"الشاباك" في بيان استثنائي: التحريض الداخلي تجاوز الحدّ.. توقّفوا قبل فوات الأوان

نال تعليق نتنياهو على بيان "الشاباك"، وعدم أخذه موقفا حاسماً ضدّ التحريض على السياسيين في "حكومة التغيير" المتبلورة، حصة وافرة من الانتقادات، من أوساط سياسية واعلامية عديدة.
  • تنياهو يتحدث خلال حفل في القدس المحتلة (أ ف ب).

التحذيرات الاستثنائية التي أطلقها رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيليِّ "الشاباك" نداف أرغمان، من حدوث اغتيالات سياسية بين الإسرائيليين، جراّء ازدياد التطرّف في النقاش الداخلي، وقعت على آذان صاغية في "إسرائيل"، وحجزت صدارة الاهتمام في النقاش الإسرائيلي العام، كما انها تفاعلاتها تجاوزت المؤسستين السياسية والأمنية، ووصلت إلى جهات رفيعة في أوساط المتدينين.  

المضمون والدلالات الخطرة التي تضمنها بيان أرغمان، وصدوره عن  أهم جهاز أمني ذي صلة، وعن مسؤول من خارج الصراع السياسي القائم، كلّها اعتبارات أعطت زخماً إضافياً للنقاش الاعلامي الذي أُثير حوله.

الأصداء التي أحدثها تحذير أرغمان، التقت بأصداء البيان الهام الذي صدر عن كبار حاخامات الصهيونية الدينية، ودعوا فيه الى "فعل كل شيء" لمنع وقيام "حكومة التغيير"، وقرأ فيه كُثر تحريضاً على تنفيذ اغتيالات سياسية في صفوف اليمين المنتمي إلى "حكومة التغيير".

وفي سياق الزوبعة الاعلامية المُثارة أجرى معلقون ومحللون قراءة في تداعيات ودلالات تحذيرات أرغمان وبيان الحاخامات، كما توقفت وسائل إعلام وصحف عند دلالات ورسائل السجال السياسي الرفيع المستوى الذي اندلع على خلفية بيان الشاباك" وأجواء التحريض، وشارك فيه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، من جهة، ووزير الأمن ورئيس "حكومة التغيير" المرتقبة نفتالي بينت من جهة ثانية.  

الشاباك يُنذر: التحريض الداخلي تجاوز الحدّ

أن يُصدر رئيس "الشاباك" (جهاز الأمن العام الإسرائيلي)، نداف أرغمان، تحذيرات علنيّة على من يعنيهم الأمر، فهذا ليس أمراً مألوفاً في "إسرائيل"، وعليه فإن كل من تطرّق الى البيان من مختلف الاوساط عدّ البيان استثنائياً في الشكل المضمون والسياق.  

وقبل خروج يوم السبت اليهودي (السبت الماضي)، أصدر أرغمان، بياناً ضمّنه تحذيرات من "تزايد التطرّف الخطر في الخطاب العنيف والمحرّض"، بما في ذلك "دعوات إلى عنفٍ واستهدافٍ جسدي". كما  أن "هذا الخطاب يمكن أن يُفسّر لدى مجموعاتٍ معينة، أو أفراد، بأنه يبيح أنشطة عنف وغير قانونية، يمكن أن تؤدي إلى حدّ سفك الدماء". و طلب أرغمان مساعدة مُنتَخبي الجمهور وقادة الرأي العام ورجال الدين والمربّين والمواطنين "للخروج بدعوة واضحة وحازمة لوقف الخطاب التحريضي والعنيف فورًا". 

وتنبع أهمية بيان التحذير هذا من عوامل عديدة:

· من توقيته، حيث لفت معلّقون إلى أن تصريح أرغمان استثنائي جداً، ويجب الانتباه إلى أن رئيس الشاباك لم ينتظر خروج السبت لنشر البيان، الذي وضعه في مركز الحديث الجماهيري للقول كفى للتحريض وللحديث العنيف على وسائل التواصل الاجتماعي.  

· من شكله، كونه صدر عن رئيس أهم جهاز أمني ذي صلة، وعن مسؤول نادر التوجّه إلى الرأي العام، والجهة المسؤولة عن أمن الشخصيات الرفيعة.

· من سياقه، الفترة الماضية شهدت اتساعاً لظاهرة التحذيرات الصادرة عن أساط سياسية وغير سياسية من عواقب انتشار خطاب الكراهية والتحريض، وخلال الأسبوع الماضي وجد أعضاء كنيست، سيّما من حزب "يمينا"، أنفسهم عُرضة لهجومٍ عنيفٍ تضمّن: تهديدات على حياتهم، تخويف وسلسلة من الشتائم. هذه التهديدات تُنشر عبر  التظاهرات التي تُقام خارج منازلهم، تنديداً بمشاركتهم في "حكومة التغيير" و أيضًا، تُنشر على الشبكات الاجتماعية. حيث تحوّلت هذه الشبكات -بحسب معلقين- الى أرض خصبة لخطاب التحريض على العنف.

