إرباك إسرائيلي كبير بعد الإذعان لإلغاء مسيرة الأعلام.. ما أبعاد تراجع سلطات الاحتلال؟

ألغى الاحتلال مسيرة الأعلام التي كان سينظمها المستوطنون في القدس المحتلة، جاء ذلك عقب تحذيرات المقاومة الفلسطينية من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، الأمر الذي سبّب إرباكاً في "إسرائيل"، ونكسة نفسية عبّر عنها ممثلو اليمين بسبب الرضوخ لشروط المقاومة.
  • "تل أبيب" ترضخ لتحذيرات المقاومة من إعادة الأوضاع إلى ما قبل المعركة الأخيرة، فما هي معادلة الردع الجديدة؟

للمرة الأولى يتجاوز الإسرائيليون التقويم العبري، بحيث أرادوا تنظيم مَسيرة أعلام بديلة عن تلك التي أطاحتها "سيف القدس". لكن البديل سقط أيضاً، وسقطت معه معادلات عمّرت طويلاً.

لم يكتمل الاحتفال بما يُسمى يومَ "توحيد القدس" لدى المستوطنين، فصواريخ المقاومة قطعت احتفالاتهم، ليظهر بُعدٌ جديد لمَسيرة الاعلام الجديدة الاستفزازية؛ بُعدٌ مرتبط بتحذيرات المقاومة، وبالخشية الإسرائيلية منها، الأمر الذي أجبر سلطات الاحتلال الإسرائيلي على اتخاذ قرار بإلغائها.

القرار الإسرائيلي جاء بعد تحذير واضح للمقاومة، كرَّرته غرفتها المشتركة، محذّرة "تل أبيب" من العودة إلى ما قبل المعركة الأخيرة.

رسالة المقاومة التحذيرية وصلت إلى "تل أبيب"، وفهمتها جيداً. فالمعادلة باتت واضحة: أيّ محاولة إسرائيلية لتجسيد وقائع جديدة في القدس المحتلة، ستفتح "سيف قدس" جديدة، ولاسيما أن للمسيرة الجديدة بُعداً استفزازياً من خلال مرورها في باب العامود نحو حائط البراق، وسط خشية إسرائيلية من أن يؤدي ذلك إلى مواجهات مع المقدسيين.

إلى جانب المواجهة المسلحة، كان للمقاومة الشعبية في الداخل المحتل واستمرارها وثباتها، مساهمةٌ أساسية في النكسة الإسرائيلية، من اللد المحتلة إلى الشيخ الجراح والمسجد الأقصى مروراً بالضفة.

نكسة كرست فلسطينيي الـ48 لاعباً محورياً بقوة ثورتهم الشعبية، التي أبرزت أهمية خيار المواجهة الموحَّد. وجاءت هذه النكسة بالرغم من حلف التطبيع وانحياز الغرب إعلامياً وسياسياً إلى الاحتلال، وهو ما عمّق انكسار "إسرائيل" المثقلة بانقسامها على نفسها.

عضو المجلس الثوري في حركة فتح محمد اللحام، أكد أن "تكامل العمل الوطني الفلسطيني أرعب الاحتلال الإسرائيلي".

وقال للميادين إن "هناك ارباك بالتأكيد وخوف وقلق على الجانب الإسرائيلي"، موضحاً أن "جميع من هم في الاحتلال هم على أقصى اليمين".

وشدد اللحام على أنه "علينا التمسك بالوحدة الوطنية لنواصل الصعمود والتصدي للمخططات الإسرائيلية"، مشيراً إلى أنه "يجب أن يكون هناك استدامة في المواجهة في الضفة الغربية لهذه الهستيريا في منظومة الاحتلال".

واعتبر أنه "يجب أن نتفق لو بالحد الأدنى في حوارات القاهرة القادمة على برنامج وطني كفاحي يتلائم مع هذا الصعود الوطني الفلسطيني".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

من جهته، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في بلغاريا محمد أبو عاصي، قال إنه "لا أحد يستطيع إنكار النصر الفلسطيني الذي تحقق بفعل المقاومة مدعومة بانتفاضة الداخل".

أبو عاصي أوضح للميادين، أن "دول التطبيع تحاول تخفيف الإرباك الإسرائيلي في الداخل"، معتبراً أنه "خلال حوالي 30 سنة من المفاوضات لم نحقق ما حققته 11 يوم معركة سيف القدس". 

