دولاب السعودية.. على من الدور عام 2021؟
عام 2020 كان عاماً سيئاً بالنسبة إلى السعودية. صحيح أن اقتصادات العالم عانت كلها من تبعات جائحة كورونا، لكن بالنسبة إلى أكبر مصدّر للنفط في العالم كان ذلك كارثياً وأدى إلى إعطاب خطط التنويع الاقتصادي المدرجة ضمن رؤية 2030، المشروع الطموح الذي كان يعاني من الأساس.
كان هذا الأمر ليكون ظرفياً لولا وجود مجموعة من المعطيات المعقّدة والتحديات التي تمرّ بها المملكة. وفق موقع Middle East Eye سيكون عام 2021 عاما كئيباً على السعودية. سيكثف محمد بن سلمان من حملات الاعتقال ضد أقاربه، وسيجد نفسه مضطراً للاعتماد على ثروات الأمراء، وسيستمر في الاعتماد على الاحتياطي والاقتراض من الأسواق الدولية.
فوق ذلك تشير كاتبة المقال مضاوي الرشيد إلى أن السعودية لن تستطيع الحفاظ على ولاء مواطنيها عندما لا توفر لهم الخدمات الأساسية التي اعتادوا عليها، حيث تمثل الضرائب الأخيرة بداية علاقة مضطربة بين الدولة والمجتمع.
لقد لجأت الرياض إلى إجراءات التقشف وخفض الإنفاق هذا العام، وهو أمر غير معتاد في هذا البلد الريعي. ألغت الحكومة بدل المعيشة للموظفين الحكوميين وزادت ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15 في المئة بدءاً من منتصف العام.
رغم ذلك يخفّف صندوق النقد الدولي من تلك السيناريوهات المتشائمة، بحيث يتوقع أن ينخفض عجز الموازنة إلى نسبة 5,6 في المئة في 2021 نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. هذا الانخفاض لا يلغي وجود العجز بما يتنافى مع توقعات ابن سلمان وتعويله على الاستغناء عن النفط بحلول عام 2020. توقعات يتبين اليوم أنها كانت مفرطة بعدما أكد ولي العهد السعودي عام 2016 أن المملكة أعدت رؤية 2030 لتطلقها سواء بارتفاع سعر النفط أو انخفاضه. وبيّن وقتها أن الرؤية لم يتم إعدادها للتكيف مع أسعار النفط المرتفعة، بل مع أقل أسعاره.
في الأيام الأخيرة بدأت لقاحات كورونا بالوصول إلى المملكة في وقت يصرّ المسؤولون الحكوميون على إطلاق تصريحات متفائلة. يقول وزير المالية محمد الجدعان إن عام 2021 سيكون عام التعافي الاقتصادي، بينما توقعت الميزانية العامة التي صدرت في شهر أيلول/ سبتمبر عن وزارة المالية نمو الناتج المحلي الإجمالي بـ 3.2% في 2021.
تبقى هذه التوقعات الإيجابية موضع تشكيك من قبل خبراء وترتبط بمجموعة من الظروف والشروط، فأي بيئة اقتصادية قادرة على جذب الاستثمارات في ظل انقلاب التوازنات العسكرية في اليمن لصالح صنعاء وفي ظل استهداف المنشآت النفطية والاقتصادية في السعودية؟
عدا عن ذلك ثمة تحديات سياسية وشعبية داخلية يطرحها موقع Middle East Eye. الموقع يتجاوز الحالة الشعبية الراهنة التي يتمتع بها الأمير الشاب وسط شريحة الشباب على وجه التحديد، وهي شريحة تشكل غالبية سكان المملكة. يرى الموقع أنه من دون التمثيل السياسي والشفافية قد يبدأ السعوديون في طرح أسئلة حول كيفية إنفاق ضرائبهم.
إدارة بايدن هي التحدي الأكبر
مع ذلك يبقى التحدي الأبرز الماثل أمام ابن سلمان في العام الجديد هو وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض.
طوال الشهور الماضية تعهد بايدن باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه السعودية من ترامب بمجرد توليه منصبه. لكن وفقاً لمجلة "فورين بوليسي" فإن التدهور في العلاقات الأميركية السعودية كان قادماً منذ وقت طويل.
تذكر المجلة خلال الفترة الفاصلة بين إجراء انتخابات الرئاسة الأميركية وصدور النتائج، أن ابن سلمان راهن بشدة على إعادة انتخاب دونالد ترامب عندما وافق ضمنياً على الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، مشيرة إلى أنه في حال فاز بايدن فسيكون الموقف السعودي أكثر عزلة.
يأتي ذلك بعدما شاع في عدد من الصحف الأميركية أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما سيكون الرئيس الظل خلال ولاية بايدن المتقدم في السن، في حين يُتوقع أن يسعى بايدن إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي كان أنجزه أوباما مع إيران، الأمر الذي يؤرق السعودية.
وكان أوباما ذكر في مقابلة مع مجلة "ذا أتلانتيك" خلال العام الأخير من ولايته أن "على السعودية وإيران تعلم مبدأ التعايش معاً والتوصل إلى سبيل لتحقيق نوع من السلام".
مع ذلك ستبقى السعودية حليفاً أساسياً لواشنطن بمعزل عن هوية أي رئيس أميركي وذلك انطلاقاً من موقع المملكة الجيوسياسي، وبسبب مكانتها ورمزيتها الدينية، عدا عن ثرواتها ومصادرها النفطية، وهذا أمر تأخذه دوائر القرار في واشنطن بعين الاعتبار في ضوء صراعها مع الصين بشكل خاص.
بمعزل عن ذلك لا يتوقع أن يلجم بايدن انخراط المملكة في مشاريع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وسوف يستفيد على الأرجح من تركة دونالد ترامب في هذا الملف ويحاول استثمارها في استراتيجيته الخاصة تجاه المنطقة.
من المفيد الإشارة في هذا الإطار إلى أن أوباما ورغم التوترات التي طبعت علاقته بالرياض خلال المرحلة الأخيرة من حكمه، إلا أنه استخدم " الفيتو" الرئاسي لعرقلة تمرير مشروع قانون يمهد السبيل أمام أسر ضحايا هجمات الـ 11 أيلول/ سبتمبر لمقاضاة السعودية ومطالبتها بدفع تعويضات.
المفارقة أن الكونجرس وقتها كان يتمتع الجمهوريون بالأغلبية فيه وقد حاولوا تجاوز " الفيتو"، في حين أن الديموقراطيين الذين كانت لهم الغلبة خلال عهد ترامب سعوا من جهتهم إلى إثارة ملف حقوق الإنسان في المملكة.
يأتي بايدن اليوم مستعيداً مشروع "الديموقراطية" في سبيل عودة أميركا إلى قيادة العالم. وقد تعهد خلال حملته الانتخابية بعقد "قمة للديمقراطية" عام 2021 "لتجديد الروح والهدف المشترك للعالم الحر" كما أعلن. وفي هذا تقول صحيفة The Guardian إنه "إذا كان بايدن يريد عقد قمة للديمقراطية في العالم فعليه أن يستبعد ابن سلمان".
ستكون أمام الأخير تحديات صعبة لحجز مقطورته في دولاب السعودية. سيكون عليه أن يتماشى مع إدارة أميركية جديدة يبدو خطرها داهماً أكثر من التحديات الداخلية، وتفادي أن تدور عليه الأيام كما دارت على ما سبقوه.. أولئك الذين كانوا في الذروة لكنهم باتوا خارج اللعبة.