محافظات ومدن من إيران.. مزيج بين التّاريخ العريق والثقافة والحضارة
تنقسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى 31 محافظة، لكلّ منها عاصمتها الخاصة، وكلّ منها أيضاً ينقسم إلى عدّة مقاطعات ونواحي، كما إلى عدة قرى، ما جعل كلّ محافظة من تلك المحافظات تتمتّع بمميزات تاريخية وثقافية وسياحيّة وصناعيّة خاصة بها، إضافةً إلى احتوائها العديد من المعالم الأثرية، أُدرج 24 منها في قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) "لمواقع التّراث العالمي."
وفيما يلي سنعرض لمحة عن أبرز المحافظات والمدن في إيران:
محافظة "طهران": أكبر محافظات البلاد
تعدّ محافظة طهران، مركز عاصمة إيران، من أكبر المحافظات في البلاد، وهي المنطقة الأكثر كثافة من حيث السكّان، إذ يبلغ عدد سكانها أكثر من 13 مليون نسمة، ويعيش فيها قوميات عديدة من مختلف أرجاء إيران.
كما يتركّز في مدينة طهران، والّتي اتخذت عاصمة لإيران في العهد القاجاري (قبل حوالى 200 عام)، ما يفوق نصف صناعات البلاد الأساسية مثل الصناعات الكهربائية، والنسيج، والسيارات، والاسمنت، والكيميائيات وغيرها، إضافة إلى احتوائها العديد من المسارح، والمدارس، والجامعات، والحدائق والمتاحف.
أمّا من الناحية السياحية، فيعتبر "برج ميلاد" من أبرز المعالم السياحيّة في المدينة لكونه أعلى برج في إيران، إذ يبلغ طوله 435 متراً. البرج افتُتح عام 2008، وشيّد لعدة أغراض، أهمّها تقوية البث الإذاعي والتلفزيوني، وتحسين خدمتي الاتصالات والإنترنت، كما يضم البرج شبكة اتصالات ومطاعم وفندق من فئة 5 نجوم.
إضافةً لبرج ميلاد، يقع في طهران "متحف العصر الإسلامي"، وهو أحد المتاحف الوطنية الإيرانية الموجودة في متحف إيران القديمة ويتكون من 3 طوابق. يضم الطابقان الأوّل والثاني من المتحف الإسلامي 7 قاعات، تتكون قاعات الطابق الأول من "القرآن"، و"التيمورية"، و"الصفوية" و"القاجرية"، وتتكون قاعات الطابق الثاني من "صدر الإسلام" و"السلاجقة" و"الإلخانية"، حيث يضم المتحف 170 عرضًا مع 1500 قطعة تاريخية مرتبة وفقًا للجداول الزمنية التاريخية.
محافظة "خراسان رضوي" الغنيّة بالمزارات الجاذبة للسيّاح
هي واحدة من المحافظات التي تم إنشاؤها بعد تقسيم مقاطعة "خراسان" عام 2004 إلى 3 محافظات، ويبلغ عدد سكّانها 6 ملايين نسمة. هذه المحافظة اكتسبت أهمية كبيرة منذ استشهاد الإمام الرضا (الإمام الثّامن عند الطائفة الشيعية) في مدينة "طوس" الّتي تعرف اليوم بـ "مشهد"، حيث يتوجه في كل عام مئات الألوف من السّائحين، من مختلف نقاط إيران والعالم إلی مشهد، مركز المحافظة، لزيارة مقام الإمام الرضا.
هذا وتضمّ خراسان أيضاً مدينة "نيشابور" الّتي تأسست في أواسط القرن الثالث عشر، وكانت تعدّ من أشهر مراكز الثقافة والتجارة والعمران على مرّ التاريخ إلى عصرنا هذا.
فتمتاز نيشابور بصناعة الفخار، كمهنة تداولتها الأجيال منذ القرن التاسع والعاشر ولحد الآن، ما جعل متاحف متروبوليتان ومشهد عامرين بفنون وآثار هذه المدينة، وخصوصاً الأعمال الخزفية والفخارية، كما تشتهر بنوعٍ خاص من الفيروز يسمّى "بالنيشبوري"، إضافةً لاشتهارها بصناعة السجاد والبسط، ما جعلها تحمل عدّة ألقاب، منها ممرّ الشّرق وأمّ البلاد ومدينة الفيروز.