وأكد أن "الشعب الفلسطيني خاض معركته وحيداً بعيداً عن أي موقف عربي داعم، الدعم الوحيد الذي تلقاه الشعب الفلسطيني هو فقط من محور المقاومة"، منوهاً إلى أن "تهديدات المقاومة لم تكن تهديدات جوفاء، حيث أن المقاومة كانت تحدد الساعة التي ستقصف بها، فأصبح الاحتلال يحسب ألف حساب لتهديداتها".

وقال أبو عاصي، إنه "نحن نقف الآن أمام مفترق طرق، وعلينا أن نستمر بهذا النهج، وأن يواجه أي اعتداء على الأقصى والقدس بخطوات عملية"، لافتاً إلى أن "الأزمة الداخلية الإسرائيلية كانت موجودة قبل سيف القدس لكنها تكشفت خلال المعركة".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

بدوره، الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني ابراهيم المدهون، اعتبر أن "الإرباك في الداخل الإسرائيلي ناتج عن شعوره بهزيمة تتسع دائرتها"، منوهاً إلى هذه الهزيمة "ليست فقط أمام النخب والخبرات الإسرائلية أيضاً على صعيد الشارع والجمهور الإسرائيلي الذي بات يدرك أنه في تآكل".

وقال للميادين، إن "تهديدات المقاومة جدية بشأن الرد على أي اعتداء إسرائيلي على القدس"، مشيراً إلى أن "هناك منحنى متصاعد للمقاومة وللشعب الفلسطيني يقابله منحنى هبوط في الشارع الإسرائيلي مما استدعى تدخل الولايات المتحدة".

وشدد المدهون على أن "المقاومة وسعت من دائرة نفوذها لتشمل الضفة وغزة والأراضي المحتلة والقدس لتقول للاحتلال أن أي اعتداء سيدفع ثمنه".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

علامات استفهام سياسية إسرائيلية أُثيرت بشأن توقيت هذه المسيرة وهدفها، وحذّر وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي غابي اشكنازي رئيسَ حكومته بنيامين نتنياهو من "انفجار الأوضاع" في محيط المسجد الأقصى، مطالباً بمناقشة "الوضع الحساس في القدس" المحتلة.

بدوره، رأى رئيس الحكومة السابق ايهود باراك أن وراء المسيرة "محاولةً لإشعال العنف مرة أخرى في توقيت حساس".

بينما اتهمت أوساط إسرائيلية اليمين الإسرائيلي، وعلى رأسه نتنياهو، بالسعي لتوتير الأوضاع في القدس المحتلة من أجل إفشال حكومة الائتلاف التي شكلّها نفتالي بنيت ويائير لابيد.

لكن رهان نتنياهو فشل بعد دفع المؤسستين الأمنية والعسكرية في اتجاه إلغاء المسيرة، لا لكونها تستهدف تحقيق مصلحته الشخصية فقط، بل ربطاً أساساً بالتهديدات الصادرة عن فصائل المقاومة، والتي من شأن الاستجابة الإسرائيلية لها أن تؤدي عملياً إلى ترسيخ معادلة غزة – القدس.

وأججت معركة "سيف القدس" الخلافات في الساحة الإسرائيلية، وأثارت موجة انتقادات واسعة طالت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تحديداً، فأجمع خصومه، من اليمين واليسار، على تشكيل حكومة لا تضمه ولا تحمل صبغة يمينية خالصة، الأمر الذي يضع مستقبل نتنياهو السياسي على المحك، وهو ما دفعه إلى التهديد بإسقاط الحكومة سريعاً، واصفا إياها بحكومة "اليسار المتطرفة الخطيرة، والمستندة إلى داعمي الإرهاب".

 

 

وكان لمعركة "سيف القدس" أن تكون معركة الوعي العابرة لقطاع غزة إلى كامل الأراضي الفلسطينية، وأنتجت تحولات كبيرة لدى الاحتلال.

أبرزها، تأجيل المحكمة العليا الإسرائيلية جلسة النطق بقرارها في قضية إجلاء عائلات فلسطينية عن بيوتها في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، ثم إزالة السلطات الإسرائيلية الحواجز العسكرية في ساحة باب العامود، والتي كانت سبباً في انتفاضة المقدسيين الأخيرة.

كذلك، تأجيل مناورة "مركبات النار" لمدة سنة، لتمكين الجيش الإسرائيلي من استيعاب العِبَر من المعركة الأخيرة، وفق رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي.

كل ذلك يترافق مع هجرة ملحوظة لعائلات يهودية من مدن أراضي الـ 48، كشاهد حيّ على هشاشة الجبهة الإسرائيلية الداخلية.

 

المصدر: الميادين