الجندي المصري سليمان خاطر.... بعد 32 عاماً على استشهاده

أعلنت الحكومة المصرية انتحار الجندي سليمان خاطر الذي أطلق النار على مجموعة من الإسرائيليين شنقاً داخل زنزانته، بينما أكدت شهادات من أشخاص ناظروا جثته أنه مات مخنوقاً بسلك بعد سحله وضربه، وتم العثور عليه مشنوقاً في زنزانته في ظروف غامضة.
  • الشهيد الجندي سليمان خاطر

كان الجندي سليمان خاطر  يؤدي فترة تجنيده الإلزامية ضمن فرقة من قوات الأمن المركزي التابعة لجهاز الشرطة المصرية في سيناء، عندما أطلق النيران على فوج إسرائيلي في 5 تشرين الأول/ أكتوبر 1985.

أكد خاطر أثناء محاكمته، ورداً على سؤال وجّه إليه حول أسبابه لإطلاق النيران على الفوج الإسرائيلي، أنه قبيل الغروب، وأثناء قيامه بنوبة حراسة معتادة على هضبة بمنطقة رأس برقة جنوب سيناء، شاهد مجموعة من الإسرائيليين وعددهم 12، يقتربون منها ويحاولون تسلقها.

التعليمات كانت واضحة: منع أي شخص من دخول المنطقة المحظورة ولو بإطلاق النار عليه. "توقفوا! ممنوع المرور" صاح المجند سليمان بالجنود الإسرائيليين، ولكنهم لم يلتزموا بالأمر وواصلوا تقدمهم.

كرر خاطر صرخته ثلاث مرات ولكن بلا فائدة. الإسرائيليون يقتربون من كشك الحراسة، والظلام يحيط بالمكان.

تذكر خاطر التعليمات: "يوجد داخل كشك الحراسة أسلحة وأجهزة ومعدات لا يجوز لأحد أن يطّلع عليها، وممنوع  أن يقترب أي أحد منها، سواء كان مصرياً أو أجنبياً".

أطلق خاطر النار  في الهواء لإخافة الإسرائيليين، ولكن بلا فائدة، فقد واصل الجنود تقدمهم. فما كان للجندي المصري إلا أن يطلق النار عليهم ليردي 7 منهم.

قالوا بعد ذلك إنهم مجرد سواح إسرائيليين. فمن أعطى لهم الحق في التواجد في نقطة عسكرية، ولماذا لم يستجيبوا له؟ وما هي المزارات السياحية التي تتم زيارتها ليلاً هناك؟

وفور وقوع الحادثة أسرع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وقدم اعتذاراً لـ"إسرائيل". وأحيل خاطر للمحاكمة العسكرية، الأمر الذي يتنافى مع القانون المصري المعرّف للشرطة بأنها هيئة مدنية وليست عسكري. وقد تمّ الحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عامًا في 28 كانون الاول/ ديسمبر 1985، ورُحِل إلى السجن الحربي بتهمة القتل العمد.

وبحسب أحد أقارب خاطر  فإن القاضي قال لسليمان: "أنا أحكم على ورق"، ورفض محامي الدفاع التعليق على الحكم وقال إن "القضية أغلقت".

وأظهر خاطر في كلمته أثناء المحاكمة وعياً كبيراً ووطنية علية، حيث قال: "أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه، إنه قضاء الله وقدره، لكني أخشى أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي، آثاراً سيئة على زملائي، فيصابوا بالخوف وتُقتل فيهم وطنيتهم". ثم أعلن بعد صدور الحكم "أن هذا الحكم هو حكم ضد مصر، لأني جندي مصري أدى واجبه".

احتج الإسرائيليون على الحكم وأًرسلوا العديد من رسائل الاحتجاج، فحاولت الحكومة المصرية تبرير الموقف، من خلال إعلانها أن سليمان خاطر مجنون وغير مسؤول عن أفعاله، لنزع أي قيمة وطنية منه وللحيلولة دون مخاطبة الشعور المصري الوطني. ثم تم نقله إلى مستشفى السجن، بحجة علاجه من مرض "البلهارسيا".

يوم 7 كانون الثاني/ يناير 1986، أعلنت الحكومة المصرية انتحار سليمان خاطر شنقاً داخل زنزانته، بينما أكدت شهادات من أشخاص عاينوا جثته أنه مات مخنوقاً بسلك بعد سحله وضربه، وتم العثور عليه مشنوقاً في زنزانته في ظروف غامضة.

وقال البيان الرسمي إنه انتحر، وأن ذلك تمّ بمشمع الفراش، ثم قالوا بملاءة السرير، وأعلن الطب الشرعي إنه تم بقطعة قماش مما تستعمله الصاعقة.

وخرجت مظاهرات حاشدة غاضبة في كل أنحاء مصر تندد بقتل خاطر وتشيد به، فيما قالت أمه "ابني قُتل حتى ترضى أميركا وإسرائيل".

قبل إعلان وفاة خاطر بيوم واحد، زار عضو مجلس الشيوخ الأميركي روبرتو رزيلي الرئيس حسني مبارك، وسجلّت كاميرات وسائل الإعلام ظهور وزير الدفاع المشير عبد الحليم أبو غزالة في نهاية الاجتماع.

ثم استُدعيت عائلة سليمان لزياراته في السجن في اليوم نفسه، وكانت السلطات تصر على حصول هذه الزيارة لابنهم.

وقد ذكر بعض حراس السجن لعائلة سليمان أن وزير الدفاع أبو غزالة زار ابنهم في زنزانته ورافقه وفد إسرائيلي أو أجنبي قبيل الإعلان عن انتحاره، وأكدوا لهم أن سليمان لم ينتحر وإنما تمّت تصفيته عمداً داخل السجن.

لم تصدق أسرته الرواية الرسمية وتقدمت بطلب لإعادة تشريح الجثة، ورُفض الطلب ما أثار الشكوك. فالشاب الذي أصبح بطلاً في وجدان الشباب لا يمكن أن يقدم على ذلك، ثم كيف له أن يقدم على الانتحار مع أنه كان قد طلب قبل أيام قليلة التقدّم إلى كلية الحقوق لاستكمال دراسته.

وتجدر الإشارة، إلى اعتراف سكرتير مبارك مصطفى الفقي، بعد ثورة كانون الثاني/يناير، بأن سليمان خاطر قُتل ولم ينتحر.

المصدر: وكالات