المؤسسة الأمنية الإسرائيلية: تنافس على المواقع.. وخلافات على التعيينات

المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تواجه مشاكل داخلية وانتقادات خارجية، على خلفية التعيينات الأخيرة لضباطها، كما إن تعيين نتنياهو لمبعوث بشأن إيران أثار الخلافات مع رئيس الموساد يوسي كوهين.
  • معلقون إسرائيليون يتوقعون أن تستمر الخلافات بين كوهِن وكوخافي

شهدت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي تضم الجيش الإسرائيلي والموساد وهيئة الأمن القومي، وغيرها من الهيئات الأمنية، اتهامات وانتقادات بين قادتها، بعضها بالتصريح وبعضها الآخر بالتلميح، خلال الأيام الماضية، وذلك على خلفية التنافس على مناصب ومواقع رفيعة المستوى.

حيث إن الكشف عن تعيين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مستشار الأمن القومي مائير بن شبات، مسؤولاً عن الاتصالات مع الدول الكبرى، لا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية، حول الملف الإيراني، أثار علامات استفهام وتساؤلات مردها، وفقاً لمعلقين، إلى عدم معرفة "بن شبات" الكافية بطهران وواشنطن، وعدم إجادته اللغة الإنكليزية، وإلى كون كل المؤشرات كانت تدل على أن هذا المنصب هو من نصيب رئيس الموساد، يوسي كوهين، الطامح لتولي هذه المهمة بنفسه، والذي يبدو أنه المتضرر الأول من هذا القرار.

عدم نيل كوهين مبتغاه، ترافق مع استمرار الحديث عن وجود خلاف بينه وبين رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، الفريق أفيف كوخافي، منذ خطاب الأخير الذي انتقد فيه إدارة بايدن، خلال الشهر الماضي. خلافٌ توقع معلقون أن يستمر إلى الوقت الذي سيتنافس فيه كوهين وكوخافي على رئاسة الحكومة في المستقبل.

جمرة الخلافات انتقلت إلى داخل الجيش الإسرائيلي على خلفية جولة التعيينات الأخيرة التي أعلنها رئيس الأركان أفيف كوخافي، والتي تضمنت تنقلات بين كبار الضباط في هيئة الأركان العامة من جهة، وترقية ضباط برتبة عميد إلى رتبة لواء، وتسلمهم مناصب هامة، وبالتالي دخولهم إلى نادي هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي من جهة ثانية. قسم من هذه التعيينات أثار علامات استفهام في الجيش الإسرائيلي، بعد رفض ضباط كبار استلامهم مناصب لا يرغبون بها، وإعلان آخرين نيتهم الخروج إلى التقاعد ما لم ينالوا مبتغاهم، وهو ما يشير، بحسب معلقين إسرائيليين، إلى مشاكل في عمليّة اتّخاذ القرارات بخصوص التعيينات، وفي عملية تأهيل طبقة الضباط "الرفيعة جداً" في الجيش الإسرائيلي.

انتقادات على تعيين "بن شبات" رجل الاتصالات حول إيران

كشفت مصادر إسرائيلية "رفيعة"، يوم الجمعة الماضي، أن نتنياهو قرّر تعيين مستشار الأمن القومي مائير بن شبات، كمسؤول عن الاتصالات مع الدول العظمى فيما خص موضوع الاتفاق النووي مع إيران، وكمبعوث من قبله بخصوص هذه المسألة، وفق ما ذكر موقع " والاه" الإسرائيلي.

مصادر في محيط نتنياهو أضافت، بحسب موقع " والاه"، أن بن شبات يُعدّ في هذه المرحلة رجل الاتصالات مع الإدارة الأميركية بخصوص المسألة الإيرانية. وهو بالفعل أجرى حتى الآن محادثتين مع نظيره الأميركي جاك سوليفان حول المسألة الإيرانية ومسائل أُخرى، بحسب تقارير في "إسرائيل".

ولم يمر هذا التعيين بهدوء، إذ، وفقاً لتقارير إعلامية في "يديعوت أحرونوت"، ضغط رئيس الموساد يوسي كوهين لتولي هذه المسؤولية، بحجة أنه قادر على اقناع الأميركيين بعدم العودة إلى الاتفاق النووي، وهو أدار حملة إعلامية مكثفة في محاولة منه لوضع نفسه كمسؤول عن الموضوع الإيراني.

