وحدة الجبهات في القدس وغزة: إقرار إسرائيلي بالمفاعيل.. وقلق من توسعها
أصداء المواجهات في القدس المحتلة تردّدت في قطاع غزة. الصلة الوثيقة بين مواجهات القدس وصليات الصواريخ على المستوطنات القريبة من القطاع كانت جليّة في التعامل الإسرائيلي مع الأحداث، وعبّرت عنها تقديرات صادرة عن الجيش الإسرائيلي، بالتوازي مع التحليلات والتعليقات الصحفيّة، التي أدخل بعضها عوامل أخرى، عدّت محفّزة للتصعيد الأمني من قِبل الفلسطينيين، كالانتخابات الفلسطينية القريبة، ودخول شهر رمضان المبارك.
التوقيت الإسرائيليّ الحسّاس الذي انتقلت فيه شرارة الأحداث من القدس المحتلة إلى قطاع غزة، وجد تعبيره في المستوى المكثف من الحِراك الإسرائيلي، السياسيّ الأمنيّ، حيث عقدت القيادة الإسرائيلية سلسلة جلسات لتقدير الوضع الأمني، شارك فيها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن بني غانتس، ورئيس هيئة الأركان العامة، أفيف كوخافي الذي أعلن إرجاء زيارته المُقرّر إلى واشنطن، لمتابعة التطوّرات الأمنية في قطاع غزة، الأمر الذي عدّه معلّقون مؤشراً على توقع التصعيد.
مشاورات سياسية-أمنية
قبل توالي انعقاد جلسات تقدير الوضع السياسيّة والأمنية الثلاث، وقبل الإعلان عن إرجاء كوخافي لزياته المقررة إلى واشنطن، أفاد الرأي، الذي عبّر عنه معلقو الشؤون الأمنية والعسكرية بأن "إسرائيل" متجهة نحو التهدئة. بعضهم استنتج ذلك من توقيت التصعيد -عشية زيارة كوخافي الى واشنطن-الأمر الذي تساوق أيضاً مع طبيعة الهجمات الإسرائيلية، التي قيل إنها مدروسة في قطاع غزة.
في ختام حراك سياسي-أمني لافت، شهده نهار السبت، اقتصرت التصريحات والمواقف السياسيّة الرسميّة على بيان مقتضب لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وكلام لوزير الأمن، بني غانتس، وجهه لرؤساء السلطات المحلية بأن "الجيش مستعد لإمكانية التصعيد".
وفي ضوء التصعيد الأمني الذي بدأ ليل السبت، عقدت القيادة الإسرائيلية سلسلة متتالية من جلسات تقدير الوضع الأمني يوم السبت. الأولى، عقدها، المستوى العسكري ممثلاً برئيس هيئة الأركان، أفيف كوخافي، في مقرّ وزارة الأمن في "تل أبيب"، مع كبار ضباط هيئة الأركان العامة، قاطعاً بذلك عطلة يوم السبت.
جلسة تقدير الوضع الثانية، عُقدت في المكان نفسه، ولكن بمشاركة وزير الأمن، بني غانتس، إلى جانب قيادة المؤسّسة الأمنية، حيث تلقى توصيات الجيش الإسرائيلي، قبل الانتقال إلى جلسة المشاورات وتقدير الوضع الثالثة، ذات الطابع السياسي الأمني، بحضور رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وصدر بعدها بيان مقتضب عن رئيس الحكومة، أكد فيه الصلة الوثيقة بيت "جبهة القدس" و"جبهة غزة"، جاء فيه: "مستعدون لكل سيناريو في غزة، أدعو للتهدئة في القدس".
وأضاف: "نحن نريد قبل كل شيء ضمان القانون والنظام في القدس. نحن سنحافظ على حرية العبادة كما كل سنة، لكل السكان ولكل الزوار أيضاً ونطلب حالياً تطبيق القانون وأدعو لتهدئة النفوس في القدس من كل الأطراف".
وبالتزامن مع سلسلة الجلسات تلك جرى الإعلان عن إرجاء كوخافي لزيارته الهامّة المُقرّر إلى واشنطن، لبحث الملف النووي الإيراني، ومواضيع أخرى بالغة الأهميّة، بحسب معلقين.
