قضية استيراد نفايات خطرة من إيطاليا تطيح بكبار المسؤولين في تونس
بدأت تداعيات قضية صفقة توريد النفايات الإيطالية إلى تونس بطريقة مشبوهة ومخالفة للمعايير الدولية، تطال مستويات عليا في الدولة، فقد تم إعفاء وزير الشؤون المحلية والبيئة، مصطفى العروي، من مهامه، كما تم إيقاف 12 شخصاً تحفظياً من بينهم مدير الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات ومدير ديوان وزارة البيئة ومديرون في الوكالة الوطنية لحماية المحيط، ومسؤولون في الجمارك وصاحب مخبر كيميائي خاص.
وتم استدعاء 12 شخصاً آخرين للمثول أمام النيابة مع إبقائهم في حالة سراح، منهم وزير البيئة الأسبق شكري بلحسن وقنصل تونس في نابولي بيّة بن عبد الباقي.
وكانت الاتهامات قد تصاعدت في الآونة الأخيرة طالت أطرافاً نافذة، إذ اتهم بدر الدين القمودي رئيس لجنة مكافحة الفساد والإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة بالبرلمان يوم 15 كانون الأول/ديسمبر الحالي أطرافاً من الديوانة ومن وزارة البيئة بالتورط في ملف النفايات الايطالية، مؤكّداً أنّه لا علاقة لمدير وكالة التصرّف في النفايات الذي تمت إقالته بالملف وأنّه كان بمثابة "كبش فداء".
وأكد القمودي أنّه "ما كان لهذه الجريمة النكراء أن تحدث لولا تواطؤ عدّة أطراف من داخل وزارة البيئة ومن الجمارك التي مكنت ويسرت وسهّلت عملية التوريد الخاطئة"، وفق تعبيره.
وتابع القمودي "تقرير الرقابة العامة للمالية أكّد ذلك عبر تحديد كل طرف بالاسم والصفة وليست بمجرد تكهنات توجد مخالفات جسيمة لقوانين الجمارك وللتراتيب المعمول بها في وزارة البيئة وتمّ تشخيص عملية تحيّل قامت بها الشركة الخاصة وتمت بتواطؤ وبتسهيلات من أطراف من داخل هذه الأجهزة وتمّ تحديد المسؤوليات وأيضاً توضيح الصورة".
وكانت الإدارة العامة للديوانة (الجمارك)، نفت الاتهامات الموجهة إليها، مؤكدة أن مصالحها قامت بكل إجراءات التحفظ القانونية على البضاعة الموردة من قبل الشركة الخاصة الناشطة بعد شكوك حول نوعية الشحنات القادمة من إيطاليا، وقالت إن "وزارة البيئة أعطت الإذن بإدخال النفايات الإيطالية إلى تونس".
وأثارت قضية النفايات الإيطالية استنكار الجمعيات الحقوقية في تونس ومنظمات المجتمع المدني التي تعنى بالبيئة، إذ سبق وأن لوحت شبكة تونس الخضراء باللجوء إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن ملف النفايات الايطالية المورّدة، في حال استنفاذ جميع السبل في تونس.
واعتبرت الشبكة أن "ما قامت به الشركة الإيطالية هو انتهاك لحرمة التراب التونسي لأن هذا النشاط يضر بالبيئة وبصحة الإنسان".
وشددت الشبكة، التي تتكون من خبراء وجمعيّات بيئية، على أن "صفقة توريد النفايات الايطالية إلى تونس، تندرج تحت طائلة الإرهاب البيئي نظراً لما تشكله من خطورة على البيئة"، محذرة، في الوقت ذاته، من "إدراج هذه القضية في خانة المخالفات الديوانية فحسب".
ويعتبر الفصل 14 من القانون رقم 2015-26 المؤرخ في 7 آب/أغسطس عام 2015 والمتعلق بقانون مكافحة الإرهاب أنّ كل "مرتكب لجريمة إرهابية هو كل من يرتكب فعلاً من الأفعال الآتية: الإضرار بالأمن الغذائي والبيئة بما يخلّ بتوازن المنظومات الغذائية والبيئية أو الموارد الطبيعية أو يعرض حياة المتساكنين أو صحتهم للخطر".
من جهته، استنكر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بكل شدة لما إعتبره "كارثة بيئية ترتقي إلى درجة الجريمة"، مندداً بغياب الردع وانعدام الرقابة، داعياً إلى ضرورة فتح تحقيق عاجل مع الأطراف "المتواطئة" ومحاسبة المتورطين.
يذكر أن القضية تتعلق بتولي شركة تونسية مصدرة كلياً إبرام صفقة مع الشركة الإيطالية لاستيراد النفايات وصلت بمقتضاها 282 حاوية نفايات إلى ميناء سوسة وتم تقديمها على أنها نفايات بلاستيكية معدة للتدوير لكن التحقيقات أثبتت أنها نفايات منزلية مصنفة خطرة وأن الاتجار بها يخرق عدة اتفاقيات دولية كاتفاقية "بازل" واتفاقية "باماكو".
واعتبر عدد من التونسيين أن قضية النفايات الإيطالية هي تقريباً القضية الوحيدة التي أطاحت فعلياً بمسؤولين كبار متورطين في الفساد.