الصحيفة نقلت عن "مسؤول رفيع" في الموساد إشارته إلى أن المسؤولية عن ملف إيران ستُساعد كوهين في المسار السياسي، لأنها ستفتح له أبواب الإدارة في واشنطن، وأيضًا أبواب متبرعين محتملين.

ووفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية، انتقدت مصادر أمنية رفيعة المستوى قرار نتنياهو تعيين بن شبات في منصب رجل الاتصال مع الإدارة الأميركية والدول الكبرى في موضوع إيران، ولفتت إلى أنه "لا يتحدث الإنكليزية ولا يعرف إيران عموماً. وليس لديه صلة بأعضاء الإدارة الديمقراطية الذين كانوا من مهندسي الاتفاق النووي". وأضافت المصادر بأن بن شبات يستعين بمترجم في كل محادثاته الحساسة مع مسؤولين أميركيين.

ورغم التقارير عن حسم موضوع تعيين بن شبات كرجل الاتصال مع واشنطن، لفتت تقارير إعلامية أُخرى إلى أنه في هذه المرحلة لا يزال غير واضح من هو المسؤول عن الملف الإيراني: كوهين أو بن شبات، وأضافت التقارير أن هوية المبعوث الإسرائيلي (إلى واشنطن) بقيت غامضة.

التقارير نفهسا أشارت إلى أنه في الوقت الذي كان يُنظر فيه إلى كوهين على أنه مرشح طبيعي للموقع، سرّب ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي، في الأيام الأخيرة، أنهم "غير راضين عن فكرة أن كوهِن سيمثّل القدس في الولايات المتحدة لأنهم يرونه عدوانياً للغاية ومتصلباً".

علاقات متوترة بين كوخافي وكوهِن

الحديث عن عدم رضا كوهين من تكليف بن شبات، تولي مسؤولية العلاقة مع واشنطن والدول الكبرى حول الملف النووي الإيراني، تزامن مع تذكير العديد من المعلقين في "إسرائيل" بالخلاف الذي جرى نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي بين كوهين وبين رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، كوخافي، بسبب انتقاد كوهين لكلمة كوخافي في معهد أبحاث الأمن القومي، والتي انتقد فيها نية إدارة بايدن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وتهديده بالقيام بعمل عسكري ضد إيران. انتقاد وصل إلى حد وصف كوهِن لخطاب كوخافي بأنه عديم المسؤولية.

رد كوخافي آنذاك أتى على لسان مصدر عسكري عبر إذاعة الجيش الإسرائيلي، ومفاده أن رئيس الأركان ليس ملزماً بإطلاع رئيس الموساد قبل أن يلقي خطاباً، وفي حال وجود خلاف في الرأي، فالأفضل أن يبقى في الغرق المغلقة.

المحللة السياسية الإسرائيلية مزال معلام، كتبت في موقع المونيتور، أن مصادر أمنية كبيرة قالت منذ أيام إنّ سبب خروج كوهين ضد خطاب كوخافي هو ببساطة أنه كان يريد قول الأمور بنفسه. وأضافت معلام أن كوهين "لم يعجبه احتلال كوخافي عناوين الصحف واغتصاب موقعه الأول بشأن إيران"، لذلك ردّ بهجوم شخصي تجاوز النقد المهني.

معلقون إسرائيليون توقعوا أن تستمر الخلافات بين كوهين وكوخافي، إلى الوقت الذي سيتنافسان فيه على رئاسة الحكومة في العام 2025. وهو منصب يسعى إليه كل من كوهين وكوخافي ويطمحان له. وفي هذا السياق، ذكّر معلقون بتسريب "غير معتاد" لنتنياهو حصل قبل بضع سنوات، عدّ فيه كوهين كأحد خلفَيْن محتملَيْن له، مع سفير "إسرائيل" في واشنطن آنذاك، رون دريمر.

تقارير إعلامية إسرائيلية ذكرت أن العلاقات بين رئيسَيْ الأركان والموساد "متوتّرة"، وفي المؤسّسة الأمنيّة يعرفون الأمر منذ فترة. وأضافوا أن كوهين تربطه علاقات وثيقة جداً بنتنياهو، وهو مطلع على خطط نتنياهو الدبلوماسية والأمنية، لا سيما مع دول الخليج (اتفاقيات التطبيع، صفقة الأف 35، ولقاء نتنياهو – ابن سلمان)، وهو يجلس على كل طاولة تقريبًا، بينما كوخافي "تم استبعاده من الغرفة"، ولم يتم اطلاعه على أي من هذه الأمور.