القدس فتيل التصعيد
اتفقت التقديرات العسكرية الصادرة عن الجيش الإسرائيلي مع مجمل القراءات الإعلاميّة، والتي تبناها أيضاً المستوى السياسي خلال جلسات تقدير الوضع، على أن إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، جاء على وقع اللهيب في شوارع القدس المحتلة، عبر المواجهات المشتعلة منذ عدة أيام بين المقدسيين والمستوطنين.
وأكّدت مصادر عسكرية وأمنية، ومعلّقون سياسيون وعسكريون إسرائيليون، أن الشرارة التي أشعلت النار في قطاع غزة هي أحداث القدس المحتلة، ولفتوا إلى أن تخفيف اللهيب في القطاع يتطلّب تهدئة للأوضاع في شوارع القدس.
أسباب أُخرى جرت الإشارة إليهما كمحفزين نحو التصعيد من قبل حركة حماس في القطاع والفلسطينيين في الضفة الغربية، هما الانتخابات الفلسطينية، وشهر رمضان مبارك، إضافة إلى اعتداءات اليهود المتطرفين من منظمة " لاهافا"، وأداء الشرطة الإسرائيلية.
وقدّر معلّقون أن استمرار المواجهة في القدس من شأنه أن "يُستغل من قبل الإيرانيين وحلفائهم من أجل الضغط على الأميركيين"، والاستفادة من ذلك في المفاوضات على الاتفاق النووي في فيينا. وأضافوا أن "الأحداث في القدس وغزة تجسّد كم أن الوضع في المنطقة قابل للانفجار ويمكن أن ينتقل خلال وقت قصير من الهدوء والروتين إلى حرب في عدة قطاعات".
وأشار خبراء إلى أنّه في حال لم تضع القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية، على رأس أولوياتها، اجتثاث ظاهرة "العنف اليهودي والعربي من القدس، فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى انتقال العنف إلى مدن أخرى وإلى تدهور إقليمي وعمليات انتقام يمكنها أن يشكل كابوساً لنا جميعا".
بين حماس وحزب الله وإيران
رأى معلقون في الشؤون العسكرية (من بينهم المراسل العسكري لاذاعة الجيش الإسرائيلي تساحي دابوش) أن حركة حماس تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى حـزب الله، ولكن على الحدود الجنوبيّة لـ"إسرائيل". وقدّروا أنه بعد نحو خمس سنوات "لن نستطيع مهاجمة حماس أو عناصرها مثلما لا نستطيع مهاجمة حزب الله وعناصره".
تأجيل معالجة وضع حركة حماس في القطاع، كان –برأيهم -بسبب الاعجاب الإسرائيلي بـ "المعركة بين الحروب" في سوريا. وتحت غطاء هذا الاعجاب وجدت القيادة الإسرائيلية ذريعة لتأجيل معالجة معضلة قطاع غزة. وعلى ضوء ذلك طُرح السؤال: هل ستضطر "إسرائيل" على خوض "معركة بين الحروب" ضد حماس في قطاع غزة.
في المحصلة، بحسب معلق الشؤون العسكرية في موقع يديعوت رون بن يشاي، "الجيش الإسرائيلي قرر حالياً إحتواء الحادثة على أمل أن تهدأ الإحتجاجات في القدس وغزة وأن لا تتمدد المواجهة إلى المنطقة الشمالية، خاصة وأن الحزب أصدر بياناً داعم للشبان العرب الذين يواجهون قوات الأمن الإسرائيلية في القدس، بيت لحم وأماكن أخرى".
فإستمرار المواجهة من شأنه طبعاً، بحسب بن يشاي، أن يستغل من قبل الإيرانيين من أجل الضغط على الأمريكيين والإستفادة من ذلك في المفاوضات على الإتفاق النووي في فيينا. فالأميركيون، كما "إسرائيل" يخشون من إهتزاز الإستقرار في المنطقة وهذه رافعة ضغط بيد إيران. والإحتجاجات في القدس التي انتقلت لمواجهة أيضاً في غزة، يمكن أن تقوي رافعة الضغط هذه الموجودة بيد إيران.