من النّاحية السياحية والثقافية، يقع في "نيشابور" العديد من المزارات لشخصيات بارزة في التّاريخ، مثل مقبرة الفيلسوف والشاعر عمر الخيام، وقبر الرسام والفنان کمال الملك، وقبر الصوفي والأديب فريد الدين عطار النيشبوري صاحب منطق الطّير.
محافظة "فارس" ذات الأهميّة الاستراتيجيّة والثقافيّة
تضمّ محافظة فارس أحد أكبر حقول الغاز الطّبيعي في العالم، والمعروف بحقل فارس الجنوبي، وتتشارك فيه إيران وقطر في الخليج بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IEA)، ويحوي الحقل حوالى 140 مليون متر مكعب من الغاز، أي 8% من الاحتياطي الدولي.
من جهة ثانية، تعرف هذه المحافظة أيضاً بالصناعات اليدوية المتنوعة مثل حياكة السجاد، والطنفسة، وتطعيم الخشب والنحت والرسم عليه، إلى جانب الصناعات الخزفية، والفسيفساء، وزخرفة القاشاني بالألوان السبعة، والرسم على الفخار وما إلى هنالك.
وتعتبر مدينة شيراز، مركز المحافظة، والّتي يعود تاريخها إلى عصور ما قبل الميلاد، العاصمة الثقافية لإيران، لاحتوائها العديد من المعالم التاريخيّة والثقافيّة العريقة مثل معلم تخت جمشيد الأثري.
بالإضافة إلى احتوائها مقبرتي الشاعرين سعدي وحافظ الشيرازي وجامع وكيل التاريخي، ومسجد نصير الملك الذي شُيد عام 1293 هـ، والذي يتميّز بهندسية فريدة من نوعها من الدّاخل.
"قم": مركز أهمّ الحوزات العلمية
اكتسبت محافظة قمّ مكانتها المهمّة بين المحافظات الإيرانيّة لاعتبارها مركز دراسات الطلاب ورجال الدين، إذ تحتوي أهمّ الحوزات العلميّة لتدريس العلوم الدينية وهي حوزة قم العلمية، كما تتميّز بأماكنها السياحية المقدسة لدى الطّائفة الشيعية مثل مقام السيّدة معصومة أخت الإمام الرّضا، ومسجد جمكران المنسوب للإمام المهدي.
محافظة "خوزستان" وآثارها القديمة والفريدة
تكتسب محافظة خوزستان، الّتي يعتبر أغلب سكانها من أصول عربيّة، أهميّة كبيرة لموقعها الجغرافي الفريد والمنقسم بين مناطق جبلية ومناطق سهليّة ومناطق زراعيّة، فهي تغطّي مرتفعات "زاغرس" شمالاً، ومن الجهة الجنوبية الشرقية تعتبر امتداداً لسهل بلاد ما بين النهرين، كما يجري فيها نهر "كارون"، أطول الأنهر الإيرانية و أكثرها ماءً.
فيما تعد مدينة "أهواز"، مركز المحافظة، من أهمّ المدن استراتيجياً وجغرافياً في خوزستان، وذلك لموقعها المطلّ على الخليج العربي، وكذلك لاحتوائها على مخزونٍ هام من النفط.
غير أنّها مليئة أيضاً بالمعالم السياحيّة والأثريّة، ومن أبرز تلك المعالم منشآت مياه "شوشتر" أيّ المنطقة ذات المياه الوفيرة، وهي تقع في الجهة الجنوبية الغربية من إيران، تحديداً على هضبة صغيرة الحجم عند التقاء نهر "كارون" بأحد روافده الثانوية، وهي مدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو.
هياكل المياه في شوشتر هي مجموعة ضخمة من الهياكل المختلفة الّتي تشمل السدود والأنفاق والقنوات الجانبية وطواحين المياه وأبراج المراقبة. معًا، تشكل هذه الهياكل مجمعا صناعيا اقتصاديا مترابطا. يوجد سد كبير يسمى سد ميزان يغلق النهر ويرفع منسوب المياه.
