"نعلم بميناء حيفا أكثر من ميناء بيروت".. كيف تلقت "إسرائيل" رسالة السيد نصر الله؟
منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس، انتشرت أخبار كثيرة من قبل بعض الجهات السياسية والإعلامية في لبنان تتهم فيها حزب الله في تورطه بالتفجير، الذي راح ضحيته حتى اللحظة 158 شهيداً وعدد الجرحى تجاوز الـ6 آلاف، إلا أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله نفى نفياً قاطعاً وبجملة كل الادعاءات، قائلاً "قد نكون على علم بما هو موجود في مرفأ حيفا، ولكن ليس في مرفأ بيروت".
هذه الجملة كانت كفيلة بتجديد وقوف الجيش الإسرائيلي على "إجر ونص"، علماً أن هذا الخطاب لم يكن موجهاً للإسرائيلين. وفي الوقت نفسه، تطرح عدة أسئلة في هذا السياق، لماذا قال ذلك؟ وكيف تلقاه وسيتلقاه الإسرائيلي؟
بإتقان أكّد السيد نصر الله أن إحداثيات المقاومة ومعلوماتها عن ميناء حيفا الذي تحتلّه "إسرائيل" منذ العام 1948، وتعتبره شريان حياة رئيسياً لكونه أكبر موانئ فلسطين المحتلة الدولية الثلاثة، دقيقة ووافية.
رسالته وصلت إلى الإسرائيلين، في وقت راهنوا على أن ما حصل سيؤدي إلى تراجع قوة حزب الله السياسية والإعلامية وغيرها.
لكن السيد نصر الله حسم الأمر بخطابه، إذ وجه رسالة مفادها أنه نحن هنا وأنتم هناك وأن الصراع لن يتغير والتهديدات لن تتغير.
الإسرائيليون بدورهم كتبوا الكثير كيف سيكون خطاب السيد نصر الله بعد انفجار مرفأ بيروت، البعض منهم كتب أموراً من نسج خياله، والبعض الآخر كان متأكداً أنه لن يغير اللهجة، وأنه سيبقي على الحالة العدائية ولن يميل إلى تمييع العداء وصولاً إلى استرضاء الحالة الإعلامية.
وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت بعد كلمة السيد نصر الله "من يعتقد أن نصر الله فقد ثقته بنفسه بعد الكارثة فليعِد التفكير".
قول السيد نصر الله إنه يعلم بميناء حيفا يأتي في سياق التحضير الدقيق والمعرفة العميقة بمنشآت الاحتلال الحساسة. إذ أعطى حزب الله أيضاً أهمية للجوانب التقنية في الصراع مع "إسرائيل"، ركز على التقنيات التي استخدمها، فهو نجح في اختراق هواتف الجنود الإسرائيلين أكثر من مرة باعتراف الاسرائيلين أنفسهم، ونجح في استرجاع وإطلاق طائرات مسيرة والتعامل معها وتصوير مناطق داخل الاحتلال، كما نجح في الحصول على معلومات وصور جوية لمناطق حيوية ومهمة جداً داخل "إسرائيل".
في الوقت نفسه، يمكن أن يكون حزب الله أيضاً استفاد من أخطاء الآخرين الذين سبقوه على الدرب، واعتمد التكتم والتشدد في تحركاته وعملياته بعيداً عن كل العراضات التي عرفناها، أو الذي يعرفها البعض عن المجموعات المسلحة هنا أو هناك. ربما يكون ذلك أيضاً ناجماً عن إدراكه أن أي معلومة يمكن أن تسوء له ونشطائه على الأرض ولدوره وموقعه في المواجهة مع "إسرائيل".
فما هي أهمية ميناء حيفا بالنسبة للإسرائيلين؟
أهمية الميناء الذي بني في عهدِ الانتدابِ البريطانيِ عام 1929 ليست فقط تجارية وهو الذي تمرّ منه ثلاثون مليون طن من البضائع سنوياً، بل هي صناعية أيضاً ويضمُّ حاوياتِ الأمونيا الإسرائيلية وعلى مقربة منه مصانع بيتروكيمياوت، وهذه الحاويات بالذات سبق للسيد نصر الله الذي يثق الإسرائيليون بكلامه أن ذكرها.
بعد هذا الخطاب في شباط/فبراير 2019 بدأت سلطات الاحتلال بإفراغ بعض حاويات الأمونيا ونقلها من الميناء، ولكن ليس بنحوٍ يقلل الخطر على سكان المدينة التي تتكئُ على جبل الكرمل، إذ أحصت جمعية "مواطنون من أجل البيئة" في حيفا تقول إن في الميناء 1500 مصدر للخطر إضافة إلى 800 مادة خطرة.
فيما أكّد مدير مركز حيفا للبحوث البيئية بعد انفجار مرفأ بيروت أن خطورة تركيز مواد خطرة قرب كثافة سكانية يحتم إغلاق جميع مواقع الصناعات القابلة للاشتعال في حيفا، حتى بعد تفريغ حاويات الأمونيا، إذ يشكل توقف ناقلات الأمونيا في الميناء قرب السكان ووجود مصانع أسمدة في وسط المدينة خطر اشتعال حرائق قد تؤدي إلى ما يوازي قوة انفجار مرفأ بيروت.
أما معلق الشؤون العربية في قناة "كان" الإسرائيلية روعي قيس،غرد قائلاً "خذوا الكلمة التالية لنصر الله: نحن نعرف ميناء حيفا أفضل بكثير من ميناء بيروت. ميناء بيروت ليس ضمن مسؤوليتنا. لكن ميناء حيفا هو جزء من استراتيجية لبنان الدفاعية".