· من مضمونه، تعاطت معه مختلف الأوساط بمنتهى الجدية، حيث عدتّه معظم الأوساط مضموناً خطيراً، و "راية حمراء" صادرة عن جهة مهنيّة موثوقة، كما أنه برأي البعض صرخة "استفيقوا قبل فوات الأوان"، فالبيان جاء واضحاً وصريحاً ومباشراً، والأهم أنه تضمّن مطالبة بالتوقّف وتغيير وجهة السفينة فوراً، وأنه دعا الجميع إلى التعاون والمساعدة لوقف هذا التطرّف في الخطاب، لا سيما التحريض على القتل على خلفية سياسية.

أرغمان لم يكتفِ بتحذيرات علنية، حيث أفادت تقارير إعلامية أن الشاباك نقل إلى الشرطة الاسرائيلية مؤخرًا معلومات وطلبات التعامل مع أشخاص حرّضوا على العنف على خلفية سياسية. وحسب قول المصادر، فإن جزء من الإنذارات تناول أيضًا دعوة للاستهداف الجسدي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. 

المتدينون يتدخلون لمنع قيام حكومة "بينت – لبيد"

على الرغم من خطورة التحذيرات التي أطلقها رئيس الشاباك، وطلبه مساعدة الجميع للجم التحريض، أصدر كبار حاخامات الصهيونية الدينية، بعد ساعات من صدور بيان "الشاباك"، بيانًا مُلزماً دعوا فيه أنصارهم "إلى فعل كل شيء كيلا تقوم حكومة كهذه (حكومة بينت – لبيد)". البيان، الذي صدر تحت عنوان "دعوة حاخامات إسرائيل"، ورد فيه أن "هذه الحكومة (المتشكّلة) تعارض كلياً إرادة الشعب مثلما تجلّت بصورة حاسمة في الانتخابات الأخيرة".

وغداة البلبلة التي أثارتها عبارة "فعل كل شيء" لمنع حكومة التغيير، أصدر الحاخام حاييم دروكمان (أحد أبرز الموقعين على بيان الحاخامات) توضيحاً يطلب فيه "تهدئة الجميع"، زاعماً أن ليس في الدعوة تحريض، وأضاف: "لا يخطر على البال أن الأمر يتعلق بعنفٍ ما – سواء كان عنفاً جسدياً أو كلامياً – بل بطريقة ديمقراطية يمكن فعل كل ما هو ممكن من أجل منع إقامة هذه الحكومة".

النقاش الإعلامي: نتنياهو لم بتعلم الدرس

تمحوّر التعامل الإعلامي حول بيان أهمية تحذيرات "الشاباك" ومهنيته ودلالاته، كونها تحذيرات لم تأت من فراغ، بل في سياقها الطبيعي في ظل موجهات التحريض وخطاب الكراهية والتخوين المستشري في "إسرائيل"، لا سيما على خلفية الأزمة السياسية، وتوقع تشكيل حكومة  تبقي نتنياهو خارجاً. 

ونال تعليق نتنياهو على بيان "الشاباك"، وعدم أخذه موقفا حاسماً ضدّ التحريض على السياسيين في "حكومة التغيير" المتبلورة، حصة وافرة من الانتقادات، من أوساط سياسية واعلامية عديدة.

واتهمت صحيفة هآرتس في افتتاحيتها اليوم، نتنياهو بأنه، من خلال أقواله أثناء اجتماع كتلة حزب الليكود في الكنيست، الأحد، أعطى ضوءاً أخضر لمؤيديه للاستمرار في التحريض والتخوين، الذي قد يؤدي إلى القتل على خلفية سياسية، وأضافت هآرتس أن نتنياهو لم يتعلّم الدرس من اغتيال رئيس الحكومة الأسبق، يتسحاق رابين، في العام 1995، في أعقاب حملة تحريض واسعة شارك فيها بنفسه، مع بعض الحاخامات من المؤسسة الدينية.

وأشار معلّقون الى أن تحذير أرغمان لا تهمّ نتنياهو المنشغل بقضاياه الشخصية، والذي قد يفعل أي شيء للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة. وجاء في افتتاحية هآرتس أن تحذير أرغمان "يهم نتنياهو مثلما تهمه قشرة ثوم".

ولفت المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنيَع إلى أن الرسالة المستفادة من تغريدة نتنياهو في موقع تويتر، أول من أمس، والتي اقتبسها من التوراة وشبّه فيها رئيس حزب يميناً نتفالي بينت وشريكته آياليت شاكيد بالجواسيس، هي أن أعضاء الكنيست من كتلة يميناً، الذين على وشك التصويت لصالح حكومة التغيير هم جواسيس. خونة. مصيرهم الموت، مثل الجواسيس في قصص التوراة تماماً. وأضاف برنيَع أن هذه الأجواء تذكرهم بالضبط بما حدث عشية مقتل رابين بعد توقيع اتفاقات أوسلو. وطرح برنيَع سؤالاً حول انعكاس خطاب التحريض الذي يقوده نتنياهو والمتدينون ضد "حكومة التغيير"، على شاب مغسول الدماغ، وكيف سيُفسِّر ذلك الشاب مناشير الحاخامات يوم السبت، ويخلص إلى أن نتنياهو لم يتعلم شيئا من اغتيال رابين.

المصدر: الميادين نت