"أصفهان نصف العالم"
تسمّى مدينة أصفهان، وهي مركز العاصمة، بـ "أصفهان نصف جيهان" أي "أصفهان نصف العالم"، ذلك لأنّها ذات تراث حضاريّ وإنسانيّ عريقين، إذ تحتوي المدينة على العديد من الأسواق والمعالم التراثيّة الصامدة عبر التاريخ، الأمر الّذي جعل اسمها يدرج ضمن لائحة مدن التراث العالمي من قبل منظمة اليونيسكو.
كما تشتهر أصفهان بالهندسة المعمارية الإسلامية الجميلة، والجسور المتنوعة والمساجد والمآذن الفريدة من نوعها. وعلى سبيل المثال نذكر مسجد الإمام الّذي يعدّ من روائع العمارة الإيرانية، والذي تتجسد فيه أعمال الزخرفة بأنواع القاشاني والنحت على الأحجار وعظمة القبة وارتفاع مآذنه.
أمّا جسر شهرستان في أصفهان، فيعدّ بناءه مستمداً من نماذج رومانية، ويربط الجسر قرية شهرستان في الجانب الشمالي بالمنطقة الزراعية على الضفة الجنوبية. وله دعامات ضخمة لحماية العوّامات من السيول الناتجة عن نهر زايَنديه، وهناك صدّادات وضعت بشكل معين لتمنع حدوث الدوامات التي تتسبّب بتآكلٍ في البناء.
"أذربيجان الشرقية": الجسر بين أوروبا وإيران عبر غرب آسيا
مركز المحافظة هي مدينة تبريز التاريخية، ثالث أكبر المدن في إيران، والّتي تعدّ أيضاً من أهمّ المدن ثقافياً وسياسياً وتجارياً داخل المحافظة، كما تعتبر الجسر بين أوروبا وإيران عبر غرب آسيا، وصاحبة العدد الأكبر من أبناء المكوّن التركي الأذاريّ في إيران.
وتكتسب أهميّة من بين المدن الإيرانية باعتبارها منطقة اقتصادية حيوية تشتهر بصناعة الإسمنت وتجميع السّيارات والماكينات، وأيضاً بصناعة السجّاد العجمي والمكسّرات.
علاوةً على ذلك، تُعتبر المدينة من أبرز وأكمل الأمثلة للنظام التجاري والثقافي التقليدي في إيران، حيث تمثّل مجموعة البازار التاريخي في تبريز، والتي تعتبر مجالاً للتبادل الثقافي منذ العصور القديمة، أحد أهمّ المراكز التجارية الواقعة على امتداد طريق الحرير والمدرج اسمه في لائحة التراث العالمي لليونيسكو.
وقد شهدت هذه المجموعة، التي تتألف من سلسلة من الأمكنة المسورة والأبنية المغطاة بالطوب المتماسك، مرحلة ازدهار، وتمتعت بشهرة واسعة في إقليم أذربيجان الشرقية.
مازندران بين طبيعة ساحرة وموقع استراتيجي هامّ على "بحر قزوين"
ساعد كل من الموقع الجغرافي، واختلاف التضاريس، واعتدال المناخ، على جعل محافظة مازندران من أكثر المحافظات الإيرانية استقطاباً للسياح، وذلك لتمتّعها بموقع جغرافي مميّز وفريد من نوعه، إذ تحظى المدينة بشواطئ طويلة على امتداد البحر من الجهة الشمالية، أما الجهة الجنوبية، فتوجد فيها سلسلة جبال البرز التي تفصل بينها وبين طهران، وما بينهما أراضٍ زراعية منبسطة، كما وتكثر فيها الغابات وينابيع المياه، والأهمّ من كلّ ذلك، وقوعها على بحر قزوين.
وبحر قزوين المغلق هو أكبر منطقة مياه داخلية في العالم، وتصل مساحته إلى 371 ألف متر مربع، ويحظى بأهميّة استراتيجيّة واقتصادية، لغنى هذه المنطقة بموارد الطاقة، كالنفط والغاز، كما يضاف إليهما مورد طاقة آخر، ألا وهو "الكافيار" أو بيض السمك.