ترامب في 2020: فضائح وأكاذيب وأخبار مزيّفة
فضائح وأكاذيب وأخبار مزيّفة.. مصطلحات سمعناها كثيراً في فترة ولاية دونالد ترامب 2016-2020، وخصوصاً في العام الأخير، الذي تحوّل فيه من "الرئيس الـ45 للولايات المتحدة" إلى "الرئيس المنتهية ولايته".
لماذا خسر ترامب الانتخابات بوجه منافسه جو بايدن؟ سؤال ينشغل الجميع بالإجابة عنه منذ 7 تشرين الثاني/نوفمبر. فشلُ ترامب في الاستجابة لفيروس كورونا أدى دوراً كبيراً، إضافة إلى حملة "حياة السود مهمة"، مع ارتفاع منسوب عنصريّة الشرطة ووحشيّتها بعد مقتل جورج فلويد، لكن المؤكد أيضاً أن كل الفضائح التي نُشرت عنه في كتب وتحقيقات استقصائيّة، ساهمت بشكل أو بآخر في تراجع شعبيته، وأثرت في نتيجة الانتخابات.
شعور ترامب بالنصر من فشل محاولة عزله بداية العام 2020، بعد محاكمة تاريخيّة بتهمة إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، تلاشى تدريجياً مع انتشار فضائحه. بدايةً، كتاب جون بولتون "الغرفة التي شهدت الأحداث"، ثم كتاب ماري، ابنة شقيقه، "كيف خلقت عائلتي أكثر الرجال خطورة في العالم؟"، وصولاً إلى فضيحة الـ750$ فقط التي دفعها كضرائب!
يحب الدكتاتوريين وغزو البلاد.. فضائح ترامب في السياسة الخارجيّة
ربما لم يكن ترامب يدرك أن طرده مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون بعد خلافات شديدة بينهما، قد يفتح باباً واسعاً أمام الكثير من الأسرار التي عايشها بولتون خلال فترة عملهما معاً بين نيسان/أبريل 2018 وأيلول/سبتمبر 2019. كتاب بولتون "الغرفة التي شهدت الأحداث – مذكرات من البيت الأبيض" الذي صدر في 23 حزيران/يونيو 2020، قدم للأميركيين والعالم صورة عن رجل "مغرور ومندفع يترأس الفوضى كأسلوب حياة في البيت الأبيض"، كما وصفه.
فشلت محاولات ترامب في منع نشر الكتاب، باعتبار أنّه "يحتوي معلومات سريّة تضرّ بالأمن القومي"، فنُشر، وبيعت 780,000 نسخة منه في أسبوعه الأوّل فقط، وصُنف بالكتاب الثاني الأكثر مبيعاً بين كتب الأمن القومي والدولي في موقع "أمازون".
دعَم بولتون في كتابه مزاعم الديموقراطيين في ما يتعلق بفضيحة أوكرانيا، لكنه انتقدهم قائلاً إنهم "ارتكبوا أخطاء في إجراءات العزل"، من خلال التركيز على ذلك فقط، واعتبر أنهم لو وسّعوا التحقيق، لكان المزيد من الأميركيين اقتنعوا بأن ترامب ارتكب "جرائم وجنحاً جسيمة" لازمة لعزله، فما أبرز ما تضمنه الكتاب من فضائح عن ترامب؟
بولتون استمرّ خلال فترة نشر الكتاب وما بعدها بانتقاد ترامب واتهامه بالكثير من الإخفاقات. غرد بولتون 42 مرة منتقداً ترامب خلال العام 2020، كما غرد 20 مرةً متحدثاً عن كتابه، معتبراً في إحداها أنه كتبه "للتاريخ".
في المقابل، نعت ترامب مستشاره السابق بالكثير من الأوصاف القاسية، واعتبر أنه كان من الجيد أنه طرده، وأنّ عليه أن "يدفع الثمن غالياً، لأنه انتهك القانون بنشر معلومات سريّة". كتب في إحدى تغريداته: "يتكوّن كتاب المجنون بولتون الممل للغاية من أكاذيب وقصص مزيفة. قال كل خير عني حتى اليوم الذي فصلته فيه. أحمق، ممل، ساخط، أراد فقط خوض الحروب. تمّ نبذه، ونحن سعداء بذلك. ما هذا الغبي!".
