أزمة تأليف الحكومة في لبنان: أزمة نظام
لم يكن ما حدث في القصر الجمهوري في لبنان الإثنين الفائت، سوى انعكاس لانسداد في شرايين تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري بعد 6 أشهر على تكليفه.
ما أقدم عليه رئيس تيار المستقبل يُعد سابقة في تاريخ تأليف الحكومات في لبنان، حيث تعمد توزيع الصيغة الحكومية على الإعلام وهي قديمة وتعود إلى شهر كانون الأول/ديسمبر الفائت. بيد أن ما يجري في لبنان ليس أزمة تأليف حكومة وحسب، لا بل إنها أزمة نظام وبات الأمر يتطلب حلولاً جذرية.
في 22 تشرين الأول/أوكتوبر العام الماضي منح 65 نائباً ثقتهم للحريري لتأليف الحكومة الرابعة في عهد الرئيس ميشال عون (2016 – 2022)، وكان الرهان على تأليف سريع بحيث تنكب الحكومة الجديدة على الشروع في إصلاحات تسمح بوقف الانهيار الزاحف في البلاد، لا سيما أن أكثر من 60% من الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر بفعل الحصار الغربي – العربي والارتفاع غير المبرر لسعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية. حيث ارتفع سعر الدولار من 1515 ليرة في تشرين الأول/أوكتوبر عام 2019 إلى 15000 ليرة في آذار/مارس الحالي.
أزمة نظام ... والطائف فشل!
في العام 1989 وعلى وقع أصوات المدافع بين شطري العاصمة اللبنانية وكذلك داخل أحياء بيروت الشرقية، استطاع اللبنانيون التوصل إلى اتفاق في السعودية عرف بوثيقة الوفاق الوطني أو اتفاق الطائف (نسبة لمدينة الطائف السعودية التي جرى فيها توقيع الاتفاق).
اتفاق الطائف أعاد توزيع الصلاحيات الدستورية بين الطوائف وسحب الصلاحيات التنفيذية من رئاسة الجمهورية وأناطها بمجلس الوزراء مجتمعاً.
ولعل هنا يكمن بيت القصيد، فمع وصول الرئيس الراحل رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة بات يتصرف بحكم موقعه وعلاقاته الداخلية والخارجية كرئيس أوحد للسلطة التنفيذية، وأضحت الصلاحيات إلى حد كبير لدى رئيس الحكومة وليس في مجلس الوزراء مجتمعاً على خلاف ممارسة الرئيس سليم الحص الذي تولى رئاسة الحكومة الأولى في عهد الرئيس السابق العماد إميل لحود من العام 1998 إلى العام 2000.
إلا أن الأزمات في لبنان لم تنته مع دخول اتفاق الطائف حيز التنفيذ عام 1990 بعد تصدقه من البرلمان اللبناني وإصدار لاحقاً التعديلات الدستورية.
وإذا كانت دمشق قد تكلفت بحكم وجود جيشها في لبنان بمعالجة الخلافات اللبنانية – اللبنانية، إلا أنه بعد العام 2005 بدأت الأمور تسير في اتجاه الصدام في الشارع بعد التوتر السياسي والذي لم يتوقف إلا بعد توقيع ما عرف باتفاقية الدوحة في أيار/مايو عام 2008.
كل ذلك يؤكد أن النظام اللبناني بحاجة إلى وصاية خارجية نظراً إلى الصراع الدائم على الصلاحيات والسلطة وسوء تطبيق اتفاق الطائف، عدا عن عدم معالجة الخلل الدستوري في الاتفاق وفي النصوص الدستورية التي لا يزال بعضها غامض.
أما وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم، رئيس مكلف من دون أي نص دستوري يسمح بسحب التكليف منه، وحكومة تصريف أعمال لا تمارس صلاحياتها إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، وحصار غربي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد لبنان لإجبار بيروت على تقديم تنازلات سياسية تستفيد منها تل أبيب بالدرجة الأولى.
وبمعنى أوضح بات النظام اللبناني أسير الصراعات الداخلية وارتداد أصداء الصراعات الخارجية، عدا أن موازين القوى في البلاد لم تعد كما كانت عام 1990.
كل ذلك يؤدي إلى خيار أوحد: مؤتمر تأسيس أو على الأقل حوار وطني يفضي لإدخال تعديلات دستورية وسياسية تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى الحالية وتُبعد لبنان عن تأثيرات الحصار الغربي.
ولعل الدعوات للتوجه شرقاً هي من الحلول للأزمة الراهنة لا سيما أن الغرب يخير اللبنانيين بين التجويع أو القتل.