ما الَّذي فرض على عرب الخليج مصالحة هشّة؟
لم تغيّر وسائل الإعلام المحسوبة على قطر الكثير في مضمون سياستها التحريرية إزاء السعودية والإمارات والبحرين بعد المصالحة الشكلية التي فرضها دونالد ترامب عشية خروجه من البيت الأبيض.
وإن كانت وسائل إعلام الصف الأول القطرية، وخصوصاً القنوات التلفزيونية الفضائية، خففت بشكل ملحوظ المواد الإعلامية التي تضيء على الممارسات السعودية تحديداً، ولكنّ مواقع عديدة تموّلها قطر حافظت على تصويبها على محمد بن سلمان وحكام الإمارات والبحرين، مستندة في أغلب الأحيان إلى ترجمة مواد أجنبية للتخفيف من مسؤوليتها الإعلامية.
تنال الإمارات حصة مميزة في التغطية القطرية التي تخضع لسياسة الدوحة الحذرة من رفع سقف "مشاعر الود" لجيران ناقشوا قبل أشهر قليلة فرصة غزو قطر عسكرياً، بحسب تقارير أميركيّة، ولكن ما الذي يقف حجر عثرة أمام مصالحة خليجية حقيقية؟
لم تذكر ترتيبات المصالحة المواضيع الخلافية التي تم فرض الحصار على قطر من أجلها إلا من باب تأكيد حرية كل دولة في ممارسة سياستها الخارجية بما تراه مناسباً. وفجأة، لم تعد قضايا "العلاقة مع إيران" ودعم "الإخوان المسلمين" التهم الجاهزة لإدانة الدوحة.
يبدو أن السبب الذي تمت من أجله المصالحة أعمق من الخلافات الدائمة بين عرب الخليج، ولسنا نتحدّث هنا عن رغبة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في تسجيل "إنجاز" قبل مغادرة البيت الأبيض، فالمصالحة الخليجية لا ترقى إلى مستوى الصور الفوتوغرافية لأطراف التطبيع على سبيل المثال.
إن شكل "المصالحة" (التي لا تتضمن بنود مصالحة حقيقية) وتوقيتها وأسئلتها تؤشر كلها إلى سبب استراتيجي مرتبط بخارطة المنطقة، فوسط كل المشهد المضطرب في الشرق الأوسط، هناك لاعب ثابت تصب جميع الأحداث في صالحه: تركيا. لقد قرر رجب طيب إردوغان التقدم خطوة لأداء دور الوكيل الذي يحفظ مصالح جميع الأطراف الدولية في غرب آسيا وشمال أفريقيا.
وإن كانت علاقة أنقرة تصطدم بعقدة الدونية التاريخية أمام أوروبا، فإن العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وروسيا و"إسرائيل" والصين في آن تجعل تركيا الدولة القادرة على إدارة اللعبة في المنطقة من دون الاصطدام مباشرة بإيران، التي تنظر أيضاً بعمق استراتيجي إلى علاقتها مع الدولة التركية.
وبما أنَّ قطر هي القاعدة العربية للنفوذ التركي في الخليج، فإن تهدئة التوتر بين حلفاء الصف الواحد تتيح التركيز على الهدف الأكبر وإتاحة الفرصة أمام تركيا لقيادة العالم الإسلامي، في مقابل إرضاء السعودية بإصلاحات محمد بن سلمان وخططه التنموية، وسط إطلاق يده في مراكمة الثروات الشخصية وإسقاط أي تهم عن ممارساته في الداخل والخارج.
ولكن هل يكفي هذا الهدف للمّ شمل عرب الخليج؟ ليس من السهل الإجابة عن سؤال كهذا بين حكام تحكم نياتهم الأحقاد الدفينة، ولكن الأكيد أن شعوب هذه الإمارات والممالك لم تدفن بعد مشاعر العداء حتى تتقبل مصالحة مفروضة.