"أناديكم، وأشدُّ على أياديكم".. من هو توفيق زيّاد أحد مقرّري "يوم الأرض"؟
يرتبط اسم توفيق زيّاد (أبو أمين) ارتباطاً وثيقاً بـ"يوم الأرض". الشاعر الفلسطيني الذي عاش حياته مناضلاً ومدافعاً عن الحقوق الفلسطينية في الداخل المحتل، يعتبر من أبرز الشخصيات المؤثرة التي أدت دوراً محورياً، ليس فقط في "يوم الأرض"، بل في مختلف محطات نضال الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة العام 1948 أيضاً، وهو الذي بقي رئيساً لبلدية الناصرة إلى حين وفاته.
ولد توفيق أمين زيَّاد في مدينة الناصرة بتاريخ 7 أيار/مايو 1929. فقد والده في عمر مبكر، ما اضطر والدته إلى صنع الخبز وبيعه في الدكان لتسد رمق العائلة.
بدأ المراحل الأولى من تعليمه في بلدته الناصرة، وأتم دراسته الثانوية في مدرستها، حيث بدأت تتبلور شخصيته السياسية، وبرزت لديه موهبة الشعر، قبل أن يسافر بعد ذلك إلى موسكو ليدرس الأدب السوفياتي.
وفي دراسته تلك، اطلع الشاعر زيّاد على روائع الأدب الروسي، مترجِماً في ما بعد العديد منها، حيث أضاف إلى ترجماته نقل إبداعات الأديب التركي ناظم حكمت إلى العربية.
تزوج زيّاد من رفيقة دربه نائلة يوسف صباغ، وأنجب منها أربعة أبناء: أمين وفارس وهبة وعبور.
صاحب القصيدة الخالدة "أناديكم وأشد على أياديكم"، التي غناها العديد من المطربين العرب، أبرزهم الشيخ إمام، له العديد من المجموعات الشعرية التي تتضمن عدداً من القصائد حول المقاومة والنضال والحقوق، وبعض هذه القصائد تحوّل إلى أغانِ، وأصبح جزءاً من التراث الحي لأغاني المقاومة الفلسطينية، ومنها: أشدّ على أياديكم في العام 1966، ادفنوا موتاكم وانهضوا 1969، أغنيات الثورة والغضب 1969، أم درمان المنجل والسيف والنغم 1970، شيوعيون 1970، كلمات مقاتلة 1970، عمان في أيلول 1971، تَهليلة الموت والشهادة 1972.
ومن أعماله الأخرى: عن الأدب الشعبي 1970، نصراوي في الساحة الحمراء، يوميات 1972، صور من الأدب الشعبي الفلسطيني 1974، حال الدنيا، حكايات فولكلورية 1975.
شغل الشاعر الفلسطيني مناصب عديدة، حيث كان رئيساً لبلدية الناصرة ثلاث فترات انتخابية 1975 – 1994، كما كان عضو "كنيست" في 6 دورات عن الحزب "الشيوعي الإسرائيلي"، ومن ثم عن القائمة الجديدة لـ"الحزب الشيوعي"، وفي ما بعد عن "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة".
شارك الشاعر الفلسطيني في العديد من المؤتمرات الدولية، منها مؤتمر "التضامن مع الشعب الفلسطيني" في بروكسل في العام 1980، وفي العاصمة التشيكية براغ، كما شارك في الأسبوع الثقافي الفلسطيني في القاهرة في العام 1990، حيث قام الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بتقليده "وسام القدس للثقافة والفنون والآداب" خلال المؤتمر ذاته.
عن "يوم الأرض"
"سمعت الضابط بإذني وهو يأمر رجاله: طوقوا البيت وأحرقوه". هذا ما تقوله زوجة توفيق زيّاد، وهي تروي لحظة اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي على دارهم في "يوم الأرض". حصل ذلك بعدما حاولت حكومة الاحتلال إفشال إضراب "يوم الأرض" في 30 آذار/مارس 1976 الذي قررته لجنة الدفاع عن الأراضي.
كان توفيق زيّاد من المؤثرين الفلسطينيين في الداخل المحتل على مختلف الصعد، وهذا الدور انعكس في "يوم الأرض" تحديداً، حيث برز بعد اجتماعه مع رؤساء السلطات المحليات في البلدات العربية الفلسطينية في مدينة الطيبة، وقرروا فرض الإضراب العام والتظاهرات الشاملة من شمال فلسطين إلى جنوبها.
حينها، وكما ينقل، أثبت زيّاد أن القرار قرار الشعب، حين أعلن الإضراب ونجح وكان شاملاً، فعمد الاحتلال للاعتداء على المتظاهرين، واغتال الشباب الستة وجرح المئات، وهاجم بيت توفيق زيّاد.
لذلك، يعتبر أبو أمين من أبرز مهندسي مواجهة المخططات الاحتلالية في السيطرة على أراضي الفلسطينيين داخل "الخط الأخضر"، ومن مقرري الإضراب العام في حينها.
بعد أحداث "يوم الأرض"، أصبح توفيق زيّاد مستهدفاً بشكلٍ مستمر من قبل سلطات الاحتلال بعد كل تحركٍ يخوضه الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، إذ رأى فيه الاحتلال شخصية محورية في قيادة تلك التحركات والتأثير فيها. وتكررت الاعتداءات على منزله مع كل إضراب أو تحرك، حيث كانت سلطات الاحتلال تهاجم المنزل وتعيث فيه خراباً.
حصل ذلك في إضراب التضامن مع شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا في العام 1982، وفي إضراب العام 1990، وفي إضراب مجزرة الحرم الإبراهيمي 1994، عندما أطلقت قوات الاحتلال قنابل غاز وهو في ساحة داره. وفي مرات كثيرة، أصيب أفراد عائلته وضيوفه بالجراح جراء الاعتداءات، بيد أنَّ أشدّ الاعتداءات كان في أيار/مايو 1977 قبيل انتخابات الكنيست، حيث جرت محاولة لاغتياله، ولكنه نجا منها بأعجوبة.
في رائعته "هنا باقون"، يفتتح الشاعر الفلسطيني قصيدته بالقول:
"كأننا عشرون مستحيل
في اللد، والرملة، والجليل
هنا... على صدوركم، باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج، كالصبار
وفي عيونكم
زوبعة من نار"...
توفي توفيق زيّاد في 5 تموز/يوليو 1994 بحادث سيرٍ مروّع وهو في طريق عودته إلى الناصرة من أريحا في الضفة الغربية، بعد لقاء مع الرئيس ياسر عرفات العائد للتو إلى الضفة، وذلك بعد إبرامه "اتفاقية أوسلو".