين آنفاً، لمواجهة الملكية، لكنّ الشاه بهلوي الثاني اعتبر هذا الحزب غير قانوني بعد انقلاب 19 آب/أغسطس 1953. 

غير أن "توده" استعاد فعاليته بعد الثورة، لكنه لم يستمرَّ بسبب تغلغل الجواسيس فيه، وثبوت تُهَم التجسس عليهم ومقاضاتهم. وحُلَّ الحزب فيما بعد في عام 1978. وبالرغم من كل الظروف التي اعترضته، فإن بعض المنظِّرين الإيرانيين يرون أن "توده"  يجسِّد تجربة حزبية بنّاءة، ويمثّل حزباً منسجماً في المرحلة التي سبقت قيام الثورة.

في المقلب الآخر، حاول الشاه بهلوي الثاني، بعد انقلاب 19 آب/أغسطس 1953، خلق أحزاب تكون تحت رقابته، فدعم فكرة وجود حزبي "الشعب" و"إيران الجديدة" ، اللذين ادَّعيا أنهما حزبان متواجهان ومتباينان سياسياً، لكنهما كانا يعملان في إطار دعم مشروعية النظام السلطوي الملكي للشاه. إلاّ أن الشاه اتَّخذ قرار حلّ جميع الأحزاب والمجموعات، دُفعةً واحدة، وقرَّر إنشاء حزب شمولي يكون تحت الرقابة والسيطرة.المباشِرتين منه 

تأسس، نتيجة لقرار الشاه، حزب "رستاخيز" (وتعني القيام، لكنه متعارف عليه كحزب البعث الإيراني)، في عام 1975، بقرار مباشِر من الشاه. وأعلن أنّ على أيّ فرد لا يملك مقوّمات الانضمام إلى الحزب، أخذَ واحد من خِيارين: إمّا أن يترك البلاد، وإمّا أن يلتزم عدمَ معارضة الحزب.

تطوُّر الأحزاب الإيرانية خلال الثورة

خلال عامَيْ 1978 و1979، كانت الفعاليات الحزبية تتمّ في الخفاء. وكان يجمع هذه الأحزاب، على اختلافها، معاداتُها نظامَ الشاه، وسعيُها للتخلص منه.

عند انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وفي السنوات الأولى لقيام نظام الجمهورية الإسلامية،  تشكَّل كثير من الأحزاب، وأُعيد تفعيل بعض الأحزاب المتشكّلة سابقاً، كحزب "توده"، مع احترام تعدّد خلفياتها الأيديولوجية، فمنها الماركسية والاشتراكية والقومية والدينية الوطنية والليبرالية والثورية. واستطاعت البروز في الساحة السياسية الإيرانية، والقيام بفعالياتها السياسية والاجتماعية جهاراً بعد إطاحة نظام الشاه.

بين عامَي 1979 و1982، وفي إثر ظهور الأحزاب المتعددة بكثرة، ونتيجة العوامل والتحولات السياسية التي حدثت في البلاد، وخصوصاً الحرب المفروضة من جانب العراق خلال حُكم نظام صدام حسين، خسرت أحزاب كثيرة مكانتها، سياسياً واجتماعياً. ففي بداية الثورة، كانت بعض الأحزاب تسعى، عبر نشر بياناتها ومواقفها، لأن تجد لنفسها موقعاً في السلطة، لكن تدوين الدستور الوطني للبلاد، وإقراره (بين 2 شباط/فبراير 1981 و8حزيران/يونيو 1981)، ونصّه على أن تراعي الأحزاب أهدافاً وقوانين لا تتعارض مع الجمهورية الإسلامية، بدَّدت مشاريع بعض الأحزاب التي لم تتأقلم مع الوضع الدستوري الجديد، وساهمت في حلّها نهائياً.

في عام 1979، ومن أجل إنشاء تكتّل يحوي الوجوه والقوى الثورية في الجمعيات واللجان الوطنية، نشأ حزب "الجمهورية الإسلامية". وعلى الرَّغم من أن هذا الحزب استطاع أن يَبرز في مقابل الأحزاب الأخرى آنذاك، وخصوصاً خلال فترة الانتخابات الرئاسية الثانية بعد الثورة، وفي مجلس الشورى، فإنه لم يستطع استكمال مساره، ولا برنامجه الذي وضعه رئيسه الشهيد السيد محمد بهشتى، وذلك بعد استشهاده مع 72 من رفقائه في مقر الحزب في إثر تفجير عبوّة وضعها أحد الجواسيس، ممّن ينتمون إلى منظمة "مجاهدي خلق".  هذا الاغتيال، الذي حدث في 28 حزيران/يونيو 1981، كان له أثرٌ كبير في نشوء خلافات بين أعضاء الحزب، وفي انحلاله عام 1987. وفيما بعد، تشكل من أعضاء هذا الحزب تجمُّع العلماء المجاهدين.

أمّا في عام 1982، وبسبب النزاعات التي جرت بين الأحزاب، شهدت الساحة السياسية في إيران تعطيلاً للعمل الحزبي.

وسيطر على عنصر تشكيل الأحزاب، في الأعوام التي تلت، ابتداءً من عام 1985، انقسامٌ ضمن تيّارَي الأصوليين والإصلاحيين. لكن ظهرت، فيما بعدُ، تجمُّعاتٌ حزبية، مثل "جبهة المشاركة" ، و"جمعية مجاهدي الثورة الإسلامية"،  التي كانت بعيدة بعض الشيء عن الأجواء السائدة، وخلقت ظاهرة جديدة في السياق السياسي الإيراني، إلاّ أنها لم تستمرَّ، وانحلّت بعد أحداث انتخابات عام 2009.

لكن، بعد عام 2009، عادت وظهرت أحزاب بعيدة عن قطبية الإصلاحيين - الأصوليين، تسمي نفسها "المستقلين المعتدلين".