مبادرة الجزائر الجديدة في ليبيا.. تطويق أنقرة وإخراج حفتر والسراج من المشهد بالانتخابات؟
في أقل من شهر، سيكون وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، وفي عز جائحة كورونا، قد زار ثلاث دول على تماس مباشر بالأزمة الليبية. البداية كانت في روما منذ حوالى أسبوعين، وبعدها تونس منذ أيام، والثالثة تقوده إلى موسكو في 22 من الشهر الجاري.
في المقابل، يعود إلى الجزائر، اليوم السبت، رئيس البرلمان الليبي في طبرق عقيلة صالح، في ثاني زيارة له في غضون شهر، وهذه المرة سيمكث حليف خليفة حفتر يومان في الجزائر، يقابل خلالهما الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس البرلمان ووزير الخارجية.
وفي حواره الأخير مع قناة "فرانس 24"، كشف الرئيس عبد المجيد تبون أن الجزائر لم تطلق أي مبادرة وساطة خلال الأشهر الماضية لحل النزاع الليبي، وذلك التزاماً بالتعهدات التي أعطتها للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وذلك لإنجاح مقررات مؤتمر برلين.
وأضاف تبون أن الأحداث التي شهدتها الساحة الليبية خلال الأسابيع الماضية عسكرياً وسياسياً، تجاوزت التفاهمات التي تم التوصل إليها في ألمانيا، وبالتالي أصبحت الدبلوماسية الجزائرية مجبرة على التعامل مع الواقع الجديد، والواقع بحسب الرئيس الجزائري أنه يجب البحث عن أدوات جديدة للتعامل مع الأزمة الليبية.
وذهب الرئيس الجزائري بعيداً، حين اعتبر أن حكومة الوفاق الوطني في طرابلس قد لا تملك القوة الكافية لتكون عاملاً حاسماً في الحل النهائي للأزمة الليبية، وبالتالي بات لزاماً الذهاب إلى انتخابات حرة وشفافة يختار من خلالها الشعب الليبي ممثليه.
وعندما سئل وزير الخارجية الجزائرية صبري بوقادوم في ندوة صحفية عقدها الأسبوع الماضي في الجزائر عن مغزى تصريحات الرئيس تبون، قال إن الجزائر لا تشكك في شرعية حكومة فايز السراج، لكنها تعبر عن طموحات الشعب الليبي، مضيفاً أن عملاً جدياً وحثيثاً تقوم به الجزائر حالياً لحلحلة الملف الليبي، لكنه سيبقى بعيداً عن الإعلام. وهنا عاد وزير الخارجية الجزائري ليذكر بموضوع وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في ليبيا شهر كانون الثاني/يناير المنصرم.
كما أكّد بوقادوم أن الاتفاق النهائي تم في الجزائر وبوساطة جزائرية، لكن بعض القوى الإقليمية سارعت إلى تبني المنجز والإعلان عنه، مشدداً على أن ما يعني الدبلوماسية الجزائرية هو النتائج في الميدان فقط.
اللافت اليوم هو التناغم في المواقف بين الجزائر وباريس حيال الملف الليبي، تناغم عبرت عنه الرئاسة الفرنسية في بياناتها التي تلت المكالمات الهاتفية اللافتة التي جمعت الرئيسين تبون وماكرون خلال الفترة القليلة الماضية، بل إن الرئيس عبد المجيد تبون اعتبر الرئيس الفرنسي "شريكاً نظيفاً" يمكن الوثوق به.
أما عن الموقف الجزائري من التحركات المصرية على الحدود الليبية، فقد كان بوقادوم صريحاً وواضحاً خلال الأسبوع الماضي، حين أكّد أنه على تواصل شبه يومي مع نظيره المصري سامح شكري، وأن كل ما تقوم به القاهرة من تحركات ومواقف يتم إطلاع الجزائر عليها.
حالة الليونة الحذرة التي تطبع موقف الجزائر، من التحركات الإقليمية والدولية في الأزمة الليبية، لا تنسحب على الدور التركي، وإن تحاشت الدبلوماسية الجزائرية توجيه انتقادات مباشرة وصريحة لتورط إردوغان عسكرياً في الأزمة الليبية، إلا أن الرئيس تبون ووزير خارجيته، اعتبرا ما يحدث حالياً سيقود ليبيا إلى ما هو أسوأ من الأزمة السورية الدامية؛ بل إن المنطقة قد تشهد تكرار تجربة مريرة وأكثر خطوة مما شهده الصومال.
وتعلم الجزائر جيداً، وهي تكرر ذلك مراراً أنها الدولة الوحيدة، الذي تحظى بثقة جميع أطراف الصراع الليبي، وتعلم أيضاً أن جوهر الأزمة الليبية التدخلات الخارجية، لكنها بدأت تدرك، من واقع تجارب اتفاق الصخيرات، ومؤتمر برلين، أن أي مبادرة جزائرية سيكون مصيرها الفشل إن لم تدعمها قوة، أو قوى إقليمية ودولية وازنة.
وفي هذا السياق بالذات يمكن أن تقرأ تحركات وزير الخارجية صبري بوقادوم الأخيرة، وستكون الرسائل الإيجابية التي تلقتها الجزائر من باريس، تونس، والقاهرة، دفعتها إلى البحث عن حليف قوي ومؤثر في الأزمة الليبية، وهنا تبرز أهمية زيارة بوقادوم إلى موسكو خلال هذا الأسبوع.
تختلف التحليلات والمقاربات لفهم تفاصيل مبادرة الوساطة التي تحدث عنها الرئيس تبون، لكن ما يتفق عليه أغلب المتابعين، هو أن الدبلوماسية الجزائرية تراهن على ورقة القبائل الليبية الكبرى، التي تعتبر عاملاً مؤثراً ديمغرافياً وسياسياً وعسكرياً، في ميزان القوى داخل ليبيا، وذلك بهدف الذهاب إلى تشكيل خارطة سياسية جديدة في البلاد تكون محط توافق بين أغلب أطياف الشعب الليبي.
والجزائر بهذا المعنى تسعى لإخراج اللاعبين الرئيسيين الحاليين، سواء المشير خليفة حفتر، أو فايز السراج ومجلسه الرئاسي، من المشهد السياسي والعسكري، وذلك عن طريق إجراء انتخابات تشريعية، ولاحقاً رئاسية، لبناء مؤسسات جديدة تحظى بدعم ورعاية القوى الكبرى.
ويبقى رهان الجزائر الحقيقي في تحركاتها الجديدة هو قدرتها على تطويق الحضور التركي والضغط عليه، بالعلاقات القوية التي تجمع البلدين، ومحاصرته سياسياً ودبلوماسياً بقوى دولية وازنة مثل روسيا والصين، وأيضاً من خلال عرض مبادرات وشخصيات ليبية جديدة، قد لا تعتبرها أنقرة محل تهديد لمصالحها في ليبيا.