"إسرائيل" بعد وقف النار: فشل الإستراتيجية.. والبحث عن "صورة النصر"
على خلفية الإعلان عن وقف إطلاق النّار، واستكمالاً للخطاب الإعلامي بشأن المواجهة مع فصائل المقاومة في قطاع غزة، وُجِّهت موجة انتقادات واتِّهامات، قادها إعلاميّون وخبراء، إلى طريقة وقف إطلاق النار، ومُجمل الأسلوب الذي أُدير به العدوان على غزة. موجة تركّزت على الثلاثيّ القياديَ "نتنياهو ـ غانتس ـ كوخافي"، ونال منها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حصّة الأسد، بسبب سياسته وأدائه، وحتى بسبب دوافعه إلى التصعيد، كما بسبب إلقائه المسؤولية عن وقف النار على المستوى المهنيّ.
وتمحوّر النقاش الإعلامي حول مروحة من العناوين، من قبيل: غياب الإستراتيجية؛ فقدان صورة النصر؛ الشرخ الإسرائيلي – الأميركي؛ غياب الإدارة الإعلامية، فضلاً عن الانتقادات السياسية الداخلية.
نتنياهو و"العملية الانهزاميّة"
وجّه خبراء ومعلّقون انتقادات إلى حكومة الاحتلال الاسرائيلي، ورئيسها بنيامين نتنياهو، على الطريقة التي جرى فيها وقف النار وكيفية الإعلان عنه.
وبينما اتَّهم معلقون نتنياهو بالخضوع للإملاءات الأميركية، وإلقاء مسؤولية وقف إطلاق النار على الجيش والأجهزة الأمنية، انتقد خبراء المستوى السياسي نتيجة سوء إدارته الإعلامية للمواجهة، كما طريقة إعلان وقف إطلاق النار.
وأشار محلِّل الشوؤن العسكرية في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، إلى أنه "سُجّلت أمس نقطة سيِّئة جديدة، بشأن منظومة العلاقات القاسية والعاصفة في فصولها، بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورؤساء الأجهزة الأمنية".
وتابع: "بداية، حاول نتنياهو، في بيان رسمي استثنائي، أن يُلقي مسؤولية وقف إطلاق النار، الذي فرضه عليه الرئيس الأميركي، على الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى. وفوراً بعد ذلك، عبر تسريبات إلى وسائل الإعلام، بدأت النميمة بشأن آداء الجيش في العملية في غزة، من أجل إبعاد أي إشارة اتهام إلى نتنياهو بشأن العملية الانهزاميّة".
في غضون ذلك، قال الناطق العسكري الإسرائيلي السابق، رونين منليس، إنه "تم إبقاء الجمهور الإسرائيلي في الظلمة، الأمر الذي يدلّ على أداء الإعلام الإسرائيليَ، بصورة عامة، خلال العملية العسكرية".
ورأى منليس أنه "يوجد في إسرائيل حاجة إلى إعلام سياسي متواصل"، مضيفاً أن المستوى السياسي لا يتحدث عن شيء، وأنه "طوال 11 يوماً، لم يقف شخص بلباس مدني أمام المواطنين، ليقول لهم ماذا يريد، وما هي الأهداف العسكرية، ومتى سيتم تحقيقها".
الإستراتيجية بين الغياب والفشل
وبشأن نقاش الإستراتيجية، توزَّعت الآراء على اتجاهين اثنين: الأول قال إن هذه المواجهة خيضَت من دون إستراتيجية إسرائيلية، بينما لمّح آخرون إلى وجودها، لكنها فشلت بجسب رأيهم، واقترحوا إستراتيجية مُغايرة.
وذكر المحلِّل في موقع "والا نيوز"، تشيلو روزنبرغ، أن حرب غزة الأخيرة تُثبت "بصورة لا لبس فيها أن إسرائيل خرجت إليها من دون إستراتيجية، ومن دون أيّ تخطيط للمستقبل، ومن دون أيّ خطة سياسية لليوم التالي".
كما لفت روزنبرغ إلى أن "المعركة أُديرت بصورة معكوسة"، فبدلاً من أن يعمل جيش الاحتلال الإسرائيلي وفق توجيهات المستوى السياسي، الذي يحدّد الأهداف والإستراتيجية الكُبرى، "تبيّن أن المجلس الوزاري المصغَّر يفتقد أيَّ أهمية، لأن أغلبية أعضائه ليس لها علم فيما يجري، ورئيس الحكومة قَلِق من قضاياه الشخصية، وهكذا يصدف أنه، في أوقات أشدّ الأزمات، لا توجد قيادة لإسرائيل".
