"المحروقات" في الجزائر.. ملفٌ شائِكٌ بانتظار تَبون!

لا يزال "قانون المحروقات" الجديد في الجزائر، موضوع شدٍّ وجذبٍ بين السلطات والشارع المحتج. وفيما يصل عبد المجيد تَبون، إلى الرئاسة مثقلاً بتطورات الأشهر المنصرمة فإن "ملف المحروقات" سيتصدّر المشهد لما يمثله القطاع النفطي من أهمية في اقتصاد البلاد.
  • الجزائر تحتل المركز السابع عالمياً في احتياطات النفط والثالث بالنسبة للغاز

 

يشكّل "ملف المحروقات" في الجزائر أكبر التحديات التي سيواجهها الرئيس الجديد، عبد المجيد تَبون؛ فالقطاع النفطي الذي يُعتبر المصدر الأساسي للاقتصاد الجزائري، واجه خلال السنوات الماضية أزمات عديدة مرتبطة بانخفاض الأسعار عالمياً، ما انعكس أزمةً ماليةً خانقةً بسبب تراجع الإيرادات النفطية، حيث انخفضت قيمة احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 87.3 مليار دولار عام 2018 بعد أن كانت 201.4 مليار عام 2013، وفق بيانات البنك الدولي.

وعلى خطٍّ موازٍ تُظهِر بيانات رسمية، في موازنة العام 2019، أن صادرات النفط والغاز، استحوذت على 94% من إجمالي صادرات الجزائر، البالغة 37 مليار دولار خلال العام الماضي، أي 60% من ميزانية الدولة.

ويفرض "قانون المحروقات" الجديد نفسه من ضمن الملفات الشائكة في البلاد، مع وصول تَبون إلى منصب الرئاسة. مجلس النواب الجزائري صادق في 11 تشرين الأول/نوفمبر الماضي، على القانون بعد حوالي شهرٍ من مصادقة الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة عبد القادر بن صالح، على مشروع موازنة عام 2020 والذي أُضيف إليها المصادقة على تعديلات "قانون المحروقات".

شريحة واسعة من المتظاهرين اعتبروا التعديلات وسيلةً لبيع "الثروة الوطنية" للشركات متعددة الجنسيات، في حين توقّف آخرون عند توقيت المصادقة عليه، مشيرين إلى أن الجدل سببه سنّ القانون من قبل حكومة تصريف أعمال مؤقتة يرفضها الشارع.

في الجهةِ المقابلة، رأى وزير الطاقة محمد عرقاب، أن التعديلات "مكسب هام في ضمان المداخيل الضرورية للبلاد"، مشيراً إلى أن استكشاف إحتياطات بترولية وغازية جديدة أصبح "ضرورة ملحة ومستعجلة" للجزائر وهو ما يتطلب إطاراً قانونياً ملائماً. 

تصريحات الوزير الجزائري انطلقت من الحوافز الضريبية التي قدمتها الحكومة الجزائرية للشركات،  عبر إلغاء ضريبة الرسم على القيمة المضافة فيما يخص نشاط المنبع، من البحث والاستكشاف والتنقيب، شاملةً بذلك عمليات استيراد السلع والخدمات المرتبطة مباشرة بهذا النشاط، وصولاً إلى إعفاء الشركات من الرسوم المفروضة على النشاط المهني. ووفقاً لذلك، سيتيح إلغاء ضريبة الرسم على القيمة المضافة المقدرة بـ19% لنشاط المنبع و5% كحقوق جمركية، التحكم  في الفواتير النهائية وجعلها أقل تكلفة، وفي ظلّ تخفيف الأعباء الضريبية على الشركات الأجنبية في مرحلة الاستكشاف سيشجعها على الاستثمار بمختلف الحقول صغيرة كانت أو كبيرة، حيث ستكون بداية دفع الرسوم والضرائب والحقوق الجمركية مرادفاً لبداية الإنتاج في الحقول والآبار النفطية والغازية، في حين أن القانون القديم الذي أُعد في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ينص على أن الشركات الأجنبية مطالبة بدفع الرسوم والضرائب والحقوق الجمركية من أول يوم تدخل فيه إلى البلاد في إطار عقد لمشروع نفطي أو غازي، وملزمة بالدفع حتى لو لم تجد شيئاً في إطار نشاط المنبع (البحث والاستكشاف والتنقيب).

وبينما حافظ "قانون المحروقات" على سيادة الدولة في القطاع من خلال تملكها 51% مقابل 49% للشركات الأجنبية، فإن الحكومة رفعت آجال تراخيص البحث والاستكشاف من عامين إلى 7 أعوام، يمكن تمديدها لعامين إضافيين، على أن تكون المدة القصوى لاستغلال حقول النفط والغاز 32 عاماً.

التجاذبات بين الشارع والحكومة في الجزائر حول قانون المحروقات، طرأ عليه تحرّكُ الأخيرة باتجاه قطع الطريق على شركة "توتال" الفرنسية من امتلاك حصصٍ في شركة "سوناطراك" المملوكة للدولة، وذلك إثر قيام عملاق شركة "أناداركو" الأميركية ببيع أصولها في أفريقيا للشركة الفرنسية بما فيها حصصها في نفط الجزائر، فالشركة الأميركية تعمل في الجزائر منذ العام 1998 وتدير حقولاً نفطية وغازية جنوبي البلاد، بالشراكة مع "سوناطراك".

بدوره، قال وزير الطاقة محمد عرقاب، الأسبوع الماضي، إن شركة "سوناطراك" ستوقف صفقة "أناداركو" لبيع أصولها في الجزائر، من خلال "حق الشفعة" عبر شراء حصص "أناداركو" وإيقاف الصفقة كونها "لا تتوافق مع القانون الجزائري"، إذ يمنح قانون المحروقات الجزائري الأولوية لـ"سوناطراك" في الحصول على الحصص الشركات العاملة في قطاع الطاقة.

في المقابل يُلاحظ تأخر الحكومة الجزائرية في اتخاذ قرارٍ بذلك مع تعديها المهلة القانونية، التي يمنحها القانون الجزائري وهي 60 يوماً.

بين رفض الشارع لـ "قانون المحروقات" الجديد، تحت عنوان "التفريط بالثروات الوطنية"، وتمسك الجهات الرسمية به من أجل جلبِ استثمارات خارجية أكبر، بشروطٍ محددة، فإن الرئيس عبد المجيد تَبون يستلم منصبه مثقلاً بأحداث الأشهر الماضية في هذا الشأن، من ضمنها تأثيرات داخلية تتعلق بالاحتجاجات المستمرة المطالبة بعزل جميع رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بو تفليقة، وعدم اعترافها بالحكومة وقراراتها بما فيها "قانون المحروقات"، وتأثيرات خارجية ترتبط بأطماع الخارج في النفط الجزائري والذي يعتبر منذ تأميمه عام 1971 من قبل الرئيس الأسبق هواري بومدين، العامود الفقري لاقتصاد البلاد. 

يذكر في هذا السياق، أن الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات "آلنافت"، أعدت دراسة مطلع العام الحالي، أكدت فيها أن "احتياطات الجزائر من المحروقات غير التقليدية عرفت ارتفاعاً معتبراً، ما سمح للجزائر بالانتقال إلى المركز الثالث بالنسبة للغاز وإلى المرتبة الـ7 بالنسبة للنفط في التصنيف العالمي".

المصدر: الميادين