100 عام على معركة ميسلون.. سوريا في قلب الأطماع الخارجية ومؤامرات تتجدد
بعد 100 عام على معركة ميسلون، المؤامرات ضد المنطقة تتكرر. مشاريع التقسيم والتحضير لإنشاء "دولة إسرائيل" بدأت منذ ذلك الحين، وما نشهده من أحداث اليوم هو امتداد للمشاريع التي كانت تحاك حينها.
سوريا لا تزال عرضة للأطماع الخارجية ومشاريع التقسيم ونهب الثروات، من جهة الجنوب "إسرائيل" واعتداءاتها المتكررة ودعمها للجماعات الإرهابية. ومن الشمال تركيا واحتلالها ودعمها للجماعات الإرهابية. وفي شرق الشمال القوات الأميركية المحتلة التي تسرق النفط وتدعم أيضاً الجماعات الإرهابية.
24 من تموز عام 2020، الذكرى المئوية الأولى لمعركة ميسلون التي قادها وزير الحربية السوري يوسف العظمة في مواجهة عدوان فرنسي مهد لاحتلال فرنسي دام 25 عاماً. معركة سجل فيها العظمة مأثرة خالدة بقيادته نحو 4000 جندي ومتطوع بأسلحة بسيطة في الدفاع عن بلاده، بعد رفضه إنذار المندوب السامي الفرنسي، الجنرال هنري غورو، ليواجه جيشاً فرنسياً ضم نحو 9 آلاف جندي ومئات المدرعات والآليات الثقيلة.
كانت مجموعة صغيرة من الجيش السوري الذي حله حينها الملك فيصل الذي أذعن لإنذار غورو، وتصدوا لجيش خارج منتصر من الحرب العالمية الأولى ومدجج بالسلاح المتطور.
سجل العظمة وجنوده في ميسلون، القرية الواقعة قرب الحدود اللبنانية، درساً للأجيال اللاحقة مع إدراكه الفارق الكبير بين الطرفين. هو درس توجوه بتحقيق الجلاء الكامل عام 1946.
100 عام مرت، ومأثرة الشهيد العظمة تزداد رسوخاً بين السوريين وهم يواجهون منذ 9 سنوات حرباً لا تقل شراسة عن معركة ميسلون. معركة تداخلت فيها خطط دولية وإقليمية مع مجموعات محلية لضرب سوريا من داخلها، وإبعادها عن دور محوري في المنطقة، عنوانه دعم الحقوق الفلسطينية ومقاومة المشروع الاسرائيلي.
ميسلون تكمل ما خطه قادة عظماء عبر التاريخ دفاعاً عن أوطانهم، وتكرس بين الأجيال اللاحقة إيماناً بأن روح المقاومة وحدها القادرة على صد العدوان بكل تحولاته، من فرنسي وبريطاني قديماً إلى أميركي وإسرائيلي تواجهه سوريا والمنطقة اليوم.
معركة ميسلون كانت مفصلاً أساسياً في التاريخ السوري الحديث، وإن لم يربح يوسف العظمة ورفاقه هذه المعركة يومها، إلا أنهم مهدوا الطريق لنشأة الدولة السورية في ذلك الحين.
أهم ما رسخه العظمة في تلك المعركة أنه كان أشبه بالمؤسس للجيش السوري، بمعنى أنه لم يذهب ليأخذ متطوعين أو عناصر كيفما اتفق ليذهب بهم إلى ميسلون ويتصدى للجيش الفرنسي، بل أصر أن يكون هناك عناصر من جيش، وإن كان منحلاً حينها وضعيفاً، لكن أشبه ما يرسخ لفكرة الجيش السوري ذلك الحين، بمعنى أن التصدي للعدو يجب أن يكون عبر الجيش وهذا ما استمر في سوريا طيلة الـ100 عام.
كما أكد العظمة بإصراره على مواجهة الجيش الفرنسي، أنه لن يدخل أي محتل أو مستعمر إلى سوريا دون قتال، وهذا ما يزال قائماً، حيث أعادت معركة ميسلون التأكيد على مفهوم العدو والاستعمار، وتجذرت منذ ذلك الحين العقيدة السورية لدى الجيش والشعب ضد المستعمر.
وكما أثبتت سوريا في ميسلون، أثبتت في كل المفاصل اللاحقة أنها لا تخضع للتهديد، فعندما هدد غورو سوريا تصدى له يوسف العظمة، كما تصدت لتهديدات إيزنهاور وترومان وحلف بغداد وصولاً إلى جيمس جيفري.
سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى، كان عندما يسأل عن يوسف العظمة يقول دائماً إن "هو الذي بدأ ونحن أكملنا"، بمعنى أن الكثير من قيادات الثورة السورية الكبرى كانت تعتبر ما قام به يوسف العظمة هو ما أسس للثورة السورية الكبرى، لأنه رسخ مفهوم الرفض للمستعمر، رغم أنه كان هناك بعض النماذج التي هللت للاستعمار، حيث عُرف عن الملك فيصل تاريخياً أنه كان موال للانكليز، ووصفه البعض بأنه كان عميلاً لهم، وكان يحاول خلق دولة موالية للانجليز، فقام بحل الجيش والحكومة، وطلب من الجيش السوري الذي كان موجوداً في البقاع والجنوب اللبناني بالانسحاب من تلك المناطق، في الوقت الذي كان يحشد به يوسف العظمة المقاتلين ليذهبوا إلى مداخل دمشق.
هذا النموذج كان موجوداً، ولكن بالمقابل كان هناك النفس الذي أسس له يوسف العظمة الرافض للاستعمار.
حين خاض العظمة هذه المعركة، كان يحقق هدفاً سياسياً، فهو لم يكن شخصاً عادياً، فهو خريج الأكاديمية العسكرية الألمانية ويتمتع بذهن منفتح جداً.
اليوم، الجيش هو من يدافع عن سوريا، هذا ما أعاد تأكيده الجيش السوري في الحرب الأخيرة التي يواجه فيها الارهاب، وهذا أمر مستمر، وكأن قدر هذا البلد أن يبقى مقاوما لكل المشاريع التي تستهدفه.
من ناحية أخرى، تغيّر الشكل التقلدي للاحتلال، وبقيت "إسرائيل" هي وكيلة الاستعمار في العالم، وهي نموذج الابن الوراثي للاحتلال القديم والتي تمثل مصالحهم، ولذلك يدافعون عنها في مجلس الأمن ويحمونها بحق النقض وغيره.
اليوم يشبه الأمس لناحية المشاريع، ويختلف عن الأمس لناحية الحلفاء، فاليوم هناك حلفاء حقيقيين إلى جانب سوريا، ولم تعد فرنسا وبريطانيا من يغزو سوريا والعراق، بل هي الولايات المتحدة الأميركية التي تنظر بمنظار أوسع، ومن تحت ابطها يلتف الآخرون، من تركيا إلى فرنسا وغيرها من الدول التي تطمع سواء بسوريا أو بأي منطقة من المناطق العربية، هذا بحد ذاته الصراع ضد أميركا التي هي الواجهة هو الذي يجمع ويؤطر الحلفاء والمناصرين لسوريا ضد واشنطن.