إردوغان يتودد لـ"إسرائيل".. ونتنياهو لن يستعجل
قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس الجمعة، إن علاقة بلاده بـ"إسرائيل" في مجال الاستخبارات "مستمرة ولم تتوقف، لكننا نواجه بعض المشاكل في علاقاتنا مع الشخصيات في أعلى الهرم"، مضيفاً أنه "لو لم تكن هذه المشاكل، لكانت علاقاتنا مختلفة تماماً، وإننا نود إقامة علاقات أفضل مع إسرائيل، لكن سياساتها بشأن فلسطين غير مقبولة".
وقبل أن نستقرىء معنى التوقيت الزمني لهذا الكلام، ما علينا إلا أن نسأل سؤالاً واحداً ألا وهو: إذا كانت علاقات تركيا مع "إسرائيل" غير جيدة الآن كما يقال، فكيف لأجهزة المخابرات في كلا الطرفين أن تثق ببعضها البعض، ومن ثم من هو العدو المشترك لمثل هذا التعاون بين الموساد والمخابرات التركية؟
فقد تحدثت المعلومات قبل فترة وجيزة، عن لقاءات سرية في أماكن مختلفة بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، ونظيره الاسرائيلي، الذي أقاله نتانياهو قبل أيام.
كما تحدثت المعلومات عن وساطة أذربيجانية في هذا الموضوع، قبل أحداث ناغورنو كاراباخ، التي وقفت خلالها "إسرائيل" وتركيا معاً إلى جانب أذربيجان أو على انفراد. ودفع هذا الدعم الثنائي الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، للدخول على الخط لتحقيق المصالحة بين إردوغان ونتانياهو، وقيل إن الأخير لم يتشجع لذلك. ويفسر ذلك تعيين إردوغان الشهر الماضي سفيراً جديداً له في تل أبيب، لإرضاء نتانياهو، الذي لم يقرر إرسال سفيره إلى أنقرة.
ويستبعد المتابعون لملف العلاقات التركية - الإسرائيلية، أن يستعجل نتنياهو في الرد على موقف إردوغان الذي أشار إلى خلافاته معه باعتبار أنه "في قمة الهرم". ويقول هؤلاء إن هذا أسلوب "إسرائيل" دائماً، وهو تحقيق الكم الأكبر بأقل التكاليف، خاصةً إذا كان الطرف الآخر بحاجة لـ"إسرائيل" مباشرةً أو بشكل غير مباشر للوبيات اليهودية في أميركا.
ولا بدّ من التذكير هنا، كيف نجا الجنرالات الإسرائيليون من الملاحقات القانونية التركية والدولية، بتعليمات إردوغان بعد أن تبرع نتانياهو بـ20 مليون دولار لضحايا سفينة مرمرة، بعد أن قتل الجيش الإسرائيلي 10 من الأتراك نهاية أيار/مايو 2010.
وجاء الاتفاق الإسرائيلي مع أثينا لتدريب الطيارين اليونانيين، لمدة 22 عاماً من قبل "إسرائيل"، كرسالة واضحة من نتانياهو على تودد إردوغان له، وهو ما أشار إليه إردوغان عندما تحدث عن "مشاكله مع بعض الشخصيات في قمة الهرم".
ولم تخف أنقرة قلقها من هذا الاتفاق، كما لم تخف انزعاجها من اتفاقيات التعاون العسكري بين "إسرائيل" واليونان وقبرص، خاصةً وأن الرئيس جو بايدن ووزير دفاعه لويد آوستين، سيولي مثل هذا التعاون أهمية خاصة بسبب تعاطفهما مع الدول الثلاث. وستحظى بدعم عملي من الاتحاد الأوربي، الذي أمهل أنقرة حتى نهاية آذار/مارس حتى "تكف عن تصرفاتها الاستفزازية في شرق المتوسط".
وهذا القلق سيدفع إردوغان، وعبر تصريحات جديدة، للاستمرار في إرسال إشارات إيجابية لتل أبيب، وهو يعتقد أن نتنياهو لن ينجح في الانتخابات المقبلة.
ودون أن يتجاهل إردوغان موقف حزب العدالة والتنمية المغربي، الراضخ لإرادة الملك الذي استسلم للإرادة الإسرائيلية التي تخطط للكثير من المشاريع التي ستستهدف كل دول غرب أفريقيا، عبر قواعدها ليس فقط في المغرب بل وفي تشاد ومالي، وربما لاحقاً بالتعاون مع فلول "داعش" التي هربت من سوريا والعراق إلى ليبيا، ومنها انتشرت هناك لتقديم الخدمة لأسيادها كما فعلت خلال ما يسمى بـ"الربيع العربي".
ولا تهمل المعلومات الحديث عن استمرار أنقرة في مساعيها المباشرة وغير المباشرة لإرضاء تل أبيب "بشتى الوسائل"، قبل أو بعد الانتخابات الإسرائيلية في 23 آذار/مارس المقبل، وهو ما فعلته عندما سمحت في أيلول/سبتمبر 2011، لأميركا بإقامة قاعدة مالاطيا شرق تركيا، ومهمتها مراقبة ورصد تحركات الصواريخ الباليستية الإيرانية التي قد تستهدف "إسرائيل".
وهو ما فعلته أيضاً عندما لم تستخدم حق "الفيتو" في 4 أيار/مايو 2016، ضد انضمام "إسرائيل" للحلف الأطلسي بصفة مراقب، وهو الموضوع الذي ستسفيد منه تل ابيب قريباً في مجمل تحركاتها العسكرية، وتحت مظلة "الناتو" وفي أي مكان من المنطقة العربية، من أقصى الغرب حيث العدالة والتنمية المغربي إلى أقصى الشرق حيث العدالة والتنمية التركي، المجاور لسوريا والعراق والأهم إيران وروسيا.
ويرى البعض في موقف أنقرة في إدلب، والعمليات العسكرية شرق الفرات، والقصيدة التي قرأها الرئيس إردوغان في باكو وأزعجت طهران، رسالةً منه إلى تل أبيب التي يهمها الوضع السوري، ولها علاقات عسكرية واستخباراتية مميزة مع كل من أذربيجان وجورجيا.
ولهذه الدول علاقات عسكرية واسعة مع تركيا، التي لا تتردد في استفزاز صديقتها روسيا عبر التحالف الاستراتيجي مع الرئيس الأوكراني الذي يمتلك علاقات مميزة مع نتانياهو، وقيل أنه هو الآخر يلعب دور الوسيط بين أنقرة وتل أبيب، التي سبق لها أن تعاونت مع تركيا في تصنيع الطائرات المسيرة التي يقوم بتصنيعها صهر الرئيس إردوغان، ويسعى لتطويرها عبر التكنلوجيا الأوكرانية، وبعد أن كانت "إسرائيل" هي التي بدأت هذا المشروع في تركيا.
وفي جميع الحالات، ومع انشغال "إسرائيل" بالانتخابات، يتوقع المراقبون من الرئيس إردوغان أن يستمر في إرسال إشاراته الإيجابية إلى تل أبيب، وعبرها إلى اللوبيات اليهودية ثم الرئيس بايدن، وسيزيد منها خلال الفترة القادمة وحتى إن لم ترد بالمثل على هذه الإشارات.