الانسحاب الأميركي من ألمانيا .... هل يعيد "صك الاستسلام" إلى الواجهة؟
أعلن الرئيس الأميركي عزمه على سحب مجموعات كبيرة من القوات الأميركية الموجودة في ألمانيا، في إطار ما وصفه وزير الدفاع بأنه إعادة انتشار استراتيجي يساهم في "تحقيق المبادئ الأساسية لتعزيز الردع لدى الولايات المتحدة وأوروبا ضدّ روسيا"، وسيعود قسم من هذه القوات إلى البلاد فيما سيعاد توزيع قسم آخر على دول في حلف الناتو.
لكن قرار ترامب أثار معارضة واسعة النطاق داخل الكونغرس خاصة من قبل أولئك الذين يرون فيه تشجيعاً لروسيا،كما عبّر المسؤولون في ألمانيا عن قلقهم من هذه الخطوة.
ويطالب ترامب منذ فترة طويلة أعضاء دول الناتو بزيادة الإنفاق على شؤونهم الدفاعية، قائلاً إن "على أعضاء الناتو وقف الاعتماد بشدّة على الولايات المتحدة وتحميلها أعباء المحافظة على التحالف".
قرار الانسحاب ليس وليد اللحظة، وزير الخارجية الألماني هيكو ماس وصف في شهر حزيران/ يونيو العلاقات الألمانية - الأميركية بالصعبة على خلفية قرار سحب جزئي للقوات الأميركية من البلاد.
وقال ماس "من الواضح أن القرار بشأن سحب القوات لم يتم الاتفاق عليه ضمن الإدارة الأميركية، فليس من المستغرب أنه لم يتم التشاور معنا أيضاً".
وكشفت تقارير نشرتها صحفية "الغارديان" البريطانية، في وقت سابق، أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أصدر أمراً بسحب نحو 9 آلاف و500 جندي أميركي من ألمانيا بحلول شهر أيلول/سبتمبر المقبل.
وتابع المسؤول الأميركي قائلاً "جزء من الجنود الأميركيين المغادرين ستتم إعادة توجيههم إلى بولندا ودول حليفة لواشنطن، فيما يعود المتبقون إلى الولايات المتحدة".
ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن القرار الأميركي المرتقب، يأتي بعد يوم واحد من تصريحات المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي انتقدت "أسلوب ترامب المثير للجدل" في إدارة أزمة الاحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة إثر مقتل الشاب جورج فلويد.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية نقلت في وقت سابق عن مصادر حكومية، لم تسمّها، أن "الهدف هو خفض عديد الجنود الأميركيين المتمركزين مؤقتاً أو بشكل دائم على الأراضي الألمانية إلى 25 ألفاً".
الانسحاب الأميركي يعيد صكّ الاستسلام إلى الواجهة
ومن المعلوم أن ألمانيا تستضيف حالياً العدد الأكبر من هذه القوات في المنطقة، وذلك يعود تاريخه إلى ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتوقيع صك الاستسلام.
اللافت أن الوثيقة تم توقيعها مرتين الأولى في مقر مؤقت للقوات الأميركية في مدينة ريمس الفرنسية بحضور ضابط الاتصال الجنرال سوسلاباروف في السابع من أيار/مايو 1945.
التوقيع بهذا الشكل رفضه ستالين، فاشترط كتابة صك جديد يتم توقيعه في برلين في الثامن من أيار/مايو الساعة 11 ليلاً أي 9 أيار/مايو بتوقيت موسكو ومن قبل ممثلين للأفرع الثلاثة لـ"القوات النازية" من جهة وممثلين عن القيادة العليا للجيش الأحمر من جهة ثانية.
والطريقة التي يتبعها الرئيس الأميركي بالانسحاب بطريقة أحادية وفردية من الاتفاقات والمعاهدات ليست جديدة، لكن هذا التفرد في هذا القرار الذي اتخذه لم يناقشه مع الاوروبيين كما كانوا يتوقعون.
هذه الخطوة لاقت انتقادات من قبل الديمقراطيين والجمهوريين في واشنطن، فاعتبرها السيناتور الديمقراطي جاك ريد، "ضدّ المصالح الأميركية". بينما وصفها السناتور الجمهور ميت رومني بـ"الخطأ الفادح، والصفعة في وجه صديق وحليف".
كيف تقرأ روسيا الانسحاب؟
في الواقع، فإن سحب عديد القوات الأميركية من المانيا من أكبر قاعدة في أوروبا، يفترض أن تتعامل معه روسيا بايجابية لأن الإتحاد السوفياتي سحب قواته من ألمانيا الديمقراطية بعد انهيار جدار برلين ووافق على وحدة الالمانيتين مقابل وعود بعدم التوسّع حلف الأطلسي شرقاً.
لكن الطرف الآخر وبعد انتهاء الحرب الباردة لم يفِ بتعهداته والتزاماته وتوسّع الحلف وأصبحت دول كثيرة كانت ضمن الفضاء السوفياتي في حلف الناتو ومنها بولندا، لذلك فان عملية الانتشار تشملها وهي تقع على جبهة متقدمة بالنسبة الى روسيا وتشكل تهدد للأمن القومي الروسي.
الخطوة عنونها البنتاغون بتعزيز الردع ضد روسيا وتعزيز حلف الناتو وطمأنة الحلفاء وتحسين المرونة الاستراتيجية ورعاية أفراد القوات الأميركية وعائلاتهم.
فروسيا كانت سبَبًا رئيسياً في خطة إعادة الاِنتشار حيث سأل ترامب كيف تحمي الولايات المتحدة ألمانيا من روسيا"، فيما تدفع ألمانيا لروسيا مليارات الدولارات سنوياً من أجل الطاقة.
خطوة تقول الولايات المتحدة إنها تدخل في إطار حقبة جديدة من المنافسة مع القوى العظمى.