كيف ستؤثر عملية استعادة حقول النفط السورية في إنهاء الأزمة الاقتصادية؟
لا تغيير كبيراً في مشهد الانتظار أمام محطات الوقود السورية، رغم الانتهاء من صيانة مصفاة بانياس النفطية. أرتال السيارات المصطفة للحصول على 30 ليتراً من البنزين كل 7 أيام، بحسب تعليمات وزارة النفط، لا تزال تشكل صورة مقلقة بعد أكثر من 3 أشهر على دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ، تزامناً مع تحديات معيشية تعكسها طوابير الانتظار للحصول على المواد التموينية المدعومة: الأرز والسكر والزيوت وحتى الخبز.
نظرياً، مسببات أزمة البنزين الأخيرة انتهت. عادت مصفاة بانياس للعمل بعد صيانة شاملة لم تجر لها منذ 7 سنوات، وبدأت واردات نفطية بالوصول إلى الموانئ السورية متحدية ظروف الحصار. نقلت باخرة إيرانية نحو مليون برميل بالتوازي مع الإنتاج المحلي الذي تقلص إلى نحو 24 ألف برميل يومياً تقريباً، والذي يدخل مصفاتي حمص وبانياس.
لكن المشهد العام ليس بهذه السهولة، فثمة عوامل عميقة قد تدفع إلى عودة مثل تلك الأزمات، ما دامت لم تجرِ معالجات جذرية لها، وخصوصاً الأزمة النفطية التي تنعكس على تفاصيل الاقتصاد ومعيشة السوريين.
تتموضع حقول النفط السورية شرقاً، فيما أكثر من 90% من الإنتاج يأتي من حقول تقع شرق الفرات؛ حقول العمر الذي كان ينتج نحو 80 ألف برميل يومياً، والتنك الذي كان ينتج 40 ألف برميل يومياً قبل العام 2011 في دير الزور، والرميلان والسويدية، وكانا ينتجان نحو 160 ألف برميل يومياً عبر حوالى 1324 بئراً، أي ما يزيد على نصف إنتاج سوريا قبل الحرب، والمقدر بنحو 385 ألف برميل يومياً. ويضاف إلى هذه الحقول مركدة وتشرين وكبينة في ريف الحسكة الغربي، وآبار الورد والتيم في دير الزور، بإنتاج وصل إلى 50 ألف برميل يومياً قبل العام 2011.
لم تكن معدلات الإنتاج النفطي السوري كبيرة مقارنةً بالدول المنتجة والمصدرة للنفط، لكنها كانت أكثر من كافية للاستهلاك المحلي وتصدير كميات منها تؤمن إيراداً مهماً للخزينة العامة، بدلاً من الحال اليوم، إذا تدفع الدولة، بحسب تصريح رئيس الحكومة حسين عرنوس أمام أعضاء مجلس الشعب قبل أسبوعين، نحو ملياري دولار سنوياً قيمة فاتورة النفط المستورد. وتلك الفاتورة تتضمن، بحسب تقديرات اقتصادية، ثمن احتياجات تتراوح بين 100 ألف برميل إلى 136 ألف برميل من النفط يومياً، تنتج سوريا منها ما بين 20 إلى 24 ألف برميل، معظمها من الحقول الواقعة تحت سيطرة الدولة.
إجهاد الاقتصاد السوري بإخراج النفط عن السيطرة بدأ مبكراً من عمر الحرب، حيث سيطر المسلحون بدءاً من العام 2012 على حقول النفط الرئيسية، وأدّت الصراعات بين المجموعات المتناحرة إلى السيطرة على تلك الآبار والاستجرار الجائر، وأدى قصف التحالف مواقع "داعش" قرب الحقول إلى أضرار هائلة بتلك الثروة.
وبحسب تقديرات مختصة، تراجع إنتاج سوريا بحدة من النفط من 385 ألف برميل يومياً في العام 2010 إلى 33 ألف برميل في العام 2014، ونحو 24 ألف برميل يومياً في العام 2018. وتحولت السيطرة على معظم تلك الحقول إلى تنظيم "داعش" بدءاً من العام 2013.
وقدّر "البنتاغون" عائدات "داعش" من النفط السوري بنحو 40 مليون دولار شهرياً في العام 2015، فيما سيطر ما يسمى بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) على تلك الحقول بدءاً من العام 2017، مع تقديرات غربية بأنها أنتجت 14 ألف برميل يومياً بعائد يصل إلى 12.6 مليون دولار أو ما يصل إلى 378 مليون دولار سنوياً.
هذه الخسائر لا تزال تضغط على الاقتصاد السوري حتى اليوم، وتشكل العامل الرئيسي لحاجة دمشق لاستيراد ملايين البراميل النفطية شهرياً. وما يؤكد الآثار الخطيرة لخروج تلك الثروات عن السيطرة، إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأركان إدارته أكثر من مرة، حرصهم على عدم وصول تلك الثروة إلى الدولة السورية، وصولاً إلى الإعلان عن اتفاق مع "قسد" على إدخال شركة "دلتا كريسنت إنرجي" الأميركية للعمل على تأهيل حقول نفطية، وزيادة الإنتاج بدءاً من 20 تشرين الأول/أكتوبر الجاري وحتى العام 2021، إلى 60 ألف برميل يومياً، وخلال 20 شهراً إلى 380 ألف برميل يومياً.
خسرت سوريا أكثر من 100 مليار دولار بصورة مباشرة وغير مباشرة، جراء فقدان السيطرة على حقول النفط، وهي تدفع حتى اليوم ثمناً مضاعفاً في ظل الحصار الأميركي وتبعات عشر سنوات من الحرب والدمار في البنى التحتية والقطاعات المنتجة، ما يجعل عودة عائدات تلك الثروات إلى الخزينة العامة أولوية قصوى تنهي فاتورة الاستيراد ومصاعب وصول النفط إلى الموانئ السورية، وتقدم دعماً معيشياً ضرورياً مع دخول غالبية الشعب السورية تحت خطر الفقر، بحسب المعايير الدولية.
نجحت الدولة خلال السنوات الماضية باستعادة حقول الغاز الرئيسية في بادية حمص وجنوب دير الزور، ما وفر نحو 17 مليون متر مكعب غاز يومياً. وأبرمت اتفاقات تعاون مهمة مع موسكو لإعادة بناء قطاع النفط والغاز السوري، منها أول عقد مع "سويوز نفتا غاز" في العام 2013، للتنقيب عن النفط والغاز في البحر، ومع "ستروي غاز" في العام 2017، للتنقيب عن الغاز والنفط في شواطئ طرطوس، وأخرى لاستخراج الفوسفات.
كلها خطوات بالغة الأهمية لاستثمار الثروات النفطية، لكنها لا تبدو كافية ما دامت الحقول النفطية المنتجة لا تزال اليوم بعيدة عن السيطرة.