اليمن 2020.. جحيم الحرب والمجاعة ولغز كورونا المحيّر
"عام اللعنة" هكذا يصف الكثيرون عام 2020، هي المرة الأولى التي يجتمع فيها العالم بدوله وشعوبه وأطيافه واختلاف مشاربه في خندق واحد، لمواجهة عدو غير مرئي، جثَم كالصخرة على صدور سكانه، وأطبق على أنفاسهم، واحتل كل مجالاتهم بلا طائرات وصواريخ وأسلحة، إلا سلاح الهلع من العدوى.
إنه كورونا، الوباء القاتل الذي كشف عن هشاشة وعجز الدول المتقدمة قبل النامية والفقيرة، أفرغ المدن من ضجيجها، وساوى بين ضحاياه، وحجر الناس في منازلهم، وأغلق البر والبحر والسماء، الأرض تدور كعادتها حول نفسها، لكن الحياة في مكانٍ آخر، كل شيء توقف، باستثناء العدوان على اليمن، 6 سنوات والحرب مستمرة، وكأن الشعب اليمني يعيش في كوكب آخر، بلد لا مقومات فيه للعيش والحياة، يتحكم عدوان التحالف السعودي بمصائر أهله منذ عام 2015.
كورونا اليمن.. اللغز المحيّر
في زمن استبداد كورونا، اعتكفت الخلائق في ديارها، وحده النازح اليمني بقيَّ في العراء، بلا مأوى يحجر فيه نفسه وعياله ليقيهم بلاء الوباء، بعض الدول عمدت إلى تأمين احتياجات مواطنيها، فيما نظمت آخرى عمليات التسوق حرصاً على التباعد الاجتماعي، أما في اليمن فلا حاجة لكل تلك التدابير، فالحصار أفرغ جيوب أبنائه، لا مال ولا طعام ولا مساعدات، هناك مجاعة فقط، وصفتها التقارير الدولية بأسوأ كارثة إنسانية عرفها التاريخ.
في بداية انتتشار الفيروس، ظل اليمن في مأمن منه، إلى أن دقت ساعة الصفر، في العاشر من نيسان/ أبريل الماضي أعلن عن تسجيل أو إصابة في حضرموت، المنظمات الدولية حذرت من مصير مظلم ينتظر أفقر بلدان العالم، في ظل قطاع طبي منهار وانعدام للإجراءات الوقائية وتلوث المياه، وتوقعت إصابة 90% من اليمنيين بالوباء، لكن اللافت كان انحسار انتشاره مع بداية فصل الصيف، فحتى مطلع الأسبوع الماضي سُجل نحو ألفي إصابة، وبلغت الوفيات 600 وفاة منذ الكشف عن أول إصابة.
صحيفة "الغارديان" البريطانية نشرت قبل أيام، تقريراً لحل لغز انحسار الوباء في اليمن، وتحدثت عن 3 سيناريوهات؛ الأول عدم دقة أرقام الإصابات والتعتيم عليها، أما الثاني فيعود بحسب الأطباء إلى اكتساب الشعب اليمني مناعة القطيع ضد الفيروس جراء تعرضه خلال سنوات الحرب إلى الأمراض والأوبئة، بينما يرى آخرون أن غياب مرض السمنة وارتفاع نسبة الشباب، ساعدا على عدم انتشاره بتلك الصورة المخيفة.
سبب انحسار الوباء لا يزال غير واضح، إلا أن بعض الخبراء يرون أن الكثير من اليمنيين قد أصيبوا بالفعل بالوباء، حتى أصبح اليمن أول دولة تكتسب مناعة القطيع، وفقاً للصحيفة. لكن الرئيس المحلي لمنظمة الصحة التابعة للأمم المتحدة مقتنع بأن الموجة الثانية في طريقها إلى اليمن.
الأوبئة.. والموت البطيء
إلى جانب كورونا، تصطف أوبئة آخرى، أمراض نسيتها البشرية وعفا عليها الزمن، عادت إلى الظهور في اليمن، حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر سجلت منظمة الصحة العالمية أكثر من 250 ألف إصابة بالكوليرا، ونحو 40 ألف إصابة بحمى الضنك، وقرابة ألفي إصابة بالدفتيريا، وحذرت من أن أكثر من 5 ملايين طفل يمني باتوا عرضة لخطر الإصابة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد، إضافة إلى حاجة 6 ملايين طفل للتطعيم ضد أمراض فتاكة مثل الحصبة والشلل.
ثقيلة هي الدقائق والساعات على مرضى السرطان في اليمن، وهم يترقبون جرعة علاج باتت مفقودة. يبلغ عدد هؤلاء نحو 71 ألف مريض، ويرتفع هذا الرقم منذ بداية الحرب بتسجيل 11 ألف إصابة جديدة سنوياً، أما مرضى الفشل الكلوي فتجاوز عددهم 10 آلاف مريض، ويعاني هؤلاء أيضاً من عدم الحصول على جلسات الغسيل المقررة لهم أسبوعياً بسبب النقص الكبير في عدد المراكز الصحية.
