من هو الحاج محمد أمين الحسيني أيقونة القضية الفلسطينية

الإسرائيليون كانوا يقولون: "يجب أن يموت الحاج محمد الحسيني حتى نجد من الفلسطينيين من يتفاوض معنا"، فمن هو هذا الرجل الذي عطل المشروع الإسرائيلي لسنوات؟
  • الحاج محمد أمين الحسيني 

كانت فلسطين قبل حرب عام 1914 جزءاً من الدولة العثمانية، وبعد انهيارها في نهاية الحرب العالمية الأولى، وقعت فلسطين تحت الاستعمار البريطاني، ولم يكن لدى الفلسطينيين أي وسائل للمقاومة دفاعاً عن بلدهم، فقامت جماعة من أبناء الشعب الفلسطيني بجهود خاصة لتنظيم صفوفهم في جبهة متواضعة.

شكّل الحاج محمد أمين الحسيني، مفتي القدس حينها، رمزاً للنضال الفلسطيني. شخصية كانت جزءاً من تاريخ فلسطين الحديث في أصعب السنوات وأحلك الظروف، بدءاً من الفترة التي سبقت الاحتلال البريطاني مروراً بالهجرة اليهودية، فكان مدافعاً عن فلسطين وثورتها ضد الاحتلالين البريطاني والإسرائيلي.

لمدة ربع قرن على الأقل توحدت سيرة هذا الرجل مع سيرة فلسطين، حتى أضحى مرجعية لفلسطين وقضيتها وتاريخها، من خلال سيرته الحافلة بالمحطات حيث لُقب ببطل تلك القضية.

تلقى علومه في القدس، ثم التحق بجامعة الأزهر في القاهرة. أدّى فريضة الحج مع أهله عام 1913، وهو شاب، فأُطلق عليه لقب "الحاج" ولازمه هذا اللقب حتى وفاته.

والده الحاج طاهر الحسيني أرسله إلى إسطنبول عام 1915 للدراسة، ولكنه انتسب إلى الكلية العسكرية وتخرج منها برتبة ضابط صف، والتحق بالثورة العربيّة بقيادة الأمير فيصل بن الحسين قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى.

وفي 24 تموز/يوليو 1922 قررت عصبة الأمم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وأقرّت له صكّاً يفرض على الحكومة البريطانية إنشاء الوطن القومي اليهودي. وعلى إثر الانتداب البريطاني على فلسطين، أعلن زعماء الصهيونية من يهود العالم أنهم يريدون أن تصبح فلسطين بأجمعها لليهود، وكان البريطانيون يساندونهم ويدعمونهم في ذلك.

عند بدء الاحتلال البريطاني لفلسطين، عُيّن الحاج الحسيني عام 1918 مرافقاً خاصاً للحاكم البريطاني العسكري، ولم يلبث أن استقال من منصبه احتجاجاً على سياسة بريطانيا المؤيدة للصهيونية، ومارس التعليم في كلية المعارف في القدس.

لم يكن الحاج الحسيني قبل ثورة 1936 مهادناً لبريطانيا إلا بصورة ظاهرية، لكن هذه المهادنة سرعان ما كانتّ تتحول إلى مواجهة، حيث كان يمتلك قوة الفعل والتأثير والتخفي عن عيون السلطات الإنكليزية في الدعوة إلى جمع الصفوف من خلال الكلمة، وتأليب الشعب الفلسطيني على السياسة البريطانية التي كانت تعمل على بناء وطن قومي لليهود في فلسطين.

كان الصهاينة يقولون: "يجب أن يموت الحاج الحسيني حتى نجد من الفلسطينيين من يتفاوض معنا".

الحاج الحسيني يتولى أول منصب في القدس

  • الحاج محمد أمين الحسيني مفتي القدس وقائد النضال الفلسطيني خلال الانتداب البريطاني

تمّ انتخاب الحاج الحسيني رئيساً لـ"النادي العربي" في القدس، وهو أول تنظيم سياسي في فلسطين مناوئ لسياسة "وعد بلفور". وخلال سنوات توليه المناصب، عمل بجد ونشاط في خدمة القضية الفلسطينية، ومواجهة مؤامرات الاحتلالين البريطاني والصهيوني. واشترك بنفسه على رأس وفود زارت كلاً من مصر والعراق وسوريا ودول الخليج وإيران والهند وأفغانستان لإطلاع العالمين العربي والإسلامي على الظلم الذي تتعرض له فلسطين.

في عام 1920 حكمت السلطات البريطانية عليه بالسجن غيابياً لتزعمه التظاهرات، فهرب إلى الكرك بالعراق ومنها إلى دمشق، ثم عاد إلى القدس في نفس العام بعد أن عفا عنه المندوب السامي، وفاز بمنصب الإفتاء في أيار/مايو 1921 خلفاً لأخيه الأكبر الشيخ كامل بعد وفاة الأخير. 

انتخب في العام 1922 لرئاسة المجلس الإسلامي الأعلى لإدارة شؤون الأوقاف والمحاكم الشرعية، وبقي في منصبه إلى أن غادر فلسطين مكرهاً عام 1937. 

