عن استراتيجية "إسرائيل" في التطبيع الإلكتروني

التطبيع الإلكتروني، استراتيجية حديثة تلجأ إليها "إسرائيل" بعد فشلها طوال 72 سنة في إلغاء ذاكرة شعبية تجاه القضية الفلسطينية. فكيف توظّف "إسرائيل" مواقع التواصل الاجتماعي لصالحها؟
  • التطبيع الإلكتروني أحد أساليب "إسرائيل" للتأثير على العرب

هي ليست مجرد كبسة "لايك" (إعجاب)، أو مجرد تعلّيق يصل من أحد الأصدقاء على "فايسبوك " أو "تويتر" عندما يكون إسرائيلياً من يتفاعل مع حسابات عربية.  فالأمر أكبر من مجرد متابعة صفحة إسرائيلية ناطقة بالعربية والتفاعل معها، ليأخذ أبعاداً سياسية تصنف ي خانة التطبيع الإلكتروني. 

التعريف المبسّط لكلمة التطبيع على محرّك البحث "غوغل" يعني العلاقات العادية أو الطبيعية، ولكنه لا يعرّف أشكال التطبيع. فالأخير قد يُعرّف بأنه عبارة عن علاقات سياسية مع "إسرائيل"، معلنة أو غير معلنة، داخل الغرف المغلقة بعيداً من عدسات الإعلام. ولكن التطبيع الحديث وغير المباشر يكون عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيأخذ شكلاً مختلفاً للتأثير على الأفراد دون أن يدركوا ذلك.

فما هو الهدف من إنشاء صفحات إسرائيلية ناطقة بالعربية كصفحات "بنيامين نتياهو" و"إسرائيل بالعربية" و"إيدي كوهين" و"أفيخاي أدرعي" وغيرهم؟ 

منسق قطاع التمكين والإبداع في شبكة التحول الرقمي في لبنان الدكتور "دال حتي" يوضح أنّ الهدف من خلال هذه الصفحات "استمرار الضغط على تفكيرنا العربي بهدف إزالة الذاكرة الشعبية وتدمير تراثنا وتاريخنا وخلق تفاعل أدبي وفكري مع إسرائيل" بغية الوصول إلى توقيع اتفاقيات وخلق تعايش بين الإسرائيلي والعربي.

ويشير إلى أنّ أفيخاي ادرعي هو واحد من هؤلاء الذين يتواصلون مع العرب للتأثير عليهم، ومن أجل تناقل كلامه بين الناس.

فالأسلوب المستخدم واللغة فضلاً عن الصور، التي يستخدمها أمثال أدرعي، هي عبارة عن بعد استراتيجي يعمل عليه الإسرائيلي، وليس من أجل هدف آني، وفقاً لحتي، الذي يضيف أنّ "إسرائيل تستطيع أن تخرق كل الأنظمة ليس هناك حماية للبيانات الشخصية. بالتالي إسرائيل تبني سياساتها واسترايجياتها على أخطائنا، ونحن نظهر أخطاءنا الجماهيرية بكتاباتنا. وبالتالي نحن مخترقين أمنياً وعلمياً وفكرياً وإعلامياً وثقافياً ليس فقط من إسرائيل وإنما أيضاً من الدول الكبرى". 

هذا الخرق الأمني والثقافي والشخصي لبيانات الأفراد الشخصية، يشرحها مارك دوغان وكريستوف لابيه في كتابهما "الأنسان العاري"، بحيث أنّ الأفراد هم عبارة عن أرقام يتم تخزينها في مستودعات رقمية تحفظ أدق التفاصيل، ومن أجل ذلك تكرس حكومات الدول الكبرى ميزانيات ضخمة.

الكاتبان يوضحان أنّه منذ عام 2012، تنتج البشرية معلومات خلال يومين، لم تنتج مثلها منذ اختراع الكتابة قبل 5 آلاف وثلاثمئة عام. 

هذا الإنتاج الضخم للمعلومات والتفاعلات الالكترونية يرى فيه الدكتور حتي جهلاً من قبل المستخدمين في الدول العربية "فنحن لا نعرف أبعاده".

ويتابع قائلاً إنّ هذه المنصات الإلكترونية خُلقت لرصد انفاعلات الناس، وبالتالي هذا الانفعال يعطي نتيجة سلبية أو إيجابية تجاه موضوع معين "كتقارب أو تباعد مع الإسرائيليين، أو تقارب وتباعد مع الفلسطينيين". ويرى أنّ مبدأ التطبيع الإلكتروني يشكل "خطراً كبيراً على دول مثل دولنا، لأنها دول هشة".


التأثير على الذاكرة الشعبية

لعل أفيخاي أدرعي من بين أكثر الإسرائيليين شهرة على منصات التواصل الاجتماعي، لمحاولاته الدائمة التفاعل مع ناشطين عرب ومشاهير يتمتعون بقدرة التأثير على جمهورهم. ففي كل مناسبة، لا يضيّع فرصة كمحاولة لخلق حوار أو تفاعل معيّن، كمعايدة الفنانتين جوليا بطرس وإليسا في عيد ميلادهما.

كما أنه يستغل كلّ مناسبة دينية، كشهر رمضان متوجهاً إلى المسلمين تحديداً للحديث عن العادات في هذا الشهر، محاولاً خلق حديث مشترك وعادات متشابهة بين الإسرائيليين والعرب.

مثال آخر، ما نشرته صفحة "إسرائيل بالعربية" قبل أيام: "بالفيديو.. المشترك بين اليهودية والإسلام من سلالة إبراهيم".

  • صورة مأخوذة من تويتر

أو حتى الترويج لمطبعين عرب ولأفكارهم، وهذا مثال على ذلك: "شعار (الموت لإسرائيل) بات عبثياً. هكذا وصف الكاتب الكويتي صلاح الساير هذا الشعار الذي كانت تردده الشعوب العربية". 

  • صورة مأخوذة من تويتر

 

المراقبة الالكترونية

التفاعل الإسرائيلي عبر منصات التواصل لا يقتصر فقط على خلق تقارب مع العرب، وإنما أيضاً لأهداف أمنية.

صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية ذكرت في مقال لها، أنّ الاستخبارات الإسرائيلية تستخدم خوارزميات الكومبيوتر للتنبؤ باحتمال قيام شخص معين بتنفيذ هجوم قبل حصوله.

وفي عام 2017 ، اعتقلت "إسرائيل" نحو 300 فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية بتهم تتعلق بنشر مقالات على فايسبوك، وفقًا للصحيفة الأميركية.

كما نقلت الصحيفة عن جالعان إردان، وزير الأمن الاسرائيلي، قوله إنّ عدد الهجمات ضد الإسرائيليين انخفض، ومعظمها في القدس والضفة الغربية، بنحو 80 في المائة. ولفت أيضاً إلى دراسة وجدت أن نحو 60 بالمائة من الفلسطينيين الذين نفذوا هجمات بين عامي 2015 و2017 نشروا رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى نيتهم في استهداف "إسرائيل".

المصدر: الميادين