اعتبر 45% من الناخبين الأميركيين خلال الأيام الثلاثة الأولى من نشر الكتاب الذي أغضب ترامب كثيراً، أنّه "ذو مصداقية"، مقارنة مع 3 كتب أخرى عن الرئيس المنتهية ولايته، بحسب استطلاع رأي لشركة بيانات عالميّة Morning Consult.
كيف خلقت عائلة ترامب أخطر رجل في العالم؟
"أنا العضو النهائي في نادي كتاب الشهر".. هذا ما قاله ترامب ساخراً من كثرة الكتب التي تتحدث عنه، عندما صدر كتاب ماري، ابنة شقيقه، بعنوان "كثير للغاية وليس كافياً أبداً: كيف خلقت عائلتي أكثر الرجال خطورة في العالم؟". الكتاب الذي كان موعد صدوره مقرراً في 28 تموز/يوليو 2020، صدر قبل أسبوعين بسبب "ارتفاع الطلب والاهتمام غير العادي به". وبحسب شركة YouGov المتخصصة في تحليل البيانات، كان حوالى 2 من كل 5 أميركيين مهتمين بقراءته قبل صدوره.
تحققت أمنية ماري، ولم يُنتخب عمها رئيساً لولاية ثانية، بعد أن اعتبرت في كتابها أنّ إعادة انتخابه "نهاية للديموقراطيّة الأميركيّة". غاصت ماري في كتابها في أسرار عائلة ترامب، وتحدثت عن طفولته وحالته النفسيّة. وصفته بـ"النرجسي والكاذب الذي طُبعت شخصيته بسلوك والده المتسلط"، وتحدثت عن طريقة تعلّمه "كيفية الكذب لكي يبرز نفسه"، بعدما شهد على الإذلال الذي تعرض له شقيقه، وزعمت أنه ذهب في العام 1981 لمشاهدة فيلم بينما كان شقيقه فريدي يحتضر بسبب نوبة قلبيّة ناجمة عن تعاطي الكحول.
في دراسته، كان ترامب فاشلاً. بحسب كتاب ماري، دفع أموالاً لشخص آخر للخضوع لامتحانات "سات"، لأن علاماته لم تكن جيدة، ما ساعده على دخول كلية "وارتون" لإدارة الأعمال في جامعة "بنسلفانيا".
وفي تفسيرها لحالته النفسيّة، قالت إنّ أمراضه "معقدة للغاية، وسلوكياته غير قابلة للتفسير، إلى درجة أنَّ التوصل إلى تشخيص دقيق وشامل يتطلب حزمة كاملة من الاختبارات النفسيّة والعصبيّة التي لن يخضع لها أبداً".
تم بيع 1.35 مليون نسخة من هذا الكتاب المليء بالأسرار والفضائح الخاصة والنفسيّة في أسبوعه الأوّل، وفقاً لدار النشر "سايمون وشوستر"، محتلاً المرتبة الأولى في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وإيرلندا، والمرتبة الثانية في أستراليا.
....will all end up going to the government anyway. Next up is Mary Trump, a seldom seen niece who knows little about me, says untruthful things about my wonderful parents (who couldn’t stand her!) and me, and violated her NDA. She also broke the Law by givng out my....
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) July 17, 2020
وبينما اعتبر البيت الأبيض أنّه "كتاب أكاذيب"، غرد ترامب مرة واحدة فقط عن الكتاب بعد صدوره بأيام، معتبراً أنّ ابنة أخيه "التي نادراً ما تُرى، ولا تعرف سوى القليل عني، تقول أشياء غير صادقة عن والديّ الرائعين (اللذين لم يستطيعا تحملها!) وأنا، وانتهكت اتفاقية عدم الإفشاء. لقد خرقت القانون أيضاً بالتصريح عن عائدات الضرائب". في المقابل، غردت ماري 21 مرة منتقدةً عمّها في العام 2020، كما كانت من الداعمين للرئيس المنتخب جو بايدن ونائبه كامالا هاريس.
ندفع ضرائب أكثر من الملياردير ترامب!
قبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسيّة 2020، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" في تحقيق استقصائي بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر، استناداً إلى بيانات الإقرار الضريبي، أن ترامب لم يدفع سوى 750 دولاراً من الضرائب على الدخل في أوّل عامين في الحكم. ترامب أيضاً لم يدفع ضرائب خلال 10 سنوات من آخر 15 عاماً، رغم أنه حصل على 427.4 مليون دولار خلال العام 2018.
الصحيفة أكدت أيضاً أن ترامب استطاع تقليل فاتورته الضريبيّة من خلال الإبلاغ عن تكبد إمبراطوريته التجاريّة خسائر فادحة. أبلغ الرئيس الـ45 للولايات المتحدة عن خسائر بلغت 47.4 مليون دولار في العام 2018، على الرغم من أنه ذكر في إقرار مالي أنه حقق دخلاً لا يقل عن 434.9 مليوناً.
ما الذي فضحته "نيويورك تايمز" من أرقام عن ضرائب ترامب وأرباحه وخسائره؟
التحقيق أحدث ضجة كبيرةً في البلاد، ودفع ترامب إلى توجيه سيل من الانتقادات إلى وسائل الإعلام التي اعتاد تسميتها بـ"المزيّفة". غرّد في 28 أيلول/سبتمبر مبرراً ما ورد في التحقيق، ومؤكداً أنّه دفع ملايين الدولارات كضرائب، وأنه كان يحق له مثل أيّ شخص الحصول على إعفاءات ضريبية، مشدداً على أنّ لديه القليل جداً من الديون مقارنة بقيمة الأصول، وأنّه الرئيس الوحيد الذي تخلى عن راتبه السنوي البالغ 400 ألف دولار، إضافة إلى راتبه الرئاسي.
لم يكن من السهل على الأميركيين، عمالاً وطلاباً ورجال أعمال وسياسيين، تقبّل أنهم يدفعون الضرائب أكثر من رئيسهم الميلياردير، وأنهم يلتزمون بالقانون بينما يخرق رأس هرم دولتهم القانون بشكل مستمر. وقد أُطلقت حملة في وسائل التواصل الاجتماعي عرض خلالها الأميركيّون ما يدفعونه من ضرائب مقارنة مع 750$ فقط دفعها ترامب.
I paid more federal income tax working part time at Starbucks for three years in high school than Donald Trump, the “billionaire” paid in 15 years.
— Marcel (@MarcelMcClinton) October 8, 2020
I'm a graduate student and an immigrant, who's only spent 1.5 years in the US so far. I don't get to vote, I don't get unemployment, but I've paid more income tax than Donald Trump 💁🏻♂️ https://t.co/e4jSy4ZE7K
— Katharin Tai (@katharintai) September 28, 2020
ثقة الأميركيين برئيسهم الـ45 تراجعت أيضاً مع تراكم الأكاذيب التي كان يطلقها في مؤتمراته الصحافيّة، وخلال مقابلاته التلفزيونيّة، وتغريداته في موقع "تويتر". بحسب "واشنطن بوست"، قدّم ترامب 20 ألف ادعاء كاذب ومضلل أثناء توليه منصبه، وحقّق علامة فارقة في 9 تموز/يوليو 2020، حين قدم 63 ادعاءً كاذباً. كما أحصت الصحيفة 492 ادعاءً كاذباً، بمعدل حوالى 5 ادعاءات يومياً في أول 100 يوم له في البيت الأبيض.
هل أثرت كل هذه الفضائح في نتائج الانتخابات وساهمت في خسارة ترامب؟ "الميادين نت" سألت متابعيها في مواقع التواصل "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام"، وجاءت النتيجة على الشكل التالي:
انتهت ولاية الرئيس دونالد ترامب الذي سيسلّم السلطة في 20 كانون الثاني/يناير 2021. دعاوى قضائيّة كثيرة بانتظاره بعد 4 سنوات من الفضائح والقرارات المتهورة، لكن هل تنتهي فضائحه مع انتهاء ولايته، وخصوصاً في حال ترشح لانتخابات 2024 الرئاسيّة، وأعاد بلاده والعالم إلى دوامة خرج منها الجميع بصعوبة؟