باحث في علم النفس من فلسطينيي الـ48: المجتمع الإسرائيلي عدوانيّ وقَلَقُ البقاء يؤرِّقه
عند كل عدوان تشنّه قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإنها تمارس كل وسائل القتل التي تُرعب الفلسطينيين، الذين يواجهون هذ المحتل الذي اغتصب أرضهم. وضمن عقيدة قوات الاحتلال، أن ضرب الفلسطينيين وسفك دمائهم، بطريقة قاسية ومروّعة، هما بمثابة "دعاية"، هدفها إرعاب كل فلسطيني تصوّر له نفسه أن يواجه جيش الاحتلال.
وللاطِّلاع أكثر على سيكولوجيا مجتمع الاحتلال، أجرت الميادين حواراً، عبر الهاتف، مع الدكتور مروان الدويري، المتخصّص بعلم النفس، في الجامعة العبرية.
يعتقد الدكتور مروان الدويري أن المجتمع الإسرائيلي لم يتغيّر، وما زال يؤمن بأنه يجب أن يعيش والسلاح في يده، و"يتحرّك بطريقة عدوانية جرّاء قلقة من تهديد فكرة البقاء". وهو خوف مثقَل بعقلية تاريخية. فالإسرائيليون، بحسب ما يعتقدون كمجتمع إسرائيلي، هوجِموا في "ماسادا" وإسبانيا وألمانيا "عندما قام هتلر بإحراق اليهود".
ويوضح الدويري أن تركيبة العقل الإسرائيلي هي تركيبة خاصّة، تنكر أيّ حقّ للفلسطينيين. و"لدى إلاسرائيليين قناعة بأنهم ضحية. لذلك، هم يعتقدون أنهم يدافعون عن أنفسهم، ولا يعتبرون أنهم يقصفون مدنيين عزّلاً".
ويضيف "لذلك، سمّى الجيش الإسرائيلي عمليةَ ضرب غزة "حمايةَ الأسوار". ونتيجة لذلك أيضاً، وصفت إسرائيل قصف غزة بأنه قصف جراحي".
ويؤكد الدويري أن المجتمع الإسرائيلي كانت له ردة فعل سلبية تجاه ما نشرته صحيفة "هاَرتس" بشأن قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي نحوَ 69 طفلاً فلسطينياً في غزة. ووقف الجميع في "إسرائيل" موقفاً واحداً ضد ما قامت به هذه الصحيفة. فـ"المجتمع الإسرائيلي مجتمع مغلَق. لهذا، هو يرى أنه يدافع عن نفسه، وليس أنه يعتدي على الفلسطينيين".
ويرى الدويري أن مجرد إطلاق صاروخ واحد من "حماس" "يعمِّق فكرة الدفاع عن بقاء الإسرائيليين، ويعزّز اعتقادهم أن بقاءهم على وجه الأرض مرتبطٌ بتسلُّحهم الذي يحفظ وجودهم. ويؤكد أن الأمن لديهم يعني القوة، وليس السلام ولا التعايش مع الفلسطينيين".
ويكشف الدويري "لا يجرؤ أحد، داخل المجتمع الإسرائيلي، على مقارنة إسرائيل بالأبارتايد، وإلاّ فإنه يُتَّهَم بأنه مُعادٍ للسامية، ولا يستطيع حتى الدفاع عن نفسه".
وبشأن فكرة نهاية "إسرائيل"، يرى الدويري أن "المجتمع الإسرائيلي" أكثر مجتمع مضلَّل في العالم. فهم لا يشعرون بأنهم هُزموا، بل إنهم انتصروا. ويوضح "أن هناك تعمُّداً من جانب مَن يُدير إسرائيل ألا يعرف المجتمع الإسرائيلي أي حقيقة. فمجتمعهم يسمع الصوت نفسه، ويرى الصورة ذاتها، على مدار 24 ساعة. فهو لا يشاهد أي وسيلة إعلامية عربية. فالخبر يتم تركيبه في الإعلام الإسرائيلي، على نحو لا يغيّر المجتمع الإسرائيلي الذي يُعتبر أكثر مجتمع مضلَّل".
وعن تضليل الصورة الحقيقية، يقول "إسرائيل تستخدم مصطلحات مضلِّلة للحقيقة. فالإسرائيليون يُطلقون على قَلع شجر الزيتون قول "سطَّحنا الارض". وعند قتلهم أيَّ طفل أو مقاوم فلسطيني، يصفون ما فعلوه بأنهم قتلوا مخرّباً. وهذا معناه، في العقل الإسرائيلي، أنه يستحق القتل. وحتى عند قتلهم أيَّ فلسطيني، فإن إعلامهم يقول إنهم "ألغوا فعالية". الإعلام الإسرائيلي لا يقول إن الجيش الإسرائيلي قتلنا، بل يستخدم مصطلحات تجميلية".
ويعطي الدويري مثلاً على التضليل الذي يمارسه الإعلام الإسرائيلي، وهو جزء من السياسية الإسرائيلية وعملية غسل الدماغ، وجزء من نظام تربوبي كامل. فلقد أطلق على حرب لبنان عام 2006 اسمَ "سلامة الجليل". فهل يوجد تضليل أكثر من ذلك؟
وعن جيش الاحتلال الإسرائيلي، يؤكد الدويري أن "الجندي الإسرائيلي مقتنع بأنه يحارب من اجل أبناء شعبه. لذلك، هو يبرِّر كل ممارساته. وهو لا يعتقد أنه يقتل انساناً وطفلاً، بل هو يرى أنه يقتل طفلاً سيصبح في المستقبل مخرِّباً؛ أي إنه يقتل المخرّب الذي سيصيره هذا الطفل، والذي يهدد بقاء الشعب اليهودي".
وفيما يتعلق بمستقبل التغيير في بنية التفكير الإسرائيلي، يجيب الدويري "التغيير يبدأ إذا تغيَّر التوزان في الشرق الأوسط". ويرى أن "قناعة المجتمع الإسرائيلي مفادها أنه تم "الاعتداء" عليه من جانب الفلسطينيين. وهذه القناعة لم تتغيَّر".
ويعتقد الدويري أن "التغيير في العقل الإسرائيلي يمكن أن يحدث حين تصبح موازين القوى في الشرق الاوسط في غير مصلحته. وما لم يحدث هذا التغيير، فإن إسرائيل تؤكد نظريتها وتواصل ممارستها ضد الفلسطنيين".
ويكشف الدويري أن "إسرائيل" لا تراجع نفسها كمجتمع بعد كل حرب، بل تنحصر مراجعتها في تطوير أسلحتها التي تحميها. فالعقل الإسرائيلي يتبنّى قاعدة مفادها أن ما يحافظ على وجود إسرائيل هو أنها الأقوى، وأن وجودها هنا مرتبط بمدى قوتها".
ويقول الدويري إن "المشروع الإسرائيلي، في مفهوم إسرائيل، هو ربح تعاطف عالمي، وتحقيق إنجازات. والإسرائيليون يحافطون على سياستهم، وهم لم يفكّوا الحصار عن القدس" المحتلة. ويعتبر "العقل الإسرائيلي" أيضاً أن "إسرائيل" تستخدم فكرة الملاجئ "لتأكيد فكرة العسكرة، والمشروع الصهيوني، وتذكير الإسرائيليين دائماً بأنهم مهدَّدون".
ويختم "عند حدوث تغيير في توازن القوى في الشرق الأوسط، يمكن أن يحدث تغيير في تفكير العقل الإسرائيلي وحساباته".