لقاءات الوفد الإسرائيلي في واشنطن: "جوائز ترضية" واتفاق على تحييد الخلافات
زيارة الوفود الإسرائيلية الأمنية والعسكرية إلى واشنطن للقاء كبار المسؤولين هناك لبحث مسألة العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني والتأثير فيها، كانت محط اهتمام في "إسرائيل"، حيث ركزت المعلومات المتداولة في الإعلام الإسرائيلي على لقاء رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شابات ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان.
وأشارت التقديرات الإسرائيلية إلى أن بن شابات لم ينجح بعد لقائه سوليفان في تسجيل أي اختراق بشأن الاتفاق النووي، حيث كل طلبات "إسرائيل" الأساسية من الأميركيين بشأن المفاوضات مع إيران لم تقبل، وأن جل ما تم التوصل إليه هو الاتفاق على إقامة فريق عمل مشترك، يعنى بالتهديد الذي تعكسه الطائرات من دون طيار والصواريخ الموجهة الدقيقة، التي تزود إيران حلفائها بها، إضافة إلى تكرار التعهد بحماية "إسرائيل" والاعتراف بحقها " في الدفاع عن نفسها"، وهو ما وصفه معلقون بأنه " جوائز ترضية" أميركية لـ"إسرائيل".
وفيما قال مراقبون إن تصريحات الطرفين الأميركي والإسرائيلي بشأن القلق من تقدم البرنامج النووي الإيراني والتعهد بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي هي عبارة عن كلام مكرر مئات المرات ولا تعني شيئاً على أرض الواقع، أشار آخرون إلى أنه في ظل الاعتقاد السائد بأن العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي مع إيران هي مسألة وقت فقط، اتفقوا في "إسرائيل" والولايات المتحدة على تحييد المسائل الخلافية منعاً لأي مواجهة علنية قد تمس بالتعاون بينهما في مسائل أخرى.
لقاءات وتوافقات أميركية إسرائيلية
وأفاد موقع واللاه الإسرائيلي أن رئيس هيئة الأمن القومي في "إسرائيل"، مئير بن شابات، التقى يوم أمس الأربعاء في السفارة الإسرائيلية في واشنطن مع مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جاك سوليفان، حيث تناول اللقاء المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران حول العودة المحتملة للاتفاق النووي الموقع في العام 2015 بين إيران والدول الكبرى.
وأضاف الموقع بأن سوليفان أطلع بن شابات على التقدم في المفاوضات في فيينا، ولفت إلى أن واشنطن ستتشاور مع "إسرائيل" بشكل وثيق حول الملف النووي الإيراني "لاحقاً". كما نقل سوليفان عن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه "يدعم حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها".
وفي بيان صدر بعد اللقاء، اُفيد أن الطرفين توافقا على أن نشاطات إيران الإقليمية تشكل تهديداً جوهرياً، كما اتفقا على تشكيل طاقم مشترك يناقش تهديد الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة التي تزودها إيران إلى منظمات وميليشيات في الشرق الأوسط. مشيراً أيضاً إلى أن الطرفين أعربا عن قلقهما حيال التوتر في القدس، وشجبا إطلاق الصواريخ من قطاع غزة.
ونقل موقع واللاه عن مسؤولين إسرائيليين كبار، أن "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية تريدان "تسييج" خلافاتهما بشأن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران حتى لا يتم الإضرار بالتعاون في القضايا الأخرى المتعلقة بطهران.
ولفتت صحيفة "إسرائيل هيوم" إلى أن الطرفين اتفقا على أنه ممنوع السماح للخلاف في موضوع إيران أن يؤثر على قضايا أخرى، وأضافت أن الطرفين بحثا في "المؤامرات" الإقليمية لإيران، من وجودها في سوريا إلى أنشطة حزب الله في لبنان. كما أُثير أيضاً موضوع المحكمة الجنائية الدولية، وتوسيع اتفاقات التطبيع بين "إسرائيل" ودول عربية.
صحيفة "الجيروزاليم بوست" كشفت أنه خلال اللقاء "اتفقت الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" على إنشاء مجموعة عمل مشتركة لتركيز اهتمام خاص على التهديد المتزايد للطائرات غير المأهولة والصواريخ الدقيقة التي تصنعها إيران وتقدمها لوكلائها في منطقة الشرق الأوسط". وأضافت صحيفة "إسرائيل هيوم" أن هذه القضية ستنتقل إلى المستويات المهنية.
وحول تفاصيل اللقاء، ذكر تقرير أعدّه موقع "واللا" أن بن شابات وسوليفان اجتمعاً وجهاً لوجه في لقاء ثنائي استمر نحو ساعتين. ومن ثم عُقد اجتماع مقلص ضم عن الجانب الإسرائيلي السفير غلعاد إردان ونائب رئيس مجلس الأمن القومي رؤوفين عيزر. وعن الجانب الأميركي روب مالي، المكلّف من الإدارة الأميركية بالمحادثات النووية مع إيران، وبيرت ماكغورك، منسّق شؤون الشرق الأوسط، وباربرة ليف، رئيسة شعبة الشرق الأوسط في الخارجية. ومن ثم انضم ممثلون إضافيون عن الطرفين.
