في يوم الأسير الفلسطيني.. رسالة مفتوحة من الأسير المحرر صدقي المقت
قال الأسير السوري المحرر صدقي المقت في رسالة خاصة له عبر الميادين بمناسبة "يوم الأسير الفلسطيني" اليوم الجمعة:
"أنا واحد من هؤلاء الأسرى، عشت بينهم عشرات السنين، كان من الممكن أن أكون رقماً آخراً يُضاف الى العدد الإجمالي للأسرى،5000،5551.
أرقام إعتدنا على سماعها في كل صباح ومساء، وما عادت تعني لنا شيئاً، تحررت مؤخراً، لا لكي أصمت، وإنما كي أحكي الحكاية، حكاية من بقوا داخل الأسر،حكاية ما يجري هناك داخل سجون الإحتلال الإسرائيلي.
أنا هنا، كي أصرخ صرختهم، وكي أحكي وجعهم.
أنا قادم من هناك، من معتقلات تعيش خارج الزمن، وخارج العصر والحياة، وخارج القانون، وخارج أي شرعية أخلاقية أو إنسانية، كل شيء هناك مباح أمام الجلاد، يفعل ما يشاء، ولا أحد يبالي، يزجّنا بالآلاف داخل المعتقلات ولا أحد يسأل، يحاصرنا الجلاد بسياطه وعصيه وأسلاكه.
أي شعرٍ ذاك الذي يمجّد بطولات المناضلين الفلسطينيين في الوطن المحتل، ويصمت دهراً، أمام ما يلاقيه الأسرى في سجون الإحتلال.
فلسطين ليست مجرد اسمٍ في الهواء، وليست مجرد قضيةٍ معلقةٍ في الفضاء، فلسطين هي الإنسان الفلسطيني، هي الأرض الفلسطينية، هي الأسير الفلسطيني، هي أسرة الشهيد الفلسطيني، هي من هُدّمت منازلهم، ومُنعوا من الخروج من القريه، ومن أُهينوا وضُربوا على الحواجز.
فلسطين هي العمال الذين يقفون بالآلاف على المعابر في منتصف الليل بانتظار فرصة عمل داخل الكيان، فرصة عمل قد تأتي وقد لا تأتي، فلسطين هي العمال الذين يدخلون تهريباً الى فلسطين المحتلة عام 48 للعمل في مهن وحرف لا يتنازل الإسرائيلي عن القيام بها بها، وفي ظروف تذكّرنا بالعبودية.
وإذا ما ضُبط هذا الفلسطيني متلبّساً بجرم "العمل الشريف من أجل لقمة العيش "، يُزج به في سجون الإحتلال، عمال خارج القانون وخارج الزمن وخارج الذاكره العربية، منسيون، تماماً مثلنا نحن الأسرى، نعيش خارج الزمن وخارج الذاكره العربية.
نحن الأسرى في سجون الإحتلال، لسنا مجرد تقارير في ملفات المخابرات الإسرائيلية، ولسنا مجرد أرقام في الذاكره العربية التي تفرح كلما ارتفع الرقم، لكل أسير منا أسم وهويه، وذكريات طفوله في شوارع قريته، لكل أسير أسرة تنتظره، أمٌ تعدُ سنوات الاعتقال ليس بالأيام وإنما بالثواني، وتعدُّ ما تبقى لإبنها كي يتحرر بأجزاء من الثانية، تحسبُ كل يومٍ، كم عيدٌ مرِ، وكم عيداً سيمّر، كم وجبة إفطار مرّت، وكم وجبة إفطار ستمّر، لكل أسيرٍ فتاة كان يحبها، وقد اتفقا على ترتيبات الخطبه أو الزواج، بعضهن ما زلن ينتظرن، والبعض الآخر هجرن أو أجبرن على الهجران لانعدام الأمل، وبقي هذا الحب المكتوم معلقاً على جدران السجن، يحرق قلب الأسير كل لحظه لسنوات طوال.
لسنا ارقاماً في الذاكرة العربية، وإنما للبعض منا أبناءٌ، وبنات وُلدن في ذات عام الإعتقال، وكبرن، وأصبح عمرهن بعدد سنوات أسر الأب، تحتفل الابنة بعيد ميلادها الـ20، لتتلقّفها الذاكرة، وتصوّب قلبها الى السجن، ويتحول الاحتفال الى تراجيديا عشرينية الأسر.
تخرج من بيتها يوم زفافها، بعد أن تأجّل الموعد عشرات المرات، على أمل أن يشارك الأب في زفاف ابنته، وعندما يفقد الجميع الأمل بكل الفرص الضائعة وغير الضائعة، الفرص الحقيقية والفرص المفترضة في عالم الخيال، يُقام الفرح اليتيم بغياب الأب الممدّد على سريرٍ في زنزانةٍ، يقضي ذاك اليوم وتلك الليلة، في استحضار مشاهدٍ مأخوذةٍ من عالم الخيال، لزواج أبنته في عالم الواقع! يُمضي عمره وكل سنوات الأسر، وهو ممزقٌ، ما بين خياله الرحيب وواقعه المرير!.
قولي لهم: ( أريد أبي ... لقد سلبه الاحتلال حريته وسنوات عمره، وأخذتم انتم بطولته، أريد ما تبقى من أبي، إنه لي وحدي، أرسلني خارج الأسر كي أدفع عنه، وأصرخ صرخته، وأحكي وأشكو وجعه.. أرسلني إلى وطني في هذه الدنيا، بعد أن انتظر عشرات السنين، ولم يصله منكم سوى الصمت، ولا شيء غير الصمت...
أريد ابي حياً، أعيش معه ما تبقى له من عمرٍ، قبل أن يتحول الى ذكرى مدفونةٌ في التراب، عندها لن أصدقكم، ولن أصدق كل قصائدكم وأشعاركم وأغانيكم، التي تمجد ذكرى أبي)".
يذكر أن الأسير المحرر المقت غالباً ما كان يرسل رسائل دعم ومعايدات في مناسبات عدة دعماً لـ"محور الممانعة الذي يؤمن به".
وقال في مقابلة خاصة على الميادين بعد تحرره في 10 كانون الثاني/ يناير الماضي إنه منذ هذه اللحظة هو منخرط في المسيرة النضالية للجولان المحتل.
وخلال توجهه إلى مسقط رأسه مجدل شمس في الجولان السوري المحتل لفت المقت إلى أن والدته رحلت قبل أن تعيش هذه اللحظة و"كل الطرقات التي مشيناها تسأل عنها اليوم"، مضيفاً "مشتاق للذهاب إلى قبر والدتي لأقول لها أمي أنا تحررت".
تجدر الإشارة إلى أن الأسير المقت وجهّ رسالة دعم إلى الشعب الفنزويلي والرئيس نيكولاس مادورو والجيش الفنزويلي،في 6 حزيران /يونيو عام 2019 قائلاً فيها: "إن دول الممانعة تخوض المعركة نفسها إلى جانب فنزويلا ضد العدو نفسه وشدد على الثقة في دحر العدوان على سوريا بفضل صمود الشعب والجيش والرئيس بشار الأسد وكذلك على صمود فنزويلا بفضل شعبها وجيشها ورئيسها".