الحاج الحسيني وقيادة الثورة

بدأ الحاج الحسيني بتعبئة الروح الثورية في قلوب الفلسطينيين، وحرّض مع مجموعة من رفاقه على قيام أول ثورة فلسطينية ضد الاستيطان اليهودي في نيسان/أبريل 1920 من خلال ما سُمي بـ"ثورة البيارق". وكان يحرص على عقد مؤتمر سنوي يحضره كبار علماء ورجالات فلسطين للتعريف بآخر المؤامرات اليهودية والبريطانية، ومعاناة الفلسطينيين في مواجهة التدفق اليهودي، وبيع الأراضي لهم.

في منتصف نيسان/أبريل 1936 بدأت الثورة المسلّحة في فلسطين حين هاجم مجموعة من أصدقاء وإخوان الشيخ القسّام بقيادة الشيخ فرحان السعدي سيارات للصهاينة في الطريق الذي يربط بين طولكرم والقدس قُتل على إثرها اثنان من اليهود، ثم تتابعت الحوادث بين الفلسطينيين والصهاينة في كل من يافا وتل أبيب وانضمت جميع المدن الفلسطينية إلى الإضراب والثورة.

دعم الثورة الفلسطينية في الدول العربية 

عمل الحاج الحسيني على استغلال أحداث الثورة، وذهب إلى السعودية وسوريا واتصل بالعراق وشرق الأردن لتقديم الدعم اللازم للثوار الفلسطينيين في محنتهم، فضلاً عن تشكيل اللجنة العربية برئاسته للإشراف على هذه الهبّة الشعبية الكبرى، وحاول البريطانيون ثنيه عن هذه الجهود بكافة الوسائل، وحتى الإغراء لكنهم فشلوا في ذلك.

في سنوات الانتداب الفرنسي للبنان، ظل الحاج الحسيني في لُبنان يوجّه الثورة الفلسطينية، ويدعمها بقلمه وخطاباته وزياراته. وفي العام 1939 ضغطت بريطانيا على فرنسا لتسليمها الحسيني، لكنه هرب من لبنان إلى بغداد، وهناك دعم حركة رشيد عالي الكيلاني ضد الاحتلال البريطاني، وأصبح قطب الحركة الوطنية العراقية المناهضة لبريطانيا، والتي عرفت بـ"حركة رشيد عالي الكيلاني" الانقلابية. إلا أنه غادر العراق إلى إيران بعد فشل هذه الحركة عام 1941 ثم انتقل إلى تركيا وغادرها إلى ألمانيا، بعد رفض تركيا طلبه اللجوء إليها، وظل متنقلاً بين برلين وروما طيلة الحرب.

النكبة..

وفي 15 أيار/مايو 1948 غادر البريطانيون فلسطين تاركين أسلحتهم لتسيطر عليها عصابات الهاغاناه اليهودية، الذين استطاعوا احتلال معظم المدن الفلسطينية، وطرد عشرات الآف الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم.

كانت هذه بداية "النكبة" وتسلم الفلسطينيين زمام المبادرة، فتم عقد مجلس وطني فلسطيني في غزة في 30 أيلول/سبتمبر 1948 لاختيار حكومة لفلسطين، واختير الحاج  الحسيني رئيساً للجنة العربية العليا، حيث أقيمت "حكومة عموم فلسطين" وجرى تعيين أحمد حلمي باشا رئيساً لها، ومن أول أهدافها تحقيق الاستقلال لفلسطين. لكن تمّ محاربة هذه الحكومة من الأطراف العربية والدولية على السواء، وتدخّلت الحكومة المصرية فاعتقلت الحاج الحسيني، وبعض أعضاء الهيئة ونقلتهم من غزة إلى القاهرة حيث وُضع فيها تحت الإقامة الجبرية.

عقب النكبة وعلى إثر عقد "اتفاقيات الهدنة" بين الدول العربية و"إسرائيل"، وضم الضفة الغربية إلى الأردن، ووضع غزة تحت الإدارة المصرية، تضاءل دور الهيئة العربية العليا، فيما بقي الحسيني مقيماً في مصر حتى العام 1959 ثم انتقل بعدها إلى لبنان.

الحاج الحسيني في بيروت

بعد قيام ثورة تموز/يوليو 1952 في مصر تحرر الحاج الحسيني الذي كان محتجزاً فيها وقام بجولات خارجية لعدد من دول العالم للتعريف بالأزمة في فلسطين، إلا أن هذه الجولات لم تساعد في حل الأزمة بعدما دخلت منعطفاً أكثر صعوبة في ما عرف بـ"نكسة 67"، وكان الحسيني انتقل حينها إلى لبنان، وظل هناك لا يستطيع العودة إلى فلسطين إلى أن توفي في 4 تموز/يوليو 1974 في بيروت ودفن فيها، وذلك بعد 60 عاماً من النضال والجهاد من أجل قضية فلسطين.

المصدر: الميادين نت