رئيس الحكومة التونسية الياس الفخفاخ يقدم استقالته.. كيف بدأت الأزمة؟
وسط أزمة سياسية متفاقمة بسبب شبهات تضارب مصالح تحيط رئيس الحكومة التونسية الياس الفخفاخ وخلافات تعصف بالائتلاف الحاكم، وبعد قرار مجلس شورى حركة النهضة، سحب الثقة من رئيس الحكومة، طلب الرئيس قيس سعيد رسمياً اليوم من الفخفاخ تقديم استقالته.
وذكرت مصادر الميادين أن الفخفاخ قدم استقالته الى رئيس الجمهورية أثناء اللقاء الذي جمعه به صباح اليوم بحضور رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وأمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي.
وجاء في بيان رئاسة الحكومة التونسية "استقالة الفخفاخ جاءت لتجنيب البلاد صراع المؤسسات".
ووفق رئاسة الحكومة التونسية فان الاستقالة جاءت لإفساح المجال أمام الخروج من الأزمة، محذرةً "كل من تسول له نفسه الإضرار بأمن البلاد أو بمصالحها الحيوية".
يأتي ذلك بعدما كانت أعلنت كتلتا النهضة وقلب تونس وكتل أخرى في البرلمان جمع 105 تواقيع على عريضة سحب الثقة من الفخفاخ.
هذا التطور اللافت أتى في خضم أزمة تتجلى في الخلافات بين مكونات الائتلاف الحاكم، والتي اشتدت بعد الكشف عن شبهات تضارب مصالح تحوم حول رئيس الحكومة، حيث تم الكشف عن عقد شركات يملك أسهماً فيها صفقات مع الدولة، كما أنه يأتي بعد يوم من تلويح الفخفاخ باستبعاد وزراء النهضة من الحكومة وتعويضهم بآخرين.
وقال النائب عن حركة النهضة التونسية سمير ديلو للميادين، إن الياس الفخفاخ خسر دعم الجميع بسبب شبه الفساد التي تحوم حوله، موضحاً "لا أظن أن للخلافات الإقليمية أي علاقة بما يحدث على الساحة التونسية بشأن الحكومة".
وأشار ديلو إلى أن تهم الفساد الموجهة إلى الفخفاخ هي التي سرعت الأمور بشأن استقالته. وتابع: "تصرف رئيس حكومة تصريف الأعمال الياس الفخفاخ مع وزراء النهضة لا يمت إلى اللياقة".
من جهته، أكد النائب عن حركة الشعب التونسية خالد الكريشي أن استقالة الفخفاخ تأتي في الإطار الدستوري والآليات الديمقراطية، معتبراً أن الكتل البرلمانية التي قررت سحب الثقة من الياس الفخفاخ مارست حقها الدستوري.
كيف بدأت الأزمة؟
بعيداً عن الكواليس، في آخر شهر حزيران/يونيو أجرى رئيس الحكومة التونسي الياس الفخاخ حواراً تلفزيونياً لكنه لم يمر مرور الكرام، حيث أثار ردود أفعال مختلفة وشكل صدمة للرأي العام ولجزء من الطبقة السياسية، خاصة في ما يتعلق بامتلاك الفخفاخ لشركات خاصة حصلت على صفقات عمومية مع الدولة، ما يفيد بوجود تهمة تضارب مصالح.
الفخفاخ تفاجأ حينها بالسؤال حول مساهمته في بعض الشركات الخاصة، وما إذا كانت تلك الشركات تتعامل مع الدولة، واضطر للاعتراف بذلك، وبأن الشركة التي يملك نصيباً في رأس مالها حصلت بالفعل على صفقات عمومية مع الدولة، معتبراً أن الأمر لا يحمل أي شبهة تضارب مصالح.
ودافع عن نفسه بالقول إنه منذ خروجه من حكومة الترويكا كوزير سابق للمالية سنة 2013 وإلى حد تعيينه رئيساً للحكومة، كان من حقه أن يبحث عن مورد رزقه وأن يقوم بممارسة الأعمال، وأنه لا مجال من أن يأتي أشخاص من الفراغ ليصبحوا أعضاء في الحكومة، مشيراً إلى أن مساهمته ضئيلة وأنه لا دخل له في تسيير الشركات وأنه ليس في الأمر شبهات أو منافع خاصة أو استغلال نفوذ.
بعد ذلك بأيام، عقد البرلمان التونسي جلسة لمساءلة رئيس الحكومة حول الشبهة، والأخير أكد أنه قام بإعلام هيئة مكافحة الفساد بكامل أملاكه.
وشدد أيضاً على أن حكومته ستبقى 4 سنوات، أي إلى نهاية العهدة الحالية (رئاسة قيس سعيّد) لضمان الاستقرار والبدء في إصلاحات جدية، معتبراً "إسقاط الحكومات ليس في مصلحة البلاد"، لأنه يجب التركيز على الأولويات والعمل على جلب المستثمرين لدفْع عجلة الاقتصاد.
في المقلب الآخر، اختارت حركة النهضة توجيه رسائل الرد لكل من القصبة وقرطاج و فرض صراع موازين القوى في مجلس نواب الشعب. خطوات تؤشر لإعادة فرز أحزاب الحكم والمعارضة.
فبعد كلام الفخفاخ أعلنت "النهضة" أنها تنوي مراجعة موقفها من الحكومة، بسبب "شبهة تضارب مصالح".
وقالت في بيان لها إنها تتابع التحقيقات في "شبهة تضارب المصالح التي تلاحق رئيس الحكومة والتي أضرت بصورة الائتلاف الحكومي، بما يستوجب إعادة تقدير الموقف من الحكومة والائتلاف المكون لها، وعرضه على أنظار مجلس الشورى لاتخاذ القرار المناسب".
ولم تعط "النهضة" مزيداً من التفاصيل حول الموقف المتوقع، لكن مصادر مقربة، بحسب "رويترز" قالت إن "كل الخيارات مطروحة بما فيها سحب وزرائها من الحكومة أو سحب الثقة من الحكومة في البرلمان".
انسداد أفق الحل بشكل واضح، دفع أيضاً الفخفاخ إلى وصف دعوة النهضة بالانتهاك الصارخ للعقد السياسيّ مع الأطراف الأخرى، مشيراً إلى أن "موقف الحركة يؤكّد تنصلها من مسؤولياتها كطرفٍ في الائتلاف الحكومي".
وأعلن أنه سيقوم بتعديلٍ حكوميٍ خلال الأيام المقبلة، موضحاً أن مساعيه لتثبيت دعائم الائتلاف الحكومي التي "اصطدمت بمساع ٍموازيةٍ من حركة النهضة غايتها إدخال تحويراتٍ جوهريةٍ في طريقة عمل الحكومة"، وفق تعبيره.
التعديل الذي تحدث عنه الفخفاخ كان ينص على إقصاء النهضة من الحكومة، مع العلم أن حركة النهضة ظلت اللاعب الرئيسي في أغلب الحكومات بعد عام 2011.
وانتقد الفخفاخ حينها حركة النهضة قائلاً إن "دعوات النهضة تخل بالتضامن الحكومي وهي واصلت في تأسيس مشهد مأزوم وفي التوظيف السياسي لمصلحتها الحزبية".