الانتخابات الرئاسية.. الدولة السورية في قلوب أهالي الحسكة
على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على انقضاء الانتخابات الرئاسية في سوريا، فإن المشاهدات الحية لإقبال سكان الحسكة على المراكز الانتخابية، على الرغم من محدودية سيطرة الدولة السورية على تلك البقعة الجغرافية، تعطي مؤشرات واضحة على الحاضنة الشعبية الواسعة، والتي تُجمع على أن عودة الدولة السورية إلى تلك المناطق هي خيار واضح لأغلبية سكان المنطقة.
عبّر مشهد إقبال الأهالي، ونسبة لافتة منهم من كبار السن، على المراكز الانتخابية، عن حقيقة مفادها أن الدولة السورية تعيش في قلوب السكان هناك، على الرغم من أنها غائبة سيادياً عنهم، في ظل وجود الاحتلالين الأميركي والتركي، في صورة غير شرعية، وعلى نحو منتهِك لسيادة البلاد.
ولعل المشاركة الواسعة لأهالي رأس العين، المحتلة من الأتراك، وتأكيدَ شيوخ العشائر الموجودين في مدينة الحسكة، تلقِّيَ اتصالات كثيرة من أهالي هذه المدينة، للتعبير عن فرحتهم بفوز الرئيس بشار الأسد، يُعطيان موقفاً واضحاً عن الضغط والظلم اللّذين يتعرض لهما السكان على أيدي الأتراك والفصائل التابعة لهم، وعن رغبة واضحة لدى السكان أيضاً في عودة قريبة للسيادة السورية الرسمية إلى مدينتهم، ورؤية العلم السوري يرفرف فوق مبانيها الرسمية.
وربما، لا شيء يدفع الأهالي إلى التوافد إلى المراكز الانتخابية، وقطع مسافات تجاوز بعضها عشرات الكيلومترات، سوى للتأكيد أنهم مع خيار عودة الدولة السورية إلى مناطقهم، ورفض الواقع القائم، والوجود غير الشرعي للاحتلال في الجزيرة السورية.
الحسكة آخر المناطق التي وصلت إليها الحرب
وشهد يعض المراكز، في صورة خاصة، وصول كثيرين من الأهالي، ممّن لم يزوروا مناطق سيطرة الحكومة، منذ سنوات، وكانوا يحملون الأعلام الوطنية، للتعبير عن اشتياق شعبي إلى عودة رمز السيادة الرسمية، متمثّلاً بالعلم السوري، مرفوعاً في مناطقهم.
ويعبّر هذا الأمر عن أن أغلبية السكان كانت مع خيار الدولة منذ البداية، والدليل على ذلك أن الحسكة هي آخر المناطق التي وصلت إليها الحرب، في نهاية عام 2012، على الرغم من سقوط مناطق واسعة في أيدي المسلّحين في محافظتي الرقة ودير الزور المجاورتين.
لا تبدو كل تلك المعطيات وليدة اللحظة، وإنما نتيجة تراكمات وتجارب قاسية عاشها بعض سكان الجزيرة السورية، من خلال تعاقُب التنظيمات الإرهابية، من "النصرة" و"داعش"، وصولاً إلى سيطرة "قسد"، التي لم تستطع تثبيت حالة الاستقرار، في ظل انتشار الفوضى في جزء واسع من الأرياف.
كما أن منع "قسد" تدريسَ المناهج الحكومية، وفرضَها التجنيد الإجباري على السكان، ومنعَهم من توريد محاصيلهم الزراعية إلى المراكز الحكومية، وغيابَ الخدمات، من مياه وكهرباء، وانعدام أيّ دعم لتعويض السكان عن الدمار الذي حلّ في ممتلكاتهم، وتمكينهم من استعادة العافية اقتصادياً وأمنياً، كلها عوامل خلقت يقيناً لدى الأهالي مفاده أن لا بديل عن الدولة السورية.
دعم العشائر خِيارَ الدولة
يُضاف إلى ذلك، استمرار دعم الزعامات العشائرية، من شيوخ قبائل وعشائر، لخِيار الدولة السورية، طَوال السنوات العَشْر من الحرب. وهذا الأمر جعل إمكان "صُنع" شيوخ ووجهاء جدد، أمراً غير مقبول شعبياً، وخلقَ ردّات فعل ذلا مفعول عكسي، ارتدّت على كل الجهات التي حاولت الاستثمار في الورقة العشائرية.
ويدعم ذلك الأمر استمرارَ دعم الكنائس والكاتدرائيات المسيحية، الستّ الموجودة في المحافظة، لسيادة الدولة السورية، ومشاركتَها الفعّالة في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، إلى جانب مشاركة صامتة لكثيرين من الكرد السوريين، الأمر الذي يجسّد إجماعاً شعبياً مهماً على خيار الولاء للدولة السورية، من جانب كلّ مكونات الحسكة، للتعبير عن تأييد الدولة السورية، في كل أنشطتها واستحقاقاتها.
الحضور الشعبي الواسع للدولة السورية
ويحظى الرئيس بشار الأسد بحاضنة شعبية واسعة لدى السكان في هذه المنطقة، وهو ما بدا واضحاً من خلال احتفاظ كثيرين من السكان بصوره، ورفعها فور انتشار الجيش السوري في أرياف الحسكة الشمالية والغربية، وتعرّضهم للاعتقال لاحقاً من عناصر "قسد". كما تَظَهَّر ولاؤهم للدولة السورية من خلال إقبالهم الكثيف أيضاً على صناديق الاقتراع، لتأكيد هذا الخِيار.
وعليه، فإن الانتخابات الرئاسية كشفت، على نحو واضح، الحضور الشعبي الواسع للدولة السورية، وتمسك أهلها الجليّ بضرورة عودة الدولة السورية إلى هذه المناطق، مع وجود مزاج شعبي يريد إنجاز تسوية سياسية تتم عبر تفاهمات مع "قسد"، بهدف عودة سلمية وآمنة للسيادة الوطنية للدولة السورية إلى منطقة استراتيجية واقتصادية مهمة.