الجيش الإسرائيلي: مشاكل في عملية تعيين كبار الضباط

رئيس الأركان أفيف كوخافي أعلن يوم الخميس الماضي، بالتنسيق مع وزير الأمن بيني غانتس، عن سلسلة تعيينات في هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي. التعيينات الجديدة شملت تعيين: قائد جديد للمنطقة الجنوبية، قائد جديد للمنطقة الوسطى، رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية، قائد جديد لسلاح البحر، قائد جديد لسلاح البر، رئيس جديد لشعبة القوة البشرية.

وسائل إعلام إسرائيلية قالت إن كوخافي يواجه منذ فترة طويلة تعقيدات تعيين ضبّاط برتبة لواء حول طاولة هيئة الأركان، ويبدو أنّه حصل تقدّم نحو إتمام الصورة في القيادة العسكرية، وهذا يأتي بعد رفض عدّة إجراءات طلبها سابقًا من قبل ضبّاط برتبة لواء وعميد، بما فيهم أشخاص أعلنوا نيتهم التقاعد من الجيش.

وبحسب معلقين (في صحف إسرائيل هيوم، ومعاريف ويديعوت أحرونوت)، الجولة الحالية لتعيين الضباط برتبة لواء،  أرغمت رئيس الأركان على التعامل مع ظاهرة إشكالية من رفض ضباط برتبة لواء تعيينهم في مناصب في الأركان العامة. أحدهم، على سبيل المثال، اقتُرح عليه ما لا يقل عن منصبين ورفضهما، وضابط آخر برتبة عميد رفض تعيينه رئيسًا لشعبة التكنولوجيا واللوجيستية، بحسب "إسرائيل هيوم".

معلقون إسرائيليون قالوا إنه يبدو أن وجع رأس كوخافي لم ينتهِ مع الإعلان عن التعيينات في هيئة الأركان. وأضافوا أنه ثمة مناصب اختار كوخافي عدم حسم القرار بشأنها في هذه المرحلة، بغية رؤية ردّة فعل "ألوية" هيئة الأركان العامة وعمداء كبار تجاه القرارات، وما إذا كان قسم منهم سيقرّر الاعتزال طوعًا أو سيكون لزاماً عليه اتخاذ القرارات الصعبة بنفسه.

وبحسب المعلقين الإسرائيليين، يشير هذا الضجيج في الأساس إلى مشاكل في عمليّة اتّخاذ القرارات بخصوص التعيينات، وإلا ما كان أحدٌ ليعترض على خلفية جزء من التعيينات.

معلقون عسكريون في صحف إسرائيلية أشاروا إلى أن جولة التعيينات هذه، تجسّد الإشكاليات والصعوبات في تعيين ضباط كبار، من جملة أمور بسبب رفض الضباط تسلّم مناصب معيّنة. وهي تدلّ على مشاكل كثيرة في عملية تأهيل طبقة الضباط الرفيعة جداً في الجيش الإسرائيلي، بحيث بدأ جزء منها (المشاكل) خلال ولاية رئيس هيئة الأركان السابق غادي أيزنكوت، لكنها تفاقمت في فترة ولاية كوخافي، التي أعرب فيها ضباط عن رفض واضح لتسلّم مناصب غير مريحة لهم مع تهديدات بالإستقالة.

وكمؤشر على حدة التنافس بين المرشحين، واعتماد أساليب ملتوية وغير قانونية خلال المنافسة، كشف موقع القناة 12 الإسرائيلية النقاب عن قضية رسالة تتطرق إلى مخالفات أخلاقية خطيرة جداً، وربما حتى مخالفات جنائية، وصلت إلى المدعي العام العسكري اللواء شارون أفيك وإلى قائد الشرطة العسكرية. الرسالة كتبها وأرسلها ضابط كبير وهي تحتوي على معلومات تشهر بسمعة ضابط برتبة عميد مرشح للترقية إلى منصب لواء.  هذه الرسالة، بحسب معلقين، متورط فيها كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، ويقف وراءها ضابط ينافس زميله المتهم على منصب كبير في الجيش الإسرائيلي. وعلى خلفية هذه الحادثة، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنه لا مكان في الجيش لثقافة التشهير والاتهامات الباطلة، وأضاف أن رئيس الأركان أمر بإجراء تحقيق شامل في تفاصيل القضية، للوصول إلى الحقيقة، واقتلاع مثل هذه الظواهر من جذورها.

المصدر: قسم الشؤون الإسرائيلية