ترتفع هذه الأرقام بشكل مخيف، في ظل قطاع صحي متهالك، وشبه إنعدام للإمكانيات الطبية وشُح الأدوية، حيث دمرت غارات التحالف أكثر من 500 منشأة طبية ما بين مستشفى ومركز طبي، لتتراجع قدرات القطاع الصحي بنسبة 60% في ظل تفشّي الأوبئة والأمراض ونقص الموارد والوقود وعدم القدرة على دفع مستحقات نحو 50 ألف عاملٍ في هذا القطاع.
المجاعة.. الكارثة الكبرى
ينام ملايين اليمنيين والجوع ينهش بطونهم، ثم يستيقظون صباحاً وهم مثقلون بالتفكير، هل سيأكلون اليوم أم لا؟ وهل سيحصلون على كسرة خبز؟ وخلال استغراقهم في هذه الدوامة من الأسئلة، يموت طفل يمني كل 10 دقائق، وتستبد المجاعة أكثر وأكثر.
تفيد تقارير الأمم المتحدة بأن العدوان والحصار أدّيا إلى وقوع 80% في دائرة الفقر، فهناك 24 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي من أصل 30 مليون نسمة، من ضمنهم 14 مليون يمني على بعد خطوة واحدة من المجاعة، ومليونيّ طفلِ يعانون من سوء التغذية، و400 ألف طفل من سوء التغذية الحادّ.
فاجعة الأرقام، يقابلها شحٌ في المساعدات، حيث عمدت المنظمات الدولية إلى إيقاف أكثر من 37 برنامج مساعدات.
ولم تقتصر الانتكاسة الصحية على ذلك، بل وفقاً للأمم المتحدة، ستتوقف جميع فرق الاستجابة السريعة في مديريات اليمن عن أداء مهامها بسبب غياب التمويل.
حرب أم إبادة؟
مجازر بالجملة، تجويع ودمار ونزوح، منذ بداية العدوان شن التحالف أكثر من 270 ألف غارة؛ تقرير مركز عين الإنسانية في صنعاء، كشف عن أرقام فاقت كل التوقعات، فالحرب قتلت نحو 17 ألف مدني، من بينهم أكثر من 3 آلاف طفل، وشردت أكثر من 4 ملايين، ودمرت نحو 2500 مدرسة، وهو ما أسهم في حرمان مليونَي طفل من الالتحاق بالمدارس قبل إغلاقها بسبب الجائحة.
أما اقتصادياً، فاستهدف التحالف 22 ألف منشأة اقتصادية، فيما توقّفت مئات المنشآت الإنتاجية والصناعية بسبب منع دخول المواد الخام والوقود، ليفقد آلاف العمال مصادر عيشهم، وليرتفع معدل البطالة إلى 65%.
ولم تستثنِ الحرب قطاع الزراعة الذي يعمل فيه قرابة 70% من اليمنيين، حيث استهدفت الغارات نحو 800 مخزن أغذية، وأعاقت وصول الغذاء إلى القرى والمناطق الريفية بقصف الطرقات وتدمير الجسور، كما قصفت نحو 672 سوقاً شعبياً، هي بمثابة مراكز تجارية تقليدية يقصدها معظم اليمنيين للتزوّد بالغذاء.
كذلك، لم تسلم المواقع الأثرية من حمم العدوان والتدمير الممنهج. من صعدة إلى صنعاء القديمة ثم تعز فحضرموت، استهدفت الغارات 100 مَعلمٍ وموقعٍ أثري، فيما يزداد الخوف على التراث الثقافي والإنساني في اليمن من بطش الحرب، وسط لا مبالاةٍ من المنظمات الدولية إلا في ما ندر.
نهاية عام 2020.. الحرب مستمرة
وصل عام 2020 إلى مشارف النهاية ولا حل يلوح في الأفق، تأبى الحرب أن تضع أوزارها، وتستعد لتسليم إرثها الدموي للعام المقبل، تصر السعودية على المكابرة، وترفض الاعتراف بالهزيمة، وإن كانت تدرك بأنها لم تحقق في الميدان اليمني أي إنجازٍ عسكري يذكر، ولم تتفوق إلا في المجازر والدمار، ولهذا تحاول الرياض استعادة بعض من هيبتها الإقليمية المتهشمة أمام صلابة اليمنيين الحفاة وعزيمتهم الجبارة، وتبحث المملكة الغارقة في أزماتها الداخلية والخارجية عن مخرج يحفظ ماء وجهها والمليارات التي أنفقتها لإبادة شعب وحضارة.
كان عاماً قاسياً واستثنائياً بكل تفاصيله، مرَّ ثقيلاً على البشرية، لكنه في اليمن كان عاماً مكملاً لأعوام الحرب، فأهل هذه الأرض اختبروا الحَجر والأوبئة والويلات وفقد الأحبة والمجاعة قبل غزو كورونا.
وبينما تستعد شعوب العالم للاحتفال بعامٍ جديدٍ يُسقِطُ عام 2020 من روزنامة التاريخ، ويَحمل الخلاص من الوباء، يتطلعُ اليمنيون نحو عامٍ يُنهي مأساة الحرب، ويُشعل سماء صنعاء بالمفرقعات والألعاب النارية، لا بالصواريخ والقنابل المحرمة دولياً.