تشرين الثاني/ نوفمبر 2006: هكذا اتفق العرب على التطبيع مع "إسرائيل"!
تضع غالبية التحليلات لاتفاقيات التطبيع العربي المتلاحقة مع "إسرائيل" الأمر في سياق حاجة الرئيس دونالد ترامب لإنجازات سياسية عشية الإنتخابات الأميركية كما حاجة بنيامين نتنياهو لمتنفس يخفف عنه ضغط الإنتقادات والحملة الداخلية الإسرائيلية.
ولكنّ سياق التطبيع العربي "المستجد" لا يرتبط قطعاً بهذه الأسباب في العمق إلا من ناحية اختيار التوقيت.
عقب انتهاء عدوان تموز/ يوليو 2006 على لبنان، بدأت الجهود الغربية المناهضة لمحور المقاومة بدراسة سبل احتواء نتيجة الحرب التي لم تحقق أهدافها العسكرية.
بدأ الإعلام الإسرائيلي في تسريب الأنباء عن لقاءات سرية مع السعوديين والأردنيين في النصف الثاني من العام 2006، ثم ما لبثت تفاصيل هذه اللقاءات أن ظهرت بدءاً من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، حين سرّبت دوائر إسرائيلية في العاصمة الفرنسية باريس تفاصيل ما كان يجري في الخفاء.
تحدثت يومها التسريبات التي نشرتها دورية "انتلجنس أونلاين"، المعروفة بارتباطها بالاستخبارات الإسرائيلية وتتخذ من باريس مقرا لها، عن تحالف إقليمي ضد إيران يضم "إسرائيل" والسعودية والأردن ومصر وتركيا. كان مصطلح "الهلال الشيعي" يومها في ذروة استهلاكه الإعلامي العالمي.
وفي تفاصيل ما جرى وفق التسريبات، فإن ملك الأردن نجح يومها "بدعم من رئيس وزرائه معروف البخيت والرئيس السابق لدائرة الإستخبارات الأردنية والسفير الأردني الأسبق في "إسرائيل"، في إقناع نظيره السعودي بضرورة إقامة علاقات مع الحكومة الإسرائيلية".
بدأ ملك الأردن اتصالاته بالملك السعودي آنذاك "منذ انتهاء الحرب بين حزب الله وإسرائيل في 14 آب/ أغسطس"، بحسب "أنتلجنس أونلاين"..
وعلى الفور، عمد ملك السعودية الراحل إلى استشارة عدد من الرموز داخل العائلة الحاكمة من بينهم "الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر، الذي كان على اتصال دائم "بإسرائيل" أثناء عمله سفيراً للسعودية في واشنطن، ورئيس الإستخبارات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز، بعدما أبدى الاثنان اهتماماً بفتح قنوات اتصال مع الإسرائيليين"، كما استشار الملك السعودي وزير خارجيته الأمير سعود الفيصل، الذي "وافق على الفكرة"، وكل ذلك وفق التسريبات.
لم تكن العلاقات السعودية التركية يومها تعاني توترات مذكورة، فاتصل الملك السعودي عبد الله برئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب إردوغان الذي "أوفد على الفور مسؤولين في الاستخبارات التركية إلى الرياض للقاء بندر ومقرن". كشف الإتفاق النهائي لاحقاً عن تنسيق أمني سعودي – إسرائيلي وعن رغبة مشتركة في التنسيق مع الأتراك والمصريين.
في الوقت نفسه، كان مدير الإستخبارات المصرية المثير للجدل عمر سليمان يتوجه الى الرياض بطلب رسمي من الرئيس السابق حسني مبارك "لتنسيق الخطوات بشأن لبنان بعد الحرب، والترويج لتأليف حكومة ائتلاف في فلسطين بين فتح وحماس". وراء هذا السبب المعلن لزيارة سليمان كانت هناك رسالة سرية إلى الملك السعودي بدعمٍ من حسني مبارك، لإنشاء علاقات سعودية إسرائيلية.
تمخضت هذه المساعي عن تكليف بندر بن سلطان بإجراء محادثات مباشرة مع رئيس الموساد حينها مئير داغان. "جرى اللقاء في 18 أيلول/ سبتمبر في قصر الملك (الأردني) عبد الله الثاني في العقبة" بحسب الدورية الفرنسية – الإسرائيلية.
يومها، رافق داغان مدير الفريق المساعد لرئيس الوزراء الإسرائيلي، يوران توربوفيتز، ورئيس الطاقم العسكري غادي شمني، فيما جاء بندر برفقة ثلاثة مساعدين من الإستخبارات السعودية.
استقبل ملك الأردن الضيوف السعوديين والإسرائيليين بنفسه، يرافقه معروف البخيت واللواء محمد الذهبي والسفير الأردني لدى "إسرائيل" علي العايد.طغت "أجواء مريحة" على الإجتماع السعودي – الإسرائيلي، علماً أنه لم يكن هذا اللقاء الأول بين داغان وبندر اللذين سبق أن التقيا في واشنطن.
استعرض داغان الدور السعودي خلال اللقاء الذي حضره علماء ذرّة باكستانيين وخبراء روس في البرنامج النووي الإيراني، مستعيداً حديث "التصدير الشيعي للإرهاب الثوري".
اتفق المجتمعون سريعاً على "إنشاء وتسريع التبادل الإستخباري للتعامل مع التهديد الإيراني"، على أن يؤدي مدير الإستخبارات الأردنية دور الرابط بين نظيره السعودي والموساد، كون السعوديين كانوا لا يزالون يخشون "الحرج" من إقامة علاقات علنية مع تل أبيب.
تطرّق اللقاء السعودي – الإسرائيلي برعاية أردنية إلى الوضع الداخلي الفلسطيني باعتباره "عقبة" أمام مصالح هذه الأطراف، و"وافق عبد الله الثاني رأي داغان بأنه لا يمكن تقويم ما تستطيع حماس تقديمه، لأن قيادتها في فلسطين خاضعة للقيادة في دمشق وطهران".
أما بندر فشدد من جهته على ضرورة أن "تسارع إسرائيل إلى إجراء محادثات مع محمود عباس من أجل تعزيز سلطته في مواجهة حماس".
هذه التسريبات التي تقصّدتها "إسرائيل" من عاصمة فرنسية بغية تهيئة الرأي العام العربي رويداً رويداً للوصول إلى خاتمة التطبيع، ردّت عليه إيران وحلفاؤها ميدانياً حين بدأ الحديث في الإعلام الإسرائيلي عن نقل أسلحة نوعية إلى غزة. يومها، ذكرت صحيفة "هآرتس" عن مصادر أمنية إسرائيلية أنه تم إدخال صواريخ مضادة للدروع وأخرى مضادة للطائرات إلى القطاع المحاصر للمرة الأولى.