وعدَّد اللواء احتياط إسحاق بريك (مفوَّض شكاوى الجنود السابق) سلسلة الإخفاقات الدبلوماسية والأمنية الإسرائيلية، ورأى أن ما جرى لا يعدو عن كونه "بروفا" عن المعركة المقبلة، والمتعدّدة السّاحات، مضيفاً: "ما نختبره اليوم (في غزة) هو رأس جبل الجليد، في مقابل ما سيحدث إذا دخل حزب الله للصورة".
وأشار المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، آفي بنياهو، إلى أن "الجولة الأخيرة فُرِضت علينا وفاجأتنا، وهي نتاج مباشِر للسياسات الواهنة والمتراخية على مدى 12 عاماً من عدم التفكير الاستراتيجيّ، ومحاولة كَنس المشكلة إلى تحت البساط".
وأضاف: "لا ينبغي لإسرائيل أن تخرج من العملية بـصورة نصر، بل بسياسة واضحة يجب وضعها ونشرها وتنفيذها".
وفي نقاش الإستراتجية، برز تسجيل دعوة إلى التخلّي عن الإستراتيجية الهجومية، "والتركيز على الدفاع حيال قطاع غزة، الأمر الذي قد يلمّع صورة إسرائيل في العالم"، وفقاً لصحيفة "هآرتس"، التي قالت إنه قد يساعد على "رأب الصدع مع الأغلبية العظمى من اليهود الأميركيين، ويقود الرئيس الأميركي والحزب الديمقراطي إلى جانب إسرائيل".
ومما قيل: "إذا كانت إسرائيل تركّز على الدفاع، فيمكن للمرء أن يتحدّث عن النجاح في هذه الحرب. لكن اختيار الهجوم هو فشل إستراتيجي".
كذلك، قال عاموس يدلين، عبر "القناة 12" العبرية، إن هناك شعوراً بالمرارة لدى الإسرائيليين لأنه لم يتحقق انتصار على "حماس"، موضحاً أنه "في اللعبة الإستراتيجية، ربط السنوار غزة بالقدس وبالضفة الغربية، وتسبّب لنا باضطرابات داخل إسرائيل".
السعي وراء صورة النصر
منذ بداية الجولة القتالية، لم تَغِب قضية "صورة النصر" عن الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، الذي سلك اتجاهَيْن اثنَين: الأول السجال بشأن مَن فاز بإحراز "صورة النصر" ("إسرائيل"، أم المقاومة الفلسطينية)، وعلى نحو واضح، مالت الكفّة لمصلحة المقاومة الفلسطينية في هذا السجال. والثاني، جدوى السعي الإسرائيلي، في الأصل، وراء صورة كهذه.
وجديد هذا النقاش ما قاله المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي آفي بنياهو: "أصبحت صورة النصر لدينا بديلاً عن النتيجة والنصر نفسه"، مضيفاً: "وُلد هذا المفهوم في حرب لبنان الثانية (حرب تموز/يوليو 2006)، عندما حاول الجيش الإسرائيلي رفع العلم في بنت جبيل، وأعلن ثلاث مرات أنه احتل البلدة ورفع العلم فيها، ثم تبيّن أن الأمر لم يكن كذلك".
وفي السياق عينه، أشار المحلل في موقع "والا نيوز" تشيلو روزنبرغ، إلى أن "سعي القيادة الإسرائيلية خلف صورة مشابهة (للتي سعت حركة "حماس" إليها) يشكّل استخفافاً رهيباً بمواطني الدولة".
وقال روزنبرغ إن "قيادة إسرائيل بوغِتَت عاريةً وهي تحاول ستر عورتها بصورة الانتصار تلك التي لا تساوي شيئاً".
الشرخ مع الأميركيين
القلق من الشرخ الحاصل بين الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال الإسرائيلية، انضمّ إلى مروحة الانتقادات التي وجَّهها إعلاميون إلى القيادة الإسرائيلية، وتحديداً إلى نتنياهو.
وأشار المحلل السياسي في صحيفة "معاريف" بن كسبيت، إلى أن نتنياهو "مُصرّ على تخريب ما تبقّى من العلاقات بالحزب الديموقراطي الأميركي. وكذلك من الجدير السؤال عمّا إذا كان إصراره على إطالة أمد العملية في غزة يرتبط بأغراضه الائتلافية". وثمّة من يعتقد في "إسرائيل" أن الرئيس الأميركي استوعب درساً مهماً عن "إسرائيل"، وأنه "في المرّة المقبلة سيكون أكثر تصلُّباً".
وكشفت صحيفة "هآرتس" أن "بايدن فُوجِئ باكتشافٍ مفاده أنه بعد عقودٍ طويلة، لم يعد الحزب الديموقراطي يقف بصورة تلقائية إلى جانب "إسرائيل"، واضطر إلى التدخل في العملية (العسكرية في غزة) غصباً عنه".