صحيفة "إسرائيل هيوم" كشفت أن الوفد الإسرائيلي، أوضح للجانب الأميركي، بناءً على توجيهات من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن "إسرائيل" تُعارض العودة إلى الاتفاق النووي السابق، وأن الوفد عرض الخطر المنعكس من إيران على "إسرائيل"، سواء في بُعد البرنامج النووي أو في أبعاد أخرى. الصحيفة أضافت أن الوفد الإسرائيلي قال في الجلسة إن "إسرائيل" لن يمكنها الجلوس مكتوفة الأيدي حيال المخاطر.
انتقادات في الشكل وتشكيك في الجدوى
وجه خبراء ومعلقون إسرائيليون انتقادات لزيارة المسؤولين الإسرائيليين المنفصلة إلى واشنطن، فقال رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، اللواء احتياط عاموس يدلين (رئيس أمان سابقاً)، في مقابلة مع القناة 13 التلفزيونية في "إسرائيل"، إنه على "إسرائيل" الاختيار بين تبني سياسة تحدي للإدارة الأمريكية كما فعلت في العام 2015، الأمر الذي أدى إلى نتائج غير مشجعة؛ أو تبني النظرية التي تقول إنه يوجد في واشنطن إدارة تريد اتفاقا أقوى وأطول، لذلك يجب التباحث معها، وتركها تحاول على طريقتها الوصول إلى الهدف المطلوب، أي منع إيران من الوصول إلى القنبلة النووية، وإذا لم تنجح طريقتهم، تُستخدم طريقة أخرى.
بدوره، أعرب رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الأمن سابقاً، اللواء احتياط عاموس غلعاد، في مقابلة أيضا مع القناة 13، أعرب عن قلقه من القرارات التي تتخذ في "إسرائيل" على مستوى الأمن القومي، لافتاً إلى أنه في مقابل إرسال "إسرائيل" ثلاثة وفود منفصلة إلى واشنطن من أجل الإعراب عن معارضتها للاتفاق النووي مع إيران، أجابت المتحدثة باسم الرئيس الأميركي جو عن سؤال حول هل ستؤثّر الوفود على قرارات الولايات المتحدة الأميركية، أجابت بكلمة واحدة: "كلا". غلعاد أكد أن ما يمكن التأثير على الاتفاق هو فقط حوار "غير موجود" بين رئيس الحكومة الإسرائيلية والرئيس الأميركي.
ومن جهته أعلن رئيس الموساد سابقاً، أفرايم هليفي، في مقابلة مع موقع يديعوت أحرونوت أنه يعارض "القطار الجوي" لكبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين إلى واشنطن من أجل الإعراب أمام الإدارة الأميركية عن معارضة "إسرائيل" العودة الى الاتفاق النووي مع إيران، مضيفاً بأن هذه ليس الاستراتيجية الصحيحة، فالمطلوب إجراء حوار مع الولايات المتحدة.
المعلقون في "إسرائيل" ورغم إبدائهم اهتماماً كبيراً بالزيارات إلى واشنطن، تعاطوا معها على أنها من دون جدوى، فموقع واللا الإخباري أشار إلى ان إسرائيل تتعامل مع العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي كمسألة وقت؛ لتُضيف القناة 13 أن الأمر يبدو منتهياً، فالمحادثات في فيينا بشأن العودة إلى الاتفاق النووي تقترب من خواتيمها.
معلق الشؤون الأمنية في صحيفة "هآرتس"، يوسي ملمان أشار إلى أن قرار "إسرائيل" إجراء مشاورات مع واشنطن أنى متأخراً بشكل كبير، كما أنه حصل بشكل أعوج ومن دون تحضير مناسب، ولفت إلى أنه "حين تكون الأمور على هذا النحو، فالنتيجة معروفة سلفاً".
ميلمان رأى أن "الغزوة" الإسرائيلية على واشنطن مستهجنة جداً، لا سيما أن الحديث لا يدور الحديث عن وفد واحد مشترك بل عن ثلاثة وفود متفرقة. وأضاف أنه لا يوجد لدى "إسرائيل" سياسات واضحة بشأن ما ينبغي فعله أمام نية الولايات المتحدة العودة إلى الاتفاق النووي. ولا يوجد توافق بين نتنياهو ووزير الأمن بني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكينازي: نتنياهو يرى أن كلّ اتفاق مقيت، ويريد مواصلة الأنشطة العملانية السرية؛ بينما يعتقد غانتس وأشكنازي أنّه ينبغي التحدّث مع الإدارة ومع الدول الأوروبية للتأثير على الاتفاق المتبلور.
وأشار ميلمان إلى أنّ الشلل والإنقسامات ليست حكراً على المستوى السياسي فقط، بل طالت المستوى المهني، إذ يدور منذ أشهر صراع قوّة سري بين بن شابات وكوهين من ناحية، وبين كوخافي كوهين من ناحية أخرى.
ميلمان وصف ما يجري بأنه "تهريج" يبعد "إسرائيل" أكثر عن إمكانية التأثير على المفاوضات، وأضاف أن زيارة الوفود إلى واشنطن هي تعبير واضح عن غياب أي تأثير إسرائيلي على الإدارة الأميركية، بحيث يمكن وصف الرحلة إلى واشنطن بأنّها "رحلة إلى لا مكان".
معلق الشؤون العسكرية الأمنية، في موقع يديعوت أحرونوت، رون بن يشاي قال إن قرار تشكيل لجنة مشتركة أميركية – إسرائيلية لمناقشة سُبل إحباط إمداد إيران وكلائها بالصواريخ الدقيقة والطائرات غير المأهولة الهجومية، يُشكل ما يشبه "جائزة ترضية لإسرائيل"، كما يعد الأمر إنجازا تكتيكيا وهو أفضل من لا شيء